قال فتح الله ولعلو، نائب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إن المسيرة التنموية للبلاد بعد الاستقلال، اعترتها ثلاث نقط ضعف أساسية أثرت على وتيرة التطور، أولها عدم الاهتمام بالشكل الكافي بالاقتصاد والاكتفاء فقط ببناء الدولة، وثانيها لم يأخذ التعليم والتكوين الخاص بالموارد البشرية نصيبه الأوفر من العناية، ونقطة الضعف الثالثة تتجلى في الجغرافية التي أوجدت المغرب في منطقة المغرب العربي التي يغيب فيها منطق البعد الوحدوي لدى البعض. فحتى عملية المغربة لم تؤد إلى تحديث الاقتصاد المغربي، بل خلقت اقتصاد الريع المرتبط بالدولة، بدل الاقتصاد المرتبط بالاجتهاد مما أدى إلى المديونية في السبعينيات، التي أدت بدورها إلى سياسة التقويم الهيكلي في الثمانينات. وأكد فتح الله ولعلو في لقاء مفتوح نظمته الكتابة الجهوية بالرباط تحت عنوان "عبد الرحيم بوعبيد والمسألة الاقتصادية الأمس واليوم"، يوم السبت الماضي، أن مرحلة ما بعد الاستقلال تميزت بالاهتمام بعنصرين رئيسيين، يتمثل الأول في إعطاء أولوية للسلطة، والثاني يتجلى في بروز الظاهرة التقنوقراطية على حساب السياسة، أما الاهتمام بالاقتصاد فلم يكن بالشكل المطلوب. وأشار فتح الله في معرض حديثه عن المقاربة البوعبيدية، الى أن المغرب حين كان عبد الرحيم بوعبيد يتحمل مسؤولية وزير الاقتصاد والمالية (1957 إلى 1960 ) في حكومة عبد الله إبراهيم مباشرة بعد الاستقلال، كان لا يتجاوز عدد سكانه 11 مليون نسمة بينما الرباط العاصمة تناهز فقط 90 ألف نسمة، لكن هذا الرجل الوطني الغيور الذي وصفه بعض الأجانب ب"ديمقراطي الدولة" عمل في تلك الفترة على إرساء دعائم السيادة الاقتصادية المغربية، حيث فكر بوعبيد في إحداث القطيعة مابين العملة الفرنسية والعملة المغربية، ونهج سياسة الاستقلال النقدي وذلك بتوفير الآليات والشروط المساعدة على ذلك المتجلية في خلق مكتب الصرف، صندوق الإيداع والتدبير، والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي، البنك المغربي للتجارة الخارجية... بالإضافة الى أنه مع عبد الرحيم بوعبيد كوزير للاقتصاد والمالية، كانت الخطوات الأولى في المغرب نحو التصنيع كالمعمل الكيماوي بأسفي، وبناء أول معمل للسكر بسيدي قاسم مع البولونيين... وفي الجانب الاجتماعي وارتباطا دائما بالنضال من أجل تثبيث الحقوق العمالية، كان العمل على إحداث الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، واهتم عبد الرحيم بوعبيد بالاقتصاد الحقيقي العيني، قطاع الفوسفاط بالمغرب، كما أعطى أهمية للعالم القروي بتنظيم عملية الحرث الجماعي وسيتم استعمال الجرار لأول مرة من طرف الفلاحين المغاربة. ولخص فتح الله المقاربة البوعبيدية الاقتصادية، في العمل بالوطنية والسيادة للاقتصاد المغربي، حيث كان يرفض الحضور الكولونيالي، ثم الاقتصاد المختلط المنبني على أية شراكة مابين الدولة والقطاع الخاص، فضلا عن التوزيع العادل للدخل، بالإضافة إلى الوحدة الجغرافية للمغرب بتوحيد العملة "الدرهم" لأنه كان يعي جيدا أن للعملة دورا محوريا وأساسيا في توحيد البلاد، والبعد المغاربي الجهوي الذي له أهمية قصوى