تتعالى الاصوات وتغطي على الجهاز اللاسلكي الذي يتحلق حوله طاقم رويترز في غزة ويستخدمونه للحصول على أحدث المعلومات. ويشكو بعض الناس من عدم وجود «صحفيين غربيين» في الداخل، لكن كلنا يعمل هنا. بعد أكثر من اسبوعين كاملين من القصف كلنا قلقون على أسرنا، لكننا نعمل ونعمل على كتابة التقارير. ونأمل ان يتوقف كل هذا. قال زميل لي يعمل في شمال غزة «لقد قصفوا سيارة في بيت لاهيا». وقال آخر في أكبر مستشفى في غزة «ثلاثة قتلى وصولوا الى مستشفى الشفاء»، ويقول ثالث في جنوب قطاع غزة قرب حدود مصر «أصيب عدد من الناس حين قصفت الطائرات الاسرائيلية الانفاق.» سجلت كل هذه الاتصالات الهاتفية في مكتبنا حيث وضعت الاشرطة اللاصقة على كل النوافذ لتقليص المخاطر من الزجاج المتطاير في حالة تحطمه اذا كانت الضربة قريبة. ورغم ذلك نسفت النافذة الكبرى في الصالة. لدينا آلة تصوير مثبتة على مبنانا المرتفع لكن المصورين يتفادون اخراج الكاميرات من النوافذ حتى لا يعتقد خطأ انها أسلحة. فهذا السبب سيق من قبل كمبرر لتقصف دبابة امريكية مكتبنا في بغداد عام2003 مما ادى الى مقتل واصابة زملاء لنا، وسيق أيضا كمبرر لتقتل دبابة اسرائيلية زميلنا هنا فضل شناعة قبل تسعة أشهر. يمكن لآلة التصوير المثبتة ان تظهر البحر المتوسط على بعد بضع بنايات الى الغرب او تتجه الوجهة الاخرى حيث تقترب القوات البرية الاسرائيلية وقد لا يفصلنا عنها سوى كيلومتر واحد. من قبل في الليل كانت تظهر الاضواء المتلالئة وحركة السيارات في الشوارع. لكن الآن خلت الشوارع ولا ترى الا القليل من الاضواء الكهربائية ولا يتحرك الكثير بعد حلول الظلام هذه الايام. وقررنا لدواعي الامن عدم البقاء في المكتب ليلا. نعود لنرعى أسرنا ونظل على اتصال بالعمل هاتفيا. نصل جميعا الى المكتب نحو الساعة التاسعة. نحو عشرة افراد بالاضافة الى نحو12 فردا اخرين يعملون في مناطق اخرى من القطاع. لدى وصولنا تكون الضربات عادة قد بدأت قبل بضع ساعات. نتصل بالقدس حيث يقوم زملاء لنا بتحديث تقاريرنا على مدار الساعة. ويستمر هذا التحديث على مدار اليوم. انا عادة لا أجد الوقت لكتابة التقارير المطولة بنفسي. فالاحداث تتحرك بسرعة. داخل غزة نلجأ للرسائل النصية على الهواتف المحمولة للاتصال. وعلينا ان نتابع التلفزيون المحلي والمحطات الاذاعية لانها تكون عادة اول من يذيع التطورات التي نلاحقها للتأكد من صحتها. وهذا التحقق ضروري.. لان اي حرب يحدث فيها تشوش ودعاية ولذلك التحقق ضروري ليعرف القاريء على الاقل ان مصادر معلوماتنا امنة. كل يوم تكتب لي ولاسرتي ولفريقي حياة جديدة. فلم ينج تقريبا مكان في غزة من الغارات الجوية. وضرب وسط مدينة غزة عدة مرات. بعض المناطق ضربت لا لاكثر من وجود شرطي من حركة المقاومة الاسلامية «حماس» يسير على مقربة او رصد القوات الاسرائيلية لبعض النشطين الفلسطينيين عند ناصية أحد الشوارع.والهجوم المدوي الذي يعقب ذلك يمكن ان يكون مدمرا لا بالنسبة للاشخاص المستهدفين فقط بل لمنزل قريب او بعض المارة. تقتصر تحركات طاقمنا على المستشفيات والضربات الرئيسية لاماكن تعتبر هامة او التي نعتقد انها شهدت خسائر كبيرة في الارواح. فالقيام بخلاف ذلك ينطوي على مخاطر كبيرة. لا يسعنا ان نكون مع قادة حماس او مع المقاتلين ففي هذا خطر عظيم. أقول لأفراد طاقمنا ثلاثين مرة في اليوم «من فضلكم كونوا على حذر. لا تدخلوا اي مكان بعد قصفه مباشرة. انتظروا قليلا لانه قد يقصف مجددا.» يحث كل منا الاخر على تفادي الطرق الرئيسية خارج المدينة وان يتلفت في كل اتجاه ويعرف تماما الى اين يقود سيارته. «حاول الا تمر قرب مركز للشرطة حتى لو كان قد ضرب بالفعل. ولا تقترب من