نشر يوم 7 يناير الجاري، المناضل التقدمي الفرنسي، عضو « اتحاد يهود فرنسا » سيرج غروسفاك، نداء إنسانيا قويا من أجل وقف المجزرة على قطاع غزة، الذي وصفه ب: « الشهيد ». وهو النداء، الذي جاب كل الأصقاع، وخلف ردود فعل قوية بين كل يهود العالم، وكذا كل أحرار العالم المتضامنين مع عدالة القضية الفلسطينية. وللأهمية الكبيرة لما جاء في ذلك النداء، نترجمه كاملا للقراء.. أنا يهودي وأسمع صوت الصراخ، القنابل، وعويل الآلام. إنه التاريخ يعود ليتفجر أمامي. التاريخ الذي نقله إلي والداي، والذي يفضح الحرب المخزية. أنا يهودي، وأرى الدم، الدم الذي يراق تحت القنابل مثل ماكان الأمر في « گرنيكا » (٭). أنا يهودي وأعرف معنى الغضب اليائس ضد الخنق والتجويع في « غيثو فارسوفيا ».. أعرف اللامبالاة الفظيعة والمطلقة التي سبقت ذلك، مثل ما يحدث في غزة. أنا يهودي، وأنا أخ في الجدور وفي التاريخ للذين هم في إسرائيل. أبناء الضحايا، الذي يلبسون اليوم جبة الجلاد. يا لها من مهانة، يا له من ألم أن تشاهد اليوم الذين كم عانوا، الذين ياما عذبوا، لم يأخدوا من ماضيهم غير احتقار وضيع للروح الآدمية وللإنسان!!. إنه أمر مقرف. هل هو الإنتصار الأكبر لهيتلر، هذه الوحشية المقطرة؟!. هل هو انتصاره الأكبر، كل هذا التنكر لما هو إنساني؟!. آه، أمي! إني أتذكر حين كنت طفلا، كنت تحرصين على تلقيني معنى ما قام به حارس العمارة ذاك الذي نبهكم، وكان شيوعيا، وكذا تلك الراهبات اللواتي نبهنكم من باريس التي أصبحت خطرا محدقا عليكم. آه، أمي! لا أزال أذكر قصيدة الشاعر أراغون (٭٭)، التي كانت فيها صورة ذلك المقاوم الأرميني، التي قال فيها آخر كلماته: « عاش الشعب الألماني »، أمام جند النازية الذين اغتالوه. أمي، أين تختبئ اليوم كرامة إخوتنا في إسرائيل أو عائلتنا التي أعمتها الكراهية والرغبة في التوسع؟. أمي، كان صعبا أن نولد ونحن نحمل كل آلام حيواتنا السابقة، لكن أطفال اليوم سيواجهون ما هو أفظع: العار!. إن غزة شهيدة، لبنان شهيد، جنين شهيدة، ولا شئ يعتمل في أرواحهم غير غضب ورغبة في الإخضاع!. ما الذي تبقى لهم من معنى الإنسانية؟، ألم يعد لهم غير مثال بوش ليسكن العظم والدم؟. إن الفلسطينيين يقتطع لحمهم، يراق دمهم، وتقتطع أرضهم. بينما يفقد اليهود روحهم ووجودهم، وهم يتبعون كالعميان دولة إسرائيل. إن الفظاعة تتراكم على الفظاعة، دون أن تهب مساحة لبزوغ نور ذكاء وفطنة. الذكاء، الذكاء الجميل.. السلام!. ذلك السلام الذي له في كل الدنيا ذات الكيمياء: الإحترام المتبادل. سلام كانط (٭٭٭) الذي هو لكل شعوب الأرض. إن هذا الإحترام يداس ويمرغ في الوحل، حين تقوم بتجويع الناس، حين تحتل أرضهم، حين تطردهم، حين تصبح غاصبا. إن عدم الإحترام ذلك، إنما يبرر الجهالة ويضاعف من الضغينة والحقد. إنه ذلك الإنكار، الذي لا يُسكت صوت المدافع ولا يوقف الآلام. إنه الإنكار الذي يأخدنا إلى جرائم وتصفيات مقيتة، تجعل الحياة تفقد معناها كحياة. إن الإحترام هو حق مشترك للجميع. والإحترام، هو أن تصطف إسرائيل تحت سقف القانون الدولي، مثل الجميع. القانون الدولي الذي يرسم الحدود منذ 40 عاما. وما وراء تلك الحدود [ يقصد حدود 1967 ] لا مجال لأي تسلط فيه أو احتلال. الحدود التي تبدأ فيها حرية الآخرين. حدود فقط، مثل ما هو قائم في كل العالم. حدود تسمح بنهوض الإحترام، الذي هو الخطوة الأولى، الأولى للإنسان. من أجل أن تقتسم الشعوب غدا أحلامها، وأن تكون الحدود دعوة ودية للتلاقي.. { هوامش: (٭) القرية الإسبانية التي خلدها بيكاسو في لوحة خالدة تحمل ذات الإسم، والتي تعكس فظاعات ما قامت به فاشية وديكتاتورية الجنرال فرانكو أثناء الحرب الأهلية الإسبانية في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي. ( المترجم ) (٭٭) لويس أراغون، من أشهر شعراء فرنسا، الذي عرف بديوانه الخالد « عيون إلزا ». ( المترجم ). (٭٭٭) الفيلسوف الألماني الشهير، صاحب « العقل الخالص ». ( المترجم ).