في التقدم الاقتصادي، دون أن ينسى البعد الأوربي في الإشعاع الاقتصادي للمغرب، وأخيرا التنمية التي يجب أن ترتبط ارتباطا عضويا بالديمقراطية. وشدد فتح الله على أن المغرب في العشر السنوات الأخيرة عرف قفزة نوعية في الاقتصاد بفضل عدة تحولات أساسية طرأت عليه، مشيرا بسرعة إلى بعض المؤشرات التي تدل على ذلك كانخفاض المديونية، ارتفاع نسبة الاستثمار، التوازنات الماكرو اقتصادية، محاربة الفقر والهشاشة، المشاريع الكبرى ، الشراكة مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، السياسات القطاعية....كل هذا بالإضافة إلى الإصلاحات المؤسساتية والهيكلية والقانونية التي أكسبت الاقتصاد المغربي مناعة وقوة ليصمد أمام كل الهزات والرجات التي عرفها العالم مؤخرا، فالمغرب استطاع أن يواجه كل متطلباته من الطاقة بالرغم من وصول سعر البرميل للبترول إلى أكثر من 148 دولارا. إلا أنه، يقول فتح الله ،إن المغرب مازالت أمامه عدة نقط ضعف لابد من تخطيها والتقدم فيها لأنها في نظره تعتبر أساسية في التقدم الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وأولها نسبة النمو 5 في المائة، ثم الفقر الذي مازالت خريطته واسعة، فضلا عن مشكل الأمية المتفشية بشكل كبير، فضلا عن التوزيع اللامتكافئ ما بين العالم القروي والحضري. ومن اللازم أن نتقدم في بعض القطاعات المصاحبة والضرورية كالتعليم والتكوين لنحرز التقدم الذي ننشده ويتطلبه العصر، ومشكل الطاقة الذي بدأ المغرب يعي أن السبيل الوحيد لنا هو البحث سياسة بديلة، كما أن المغرب لايزال لم يتحكم في مشكل العقار، والمطلوب كذلك مضاعفة مجهودات كبيرة للتحكم في الماء. أما بخصوص الأزمة المالية العالمية التي عرفها العالم، يقول فتح الله، «ليس المهم لدينا هل سنتأثر أم لا، مشيرا في هذا الإطار الى أن المغرب سوف لن يتأثر بشكل كبير، "ولم يبق هذا سرا"، لكن الأهم بالنسبة لفتح الله هو كيف يمكن أن نساير في ما بعد الأزمة الحالية في عالم سيصبح متعدد الأقطاب مع العلم أن بلدنا في منطقة مغاربية هشة وريعية من الناحية الاقتصادية، فهل ستكون منطقة تابعة أم مبادرة، لكن قوتنا وسبيلنا الوحيد لنضمن مكانا في العالم الجديد رهينة بقوتنا التفاوضية المنبنية على الاستمرار في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والهيكلية والمجتمعية والتي ستلعب دور القاطرة لبلدنا؟. ولم تفته الفرصة أن يؤكد على أن المغرب مطالب في وقت أكثر من مضى بإعادة الاعتبار للسياسة، ومحاربة الفساد والإفساد، وما الاستحقاقات القادمة إلا مناسبة للضرب بيد من حديد على كل المفسدين والمتلاعبين بمصير البلاد، لان التدبير الجماعي هو الحلقة الأساس في التنمية المحلية، لذلك يجب أن يكون في أياد أمينة ونزيهة وذات مصداقية، كما أن الجميع مطالب ببذل مجهود كبير لخلق مصالحة المغاربة مع السياسة، لذلك يرى فتح الله انه لابد من هزة ورجة سياسية تساهم في خلق مناخ مساعد لهذه المصالحة، مشيرا الى أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية همه الأساسي اليوم و خلال مجلسه الوطني، الذي سينعقد قريبا، هو كيفية تفعيل وتنفيذ مقررات المؤتمر الوطني الثامن.