يظل الشعب المغربي هو الشعب الوحيد في العالم الذي لم يتعب من التظاهر لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة أولا، وفي غيرها من الأراضي الفلسطينية ثانيا. منذ سابع أكتوبر 2023. .. وإلى اليوم، يظل الشعب شعبا حيا، لم يتعود على حفلة الشواء الآدمي الدولية المنقولة مباشرة، والتي تعيد إنتاجها قوات الاحتلال، بشكل فظيع.. شعب لم يتعود ولم يعتد ولم يتآلف مع مشاهد القيامة اليومية التي تُقدِّم وصلاتِها قوات الاحتلال…. بدون الحاجة إلى ذريعة هاته المرة.. ! الشعب المغربي ضاعفت الحرية في التظاهر من رِقيِّه ومن تحضره التليد ومن تقديره للمسؤولية ومن احترامه لأخلاق التظاهر.. لهذا يبدو لي، ولله أعلم، أن بلاغ السفارة الأمريكية لتحذير رعايا الدولة العظمى من غضب المغاربة بسبب بشاعة القتل والإبادة تلك، لم يكن بلاغا موفقا، ولا مبرر له، ولا هو يعتبر من البلاغات العاقلة.. وفي سياق التفرد المغربي، هذا النبوغ المغربي الروحي، يبدو لي أننا لسنا في حاجة لكي نقارن شعبنا ولا دولتنا مع دول وشعوب أخرى، في الجوار القريب أو في الجوار القومي والديني .. حيث الدولة تمنع الشعب من التعبير عن حب شعب شقيق طالما اعتبرته هاته الدول »المفبركة« دفعة دائمة في حسابها السياسي، وورقة للتشهير بخصومها ووديعة في البنك الديبلوماسي لتصفية معارضيها أو استخدام التضليل ضد خصومها الدوليين! لسنا في حاجة لنقارن بين نضج الشعب والدولة معا في المغرب، في التعامل مع قضية مبدئية، تسكن الوجدان والعمق الروحي وتسكن في المخيال الجماعي والفردي، في سياق موضوعي شائك ومتشابك ومركب، بحسابات بالغة البراغماتية.حيث قوانين الصراع لا علاقة لها…. بما يمليه القلب من نشيد أو نشيج! لسنا في حاجة أن نقارن أو نتلقى نياشين على هذا الالتزام الأخلاقي، الذي نلتقي فيه مع الشعوب الحرة والدول الديموقراطية، إضافة إلى ما تراكم لدينا من مبررات تاريخية ودينية وأخوية وثقافية أكبر.. هذا الشعب .. شعبي! وهذه الدولة دولتي..! كلاهما شريك في صناعة هذا النهر البشري الرهيب في العاصمة الرباط.. وهذا الشعب الذي لم يتعب ولم يتضاءل أو ينفد احتياطه الإنساني والأخلاقي المبدئي في الوقوف في وجه إحدى أبشع الاعتداءات التي تتم منذ الحرب العالمية الثانية، شعبي.. يقف بلا ميزان الكيل، إلى جانب شعب شقيق يتعرض للتدمير وأرض تتعرض للتطهير العرقي، وإنسان يتعرض للتقتيل بقيمه وتراثه الأخلاقي والمادي والثقافي. هذا الشعب الفلسطيني الأخ.. شعب لم يكن محظوظا بأعدائه!!! شعب من سوء حظه التاريخي أن القويَّ اليوم في العالم يعاني من عقدة ضمير تجاه جلاده إزاء قاتله، إزاء الفاشية الجديدة! وبسبب غرب نازي مر ذات تاريخ بأوروبا وصنع المحرقة. يعاد إنتاج المحرقة في الألفية الثالثة … هذا الشعب الفلسطيني، يجد مرة أخرى صوت المغرب القوي، العميق، الذي لا تخنقه السياسة ولا حسابات التوازن ولا دقة التشابكات بين الإقليمي والوطني والدولي.. هذا الاحتياطي الكبير، من العاطفة والوعي الإنساني والتعاطف الروحي الذي لا ينضب، يتم في سياق عاقل وناضج، يحترم الفضاء العمومي ويحترم المستوى الأخلاقي الناضج للشعب كله … في الالتقاء بالأفق الإنساني الذي اخترق البشرية وعبَّأها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، من أجل حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن الحق في الحياة والحق في الحرية وواجب الدفاع عن الوطن.. في لحظة بعينها.. وفي لحظة قد يبدو أن هناك تفاوتا في التقدير: تكون هناك دول صامتة وصامتة شعوبها.. ودول تمنع شعوبها من التعبير أو تتكلم ضد شعوبها. وهناك دول تتكلم على… لسان شعوبها ومنها المغرب… فلا تكون الدولة هي الجهاز فقط بل هي الكيان كله..!