في طريقي إلى مقر "قناة الجزيرة" لإجراء لقاء حواري مع رئيس تحريرها السيد إبراهيم هلال تزاحمت في مخيلتي كل رجالات البرامج والأخبار، وحاصرتني التشكيلة المتنوعة للبرامج الحوارية والإخبارية والتحليلية. كما خطرت ببالي كل الاتهامات التي حامت حول "الجزيرة" فشعرت بالعبء الثقيل الذي يتحمله هذا الرجل خلف الستار بالإضافة إلى مسؤولياته، وتساءلت هل يمكن أن يتحمل صراحة السؤال وشدته؟!...فكان اللقاء معه تحت شعار "الرأي و الرأي الآخر" سعيا للوصول إلى شيء من الحقيقة... في هذا اللقاء أكد السيد إبراهيم هلال أن "تنظيم القاعدة" يستغل سقف الحرية الذي تتمتع به "قناة الجزيرة" كما يستغل وسائل إعلامية أخرى لإيصال خطابه، وبعده الإستراتيجي والذي يقول بأن العرب يكيلون بنفس الكيل الذي يكيل به الغرب لإخوتنا في فلسطين. وأوضح أن أشرطة القاعدة وغيرها تصل إلى الجزيرة عن طريق البريد أو عن طريق وسطاء عديدين. وأضاف رئيس تحرير الجزيرة أن القناة نافذة لما يدور حولها بالوطن العربي وأن بث أشرطة القاعدة نابع من أن هذا التنظيم جزء من هذا الوطن، وشدد على أن صورة العربي والمسلم ينبغي أن نغيرها ونصلحها بيننا نحن المسلمين حتى نبني جسورا قوية مع الغرب. وقال إن التحرش الأميركي بالقناة والمضايقات العربية التي يلاقيها مراسلوها وبرامجها لن تزيد الجزيرة إلا إصرارا على المهنية والموضوعية والشمولية...وفي ما يلي نص الحوار الدوحة - عبد الحكيم أحمين القاعدة تستغل الجزيرة في البداية رد السيد إبراهيم هلال على سؤال التجديد عن كيفية حصول قناة الجزيرة على أشرطة تنظيم القاعدة قائلا باعتبارنا وسيلة إعلامية وإحدى القنوات العربية التي أصبح لها حضور قوي في الوسط الشعبي العربي والإسلامي فكان أن ارتأى تنظيم القاعدة أن يستغل هذه القناة لإيصال خطابه والأشرطة التي تصلنا من القاعدة أو غيرها تأتينا إما عن طريق البريد أو عن طريق وسطاء عديدين وهنا أشير إلى أن هناك أشرطة متنوعة تصلنا من مناطق متعددة ومن منظمات وأناس عاديين من ذلك مثلا وصلنا أخيرا شريط من الشيشان عن طريق شخص من دبي الذي وحصل عليه عن طريق شخص آخر في تركيا كما وصلتنا أشرطة من البحرين من مواطنين عاديين صوروا أمورا أرادوا أن يبثوها عبر الجزيرة . وهنا لابد أن أشير إلى أن تنظيم القاعدة اعتمد في توصيل أفكاره وآرائه على وسائل إعلامية متنوعة مثل الإنترنت وغيرها كما أنه يعرف أن سقف الحرية في الجزيرة كبير وهو يريد أن يستغل هذا الأمر . "الإسرائيليون" اعتادوا على السرقة وأكد عدم وجود علاقة أو تنسيق بين الجزيرة والقناة الإسرائيلية الثانية خاصة بعد أن نشر خبر يقول بأن القناة الصهيونية بثت نفس الشريط الذي بثته الجزيرة يوم ذكرى 11 سبتمبر/ أيلول، قائلا هل رأيت وشاهدت الشريط من خلال القناة الإسرائيلية الثانية؟ هذه من الشائعات التي لا نلتفت إليها لأنها تحمل في نفسها ما يدحضها بشكل جلي هذا من جهة. من جهة ثانية وإن حدث وبثت القناة الإسرائيلية التي لا أتابعها نفس المادة التي نشرنها فالإسرائيليون اعتدنا منهم على السرقة وهم أنفسهم يعترفون أنهم يأخذون مقتطفات من بث القنوات العربية لتحرير أخبار أو تقارير تخدم ما يسمى قضيتهم، ونحن لا نملك الوسائل لكي نصل إلى إسرائيل لمنعها الأخذ عنا، ثم هل إذا أرادت الجزيرة الحفاظ على علاقتها مع هذه القناة فهل من السذاجة أن تكون هذه العلاقة بهذه الصورة ؟ العلوني يخاف الاعتقال! أوضح رئيس تحرير الجزيرة، في إطار اتهام الجزيرة بأن لها علاقة بالمخابرات الأميركية خاصة من خلال ما تبثه من أشرطة لتنظيم القاعدة، أنه لو كانت للقناة علاقة بهذه المخابرات أو غيرها لقدمنا تغطيات أفضل مما نقدمه حاليا ولتيسرت لنا أمور كثيرة وإلا لماذا قصف مكتبنا في أفغانستان من دون بقية المكاتب إذ فقدنا أكثر من مليون دولار من أجهزة وكاميرات وغيرهما بالإضافة إلى أشرطة قيمة ومتميزة لا تقدر بثمن ؟ كما أن تسير العلوني مراسلنا وقت القصف لم يكن مسافرا أو مغادرا للمكتب بل تعرض له وكاد يهلك أثناءه وحاليا العلوني لا يستطيع أن يسافر خارج الدوحة خوفا من تعرضه للاعتقال ولعدم وجود ضمانة بحمايته. ولماذا نحب أميركا؟! وعن دور الجزيرة في تشويه صورة العربي والمسلم لدى الغرب خاصة لبثها لأشرطة تنظيم القاعدة التي يعترف فيها بالقيام بهجمات 11 سبتمبر/ أيلول، قال السيد إبراهيم لماذا نريد نحن العرب والمسلمين أن نهرب من الحقيقة ونتنكر لمواطنين منا اعترفوا بأنهم هم من قاموا بالهجمات؟ ولا أدري لماذا لا تريد الدول العربية أن تعترف بأن بها أناسا يأمنون بفكر يقاوم الوجود الغربي بالبلاد الإسلامية؟ لا بد أن نفكر لماذا يوجد بيننا أمثال هؤلاء؟ وكيف أصبحوا يؤمنون بهذا النهج؟ ولماذا خرج من بيننا بن لادن ؟ لكي نحل المسألة بيننا ونعطيها العلاج المناسب. في الحقيقة لم أر أناسا فاشلين في تغيير أنفسهم منا نحن العرب والمسلمين، لماذا نهتم بالغير دون أن نهتم بأنفسنا لابد أن نحسن صورتنا بيننا أولا هذا إذا أردنا أن نبني جسورا قوية مع الغرب، وفي هذا الإطار أود أن أثير ثلاث ملاحظات: أولا هؤلاء الذين قاموا بهجمات 11 سبتمبر هل سنتبرأ منهم ؟ هم عرب ومسلمون فلماذا تريدون من قناة الجزيرة عدم نقل أخبارهم فهم جزء من الوطن العربي والإسلامي، ثم إن قنوات غربية عديدة تتلهف لنشر أشرطة القاعدة وغيرها وكانت قناة (إن بي سي) الأميركية أول من بث أشرطة القاعدة فلماذا لم تهاجم ؟ ثانيا لماذا لم نستطع أن نستوعب البعد الإستراتيجي لتنظيم القاعدة الذي يريد إيصاله وهذا البعد هو أنه إذا كان العرب يقتلون من طرف الغرب في إسرائيل وغيرها فهناك من العرب من يستطيع أن يفعل مثل فعل الغرب. ثالثا أنا لا أعتقد بأن الطائرات الغربية كانت مستعدة لتحرير فلسطين أو أن مجلس الأمن كان على وشك إصدار قرار لرفع الاحتلال عن فلسطين لكن قناة الجزيرة ببثها لأشرطة بن لادن جعلتهما يتوقفان عن تنفيذ قرارهما، إلى متى نتكئ على تكاسلنا وعجزنا؟ . في هذا الإطار أيضا لما كنت في أميركا وأثناء محاضرة سألني الأميركيون لماذا تكرهوننا فأجبتهم ولماذا نحبكم؟! هل كنتم وراء تحررنا من الاستعمار وغيره، وأضفت نحن المسلمين على استعداد لكي نحبكم إذا ما ساعدتمونا على تحررنا من تخلفنا وتقوية اقتصادنا والخروج مما نحن فيه فسكت الكل! تحرش أميركي ومضايقات عربية ولدى سؤال السيد إبراهيم هلال عن خلفيات اعتقال مصور الجزيرة بقاعدة غوانتنامو بكوبا وهل اعتقاله يدخل في باب المضايقات الأميركية التي يتعرض لها مندبو الجزيرة ومراسلوها، قال هذا السؤال يجب أن يوجه إلى أميركا، والمضايقات لا يسلم منها أي صحفي في أي بلد من بلدان العالم. وأضاف مجيبا عما ستقوم به الجزيرة لإطلاق سراح صحفي القناة نحن نبذل كل ما في وسعنا وتحدثنا إلى كل وسائل الإعلام بخصوص موضوعه واتصلنا بكل المنظمات الدولية الصحفية للدفاع عنه وعن المهنة التي يمثلها كما اتصلنا بكل من يمكنه أن يقدم مساعدة في هذا الموضوع وللأسف من الأخبرا التي تصلنا عنه أن زوجته تتوصل منه برسائل يقول فيها أنه لم توجه إليه أي تهمة محددة. وأكد أن المضايقات التي تعرض لها مراسلو الجزيرة بالدول العربية تأتي من حكومات عربية تضيق بالرأي الآخر ولقلة الحريات التي تمنحها لشعوبها. وتابع قائلا إن التهديدات والتحرش الأميركي والمضايقات العربية والحملة العالمية على الصحافة لن تزيدنا إلا إصرارا على الحرص القوي على التميز المهني والموضوعية والشمولية في نقل الخبر وغيره. أما المراقبة المستمرة التي ترافقنا للأسف فإنها تهدف فقط إلى اصطياد الأخطاء وترصدها ونحن في إصرارنا على الموضوعية لابد أن نقع في أخطاء لأننا بشر مثلا كأن نقدم خبرا عن آخر أو نغطي حدثا هنا ولا نعطي آخر هناك لأننا نقدر وتقديرنا قد يخطئ. حصار (تحت الحصار) وعن سر توقيف بث برنامج ( تحت الحصار) وهل كانت هناك ضغوط خارجية وراء وقفه خاصة بعد أن لقي إقبالا شعبيا كبيرا، قال السيد إبراهيم أولا البرنامج كان ناجحا بكل المقاييس حتى أن قنوات أخرى قلدت الجزيرة فيه وأعدت برنامج تحت عنوان (فوق الحصار) وغيرها من البرامج المحاكية لنا. ثانيا هدف البرنامج كان هو تفعيل العرب وتحريكهم خاصة في إطار الحصار الذي كانت تعاني منه فلسطين شعبا ورئيسا وعندما انتهى الحصار أوقفنا البرنامج هذا من جهة. من جهة ثانية لاحظنا من خلال البرنامج أن تيارات عدة استغلته لتمرير ما تريد تمريره بل لاحظنا أن الخلاف الفلسطيني الفلسطيني انتقل بقوة إلى الواجهة ومن خلال ( تحت الحصار)، كما لاحظنا أن المشاهد العربي لم ينضج بعد ولم يكن على قدر المسؤولية لهذا كله قررنا إيقافه واستبداله ببرنامج أسبوعي ذي مواضيع مختلفة ومتنوعة وهو ابن شرعي ل(تحت الحصار) وسميناه ب( منبر الجزيرة) وهو منبر لمن لا منبر له ونتلقى من المشاهدين اقتراحاتهم لمواضيع حلقات (منبر الجزيرة ) وإذا اتفق على موضوع معين أدرجناه مع استضافت محلل سياسي يعلق على مداخلات المشاهدين، وفروَ بثِنا ل(منبر الجزيرة) تعرضنا لضغوط من حكومات عربية لكننا لم نهتم بها. تشفير الجزيرة وقال أيضا مجيبا عن سر تشفير