اي مكتب للصرافة ولا من منزل قيادي من حماس. ولا تمر من مكان هدد الجيش الاسرائيلي بقصفه. وتفادى المرور بالقرب من مسجد» انها قائمة ارددها لنفسي مرارا وتكرارا وانا اتحرك بسيارتي. في المكتب نتناول الافطار معا وفي أحيان الغداء أيضا ونرسل وجبات الى الذين يقومون بمهام خارج المكتب. في مرحلة ما كنا لا نرى أفراد أطقمنا في الخارج لنحو خمسة ايام. ولدى عودتهم الى المكتب يكون في انتظارهم استقبال حافل. نتعانق ونشكر الله على أننا سالمون على ان كلنا بخير. فمنذ بدء الهجوم قتل أربعة صحفيين. الاول يعمل للتلفزيون الجزائري والمغربي، واثنان يعملان لمحطات اذاعية محلية والرابع كان المصور الرئاسي الخاص للرئيس الفلسطيني محمود عباس. حين ضرب المجمع الامني الرئيسي على بعد200 متر من مكتبنا اخترقت قطع من الشظايا جدار المكتب وأحدثت فجوة فيه. كما تهدم جزء من السقف، لكن لم يصب أحد. في كثير من المرات اختبأنا اسفل مكاتبنا حين هزت الانفجارات من الجو المكتب. كما كنا نسمع أزيز الصواريخ التي كانت تطلق من داخل المدينة على اسرائيل. أسرنا هي شاغلنا الاعظم. أعيش في جنوب غرب مدينة غزة في منطقة لا تبعد كثيرا عن البحر. ولم ينقطع صوت الانفجارات في شوارع الحي طوال أكثر من15 يوما من الحرب. لم يكن لدينا كهرباء لمدة عشرة ايام. ولاعتبارات السلامة تجلس زوجتي وابنتي (12 عاما) وابني (سبعة أعوام) طوال اليوم في رواق صغير يستمعون الى الاخبار من مذياع صغير. حين يذهب أحدهم الى دورة المياه يذهب الكل معه. طوال15 يوما نمنا في حجرة واحدة نرى انها الابعد عن الشارع والاكثر أمنا. لكن المبنى كله يهتز مع كل انفجار. تترك زوجتي السرير لتحتضن الطفلين اللذين ينامان على حاشية على الارض ويسدان اذانهم في كثير من الاحيان مع بدء دوي الانفجارات. اما محاضراتي اليومية عن اننا في أمان وبعيدين عما يحدث فتضيع أدراج الرياح. ويوم الاحد الذي دخلت فيه الحرب يومها السادس عشر قررنا الانتقال. فقبل ثلاثة ايام سقط صاروخ على مبنى مجاور فقتل ثلاثة اشخاص أعرفهم. انه زميل صحفي وزوجته وأمه. بحلول ليل السبت كانت الدبابات الاسرائيلية تطبق على حينا السكني البعيد نسبيا. وفي صباح الاحد، نزلنا كلنا ورأينا مجموعة صغيرة من المقاتلين. لقد أصبحنا بوضوح في منطقة معارك ولذلك انتقلت اسرتي لتقيم مع اقارب يعيشون في منطقة تقرب أكثر من وسط المدينة الاكثر ازدحاما والاكثر.. كما نأمل.. أمنا وان كان لا يوجد شعور بالامان في اي مكان. أصبح علينا ان نترك المكتب قبل ان يحل الظلام لان الشوارع تكون خاوية ومخيفة. أغلقت المطاعم وفي الصباح تزدحم المخابز التي يوصل أحدها الطلبات الى مكتبنا. زملاؤنا في القدس بعيدون، لكن لديهم محطة مراقبة تلفزيونية حية يرون منها الدخان والغبار والنار. فيحسون بقدر من المناخ العام. يصعب الحصول على احصاءات دقيقة من اطراف مستقلة عن عدد المقاتلين الذين قتلوا. ولا يرد المتحدثون باسم حماس على الاسئلة. كما ان مصورينا لا يتابعون تشييع جنازات ناشطي حماس، لان في ذلك خطورة كبيرة. ويقول الجيش الاسرائيلي انه قتل «مئات» المقاتلين. ومن الاحصاءات التي نجمعها من المستشفيات مئات المدنيين قتلوا ايضا. ويوم الجمعة التاسع من يناير ضربت جوا منشأة بث وانتاج تلفزيوني على بعد نحو100 متر من مكتبنا. وأصيب شخص واحد على الاقل كما وقعت اضرار كبيرة. وكان يستخدم المنشأة عدد من القنوات التلفزيونية العربية وتلفزيون /برس تي.في/ الايراني. وقال الجيش الاسرائيلي، ان المبنى لم يكن مستهدفا لكنه تعرض « لاضرار ضمنية» وأكد لنا انه ينسق ويعرف موقع مكتب رويترز واننا غير مستهدفين. لكن الامر مقلق رغم هذا. نصلي وندعو ليتوقف كل هذا قريبا.