كما لو أنه كان يرفض أن ينحني للموت، أو أن يفرض عليه الجسد شروطه.. كان يعرف أن الموت يترصده في الزوايا، ومع كل منعطف حياة، لأن القلب كان يخدله كثيرا، هو الرجل المشتعل بالحياة والحيوية و.. الأمل. كان الأطباء يلحون عليه أن يتبع نظاما خاصا للأدوية، وكان هو يرفض كثيرا أن يكون عبدا لها، أن تسيره هي كما شاءت. كان يصر أن يكون هو هو، ذات الرجل الذي لا يتصالح سوى مع مبادئه في الحياة، وأولها: الحرية.. كان يخرج من قاعة الدرس، أمام تلاميذه الصغار، الذي كانوا أبناءه في القسم والساحة وفي الدرب، هو الذي رفض إمكانية المغادرة الطوعية، كي يذهب إلى اجتماع حزبي أو نقابي، أو إلى ساحة الفعل، من أجل التضامن مع أطفال غزة الشهيدة.. ( من آخر ما قام به، المشاركة في وقفة تضامنية مع فلسطين قبل وفاته بيوم ).. « علال تباث »، الذي أراه يمشي بين أزقة حي مبروكة وسيدي عثمان، زمن الشبيبة الإتحادية التي كانت تقود إلى الزنازن والمنافي والإغتيال.. والذي أراه يمشي بين أزقة درب عمر ( حين كان العمل النقابي الكونفدرالي متوهجا ).. والذي أراه يمشي بين دور الشباب، من أجل تأطير الفتية والشباب ضمن جمعية « الطفولة الشعبية ».. والذي رأيته آخر مرة عند زنقة أكادير، في بناية الماريشال أمزيان، مع إخوته في الحزب الإشتراكي الموحد.. هذا المناضل، يعتبر نموذجا خالصا لنوع من المغاربة الذين ربتهم وأنتجتهم وأنضجتهم مدرسة الإتحاد الإشتراكي النضالية، أي أولئك الناس الذين لا مسافة عندهم بين المبدأ والموقف، بين الفكرة وترجمتها في الحياة اليومية، ذلك النوع من البشر الذي يستطيع الواحد منا أن يصفهم ب « صوفية السياسة الوطنية التقدمية بالمغرب ».. لم يكن يركبه هم مراكمة الثروات أو ترك السلالة، بقدر ما كانت تهمه ثروة البلاد أن تبقى لأبنائها، كل أبنائها.. الثروة التي تجعل المغربي يتصالح مع ذاته ومع العالم، وأن يركب براق التقدم والعدل والنماء.. اليوم، كثيرون منا، لن يتذكروا في وحدتهم، من صورة الرجل، ببحة صوته الخاصة، وانطلاقته في الحديث كطفل يريد أن يقول كل شئ دفعة واحدة،، لن يتذكروا غير نشيده الذي ياما تغنى به المناضلون والشباب، في مختلف المواقع، نشيد: « إشهد ياحزيران ».. اليوم، كثيرون منا يدندنون - وسيظلون - مقاطع من ذلك النشيد الجميل الذي كتبه الراحل علال تباث، بعد أحداث 20 يونيو 1981 بالدارالبيضاء، وتركه أثرا عنه في دنيا الأحياء. وهو النشيد الذي نتذكر منه هذه الصور الجميلة، الراسخة والصادقة.. « إشهد ياحزيران في يومك العشرين، وطني أنار الدرب، والنصر مشتعل.. ذي يَقْظَةُ الفلاح، ذي صرخة العامل.. ذي ثورة الجمهور، ذا شعبنا البطل.. سعيدة يا زروال، دهكون يا رحال.. مواكب الأبطال، بالوعد تتصل.. مَنْ مُخْبِرٌ المهدي، مَنْ مُخْبِرٌ عُمَرَا، عن روعة الجمهور، ورَوْعِ من نَزَلُوا.. مدينة البيضاء، يادرب من رحلوا.. أبناؤك الفقراء، اليوم قد وصلوا.. ».