الجزيرة وهل هذا يدخل في باب استغلال الشعبية التي تحظى بها القناة قصد الربح، لم تشفر الجزيرة على كل الأقمار الاصطناعية بل في قمر واحد لا غير ويكمن لمشاهدينا تتبعنا أينما كانوا لأن سياستنا هي توصيل الخبر للمواطن العربي والمسلم أينما وجد. أما الانتقال إلى نظام "النميريك" فأطن أنه بحلول عام 2007 ستكون كل القنوات ستبث من خلال هذا النظام، وأود أن أتساءل هنا لماذا لم تتعرض قنوات أخرى شفرت للانتقادات مثلما تعرضت له الجزيرة ؟ وأقول إن الجزيرة لن تقرر أبدا أن تكون ربحية كيفما كانت الظروف والأحوال ستبقى برامجنا وأخبارنا دائما مجانية. الجزيرة نافذة لكل ما يدور حولها وأوضح في معرض رده عن اتهام الجزيرة بأنها بوابة للتطبيع ووبقا للإسلاميين ونافذة للعلمانيين ، أن الجزيرة نافذة لكل ما يدور حولها، فإذا فتحت نافذة بيتك هل ستقرر أن ترى شيئا ولا ترى آخر أو أن الواقع سيفرض عليك أن ترى كل ما به؟ فدور الجزيرة هو إنارة لما يدور في العالم من أحداث لا نقدم شيئا من عندنا و لا نقترح إلا تقديم خبر على آخر وهذا كما قلت سابقا تقدير منا لأهمية الخبر لا غير . أما العلمانيون والإسلاميون والإسرائيليون فهؤلاء موجودون في العالم العربي ويعيشون بيننا فهل نستثنيهم؟ فلابد أن نتعرف عليهم وعلى وجهات نظرهم وعلى أفكارهم خاصة الإسرائيليين لكي نعرف كيف نتعامل معهم بل هناك مصلحة معلوماتية تفيد الكل المعارض للتطبيع أو المؤيد له، ثم نحن في الجزيرة دائما نضع الإسرائيليين في موضع أنهم محتلون و لا نضعهم مثلما يفعل الإعلام الغربي كأنهم أصحاب الأرض، إذن لابد أن نعري كل ما يدور حولنا ونتعرف عليه لكي نتعرف كيف نتعامل معه. عائقان أمام مهنية الإعلام العربي وشدد السيد إبراهيم هلال على أن هناك عائقين أمام الإعلام العربي نحو المهنية والموضوعية أولهما عائق مادي إذ لابد أن تتوفر وسيلة الإعلام على كل الأجهزة والوسائل التي تمكنها من تقديم عمل صحفي متميز. أما العائق الثاني ففكري فنحن تربينا على فكرة التصنيف نسعى إلى ذلك بكل إصرار ونسعى لنعرف من يمدك بالمال وغيرها من الأمور التي لا تسمن ولا تغني من جوع إن عرفها المشاهد أو القارئ، علينا أن نتخلص من فكرة تصنيف الناس أو وسائل الإعلام وغيرهما حتى نحقق المهنية المطلوبة. دور الإعلام وفي الأخير قال رئيس تحرير الجزيرة إن دور القناة وغيرها من وسائل الإعلام في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية يجب أن نضع أمام أعيننا هدفا واحدا ومشتركا وهو توصيل المعلومة الصحيحة والدقيقة إلى المشاهد والقارئ العربي والمسلم ونتركه يتعامل معها لكي تقوم وسائل الإعلام ومنها الجزيرة بدورها في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية. أما التربية الفكرية والعلمية والعقدية فهذه أهداف أكبر منا علينا بكل اختصار أن نعمل مثل الهاتف حينما ينقل لك معلومة من الذي يتصل بك دون مجاملة أو حذف أو زيادة حتى تصل المعلومة كما هي خالصة لا تشوبها شائبة. عبد الحكيم أحمين