غريب شأن بعض «الرفاق»… منذ زمان وهم يبشرون بموت الاتحاد… منذ زمان وهم يتباكون على شهدائه ويندبون ماضيه التليد… منذ زمان وهم يصفون حساباتهم مع قادته ومناضلاته ومناضليه الذين استمروا حاملين لجمرة النضال بصبر وثبات… منذ زمان وهم يراقبون الاتحاد ويعددون أخطاءه وهفواته… بل لا يترددون في استعمال المجهر الإلكتروني للبحث عن أصغر الأخطاء… منذ زمان وهم يعيدون صياغة صكوك الاتهام ضد الاتحاد سواء في عهد المهدي وعمر، أو في عهد عبدالرحيم وعبدالرحمان، أو في عهد عبدالواحد وإدريس… منذ زمان وهم يعتبرون أنفسهم اليسار الحقيقي الذي لا يشق له غبار… يسار يجسد الصدق والصفاء والطهارة والاستقامة والوفاء والكمال… أما غيرهم فليسوا سوى خدام للمخزن وخونة ومرتدين ولاهثين وراء المناصب… نها لدوامة ومتاهة سيزيفية لا تنتهي… إنه لخطاب مشروخ لم يقنع حتى الجيران في عمارة سكناهم… أفكارهم «الثورية» قائمة على إسقاط الاتحاد… ومن ثمة إعادة بناء «يسار جديد» على أنقاضه بعد قتله والتمثيل بجثته… منذ عقود لم يبرحوا مكانهم في ترديد وتكرار نفس المواقف ونفس الشعارات ونفس الجمل والكلمات… فالعالم بالنسبة لهم لا يتحرك ولا يتبدل… منذ زمان وهم يحملون أحلام ما قبل سقوط جدار برلين… ذلك الجدار الذي لا يزال قائما في أدمغة البعض… رجاء اتركوا الاتحاد وشأنه أيها «الرفاق!» وقوموا أنتم بإنجاز «ثورتكم» عوض المراهنة على قتل الأب أو أكل الثوم بفمه… واصلوا تعبئة جماهيركم لكي تساندكم وتتبع خطاكم لتحقيق أهدافكم الموعودة… استمروا إن شئتم بالاستقواء ب»جماعة الشيخ ياسين» لتأثيث وقفاتكم وتسمين تظاهراتكم… رجاء تخلصوا من عاداتكم السيئة في جلد الاتحاد تماما كما كان يفعل جلادو سنوات الرصاص… واعلموا أن جلد الاتحاد مهما اشتدت ضراوته لن يمكنكم من قتله… إن جلد الاتحاد لم يعمل في الماضي ولا يعمل في الحاضر ولن يعمل في المستقبل إلا على تقوية صموده ومناعته ورفع أسهم الثقة في اختياراته… ذلك الصمود والمناعة التي يتسلح بها عشرات الآلاف من مناضلات ومناضلي الاتحاد الأوفياء في كل الأقاليم والجهات… أولئك الذين لم ولا ولن تلهيهم أوصافكم ونعوتكم القدحية عن معاركهم الحقيقية… ولن تستطيع أحقادكم الصغيرة إعاقة السير الطبيعي لهذا الحزب الكبير على المسار والطريق الذي اختاره لنفسه بقناعة وديمقراطية واستقلالية… ذلك الطريق الذي اختاره لترصيد وحماية المكتسبات الحقوقية والسياسية والمؤسساتية التي قدمت أجياله ثمنا باهظا من أجلها… طريق العمل السياسي المتواصل والواضح والمسؤول والشجاع والبراغماتي… طريق بدون لف أو دوران أو مغامرة أو مجازفة أو تهور… طريق الإصلاح الممكن والتغيير الهادئ والسلس الذي يضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار… إصلاح الدستور وإصلاح القوانين وإصلاح المؤسسات، وكذلك إصلاح العقليات… إصلاح يكفل حماية ما تحقق من مكاسب ويضمن تجويدها وتطويرها دون إحراق للمراحل… إصلاح يضمن توفير شروط إسعاد الشعب وتحقيق رفاهيته باعتباره هدفا أولا وأخيرا لنضال الاتحاد وعلة لوجوده… فنحن لا نخاف على الاتحاد الذي كان ولايزال وسيظل وفيا لماضيه ومتفاعلا إيجابيا مع حاضره وواثقا من مستقبله… وعلى سبيل الختم أريد أن يعلم أصدقاؤنا «الثوريون» أننا إذ نتحدث عن الاتحاد بحرقة، فإننا لا نطبل له أو نلتمس له الأعذار أو نبرر أخطاءه وهفواته وكبواته، التي هي كثيرة وممتدة في الزمان والمكان كسائر الأحزاب والحركات التقدمية المناضلة والفاعلة… فنحن معشر الاتحاديات والاتحاديين نعترف بأننا بسطاء ولسنا أنبياء… لكننا، كما قال شاعرنا الكبير عبد الرفيع جواهري، أطال لله في عمره، «…بأخطائنا شرفاء»… فبقدر ما نحب الاتحاد ونتعلق بقيمه النبيلة بقدر ما نكره جلد الذات… ونكره التشهير بالخصوم والمخالفين في الرأي… ونكره تبخيس أعمال غيرنا بنرجسية واستعلاء… ونكره الكذب والافتراء ولي ذراع الحقيقة… نحن، بكل بساطة وتواضع وأريحية، نحب من يمارس فضيلة النقد والنقد الذاتي والمحاسبة… لكن بمعانيها ودلالاتها وغاياتها الإنسانية النبيلة والسامية والبناءة…