عبّر عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، خلال ندوة صحفية أعقبت الاجتماع الفصلي لمجلس بنك المغرب يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024، عن قلقه إزاء معضلة البطالة التي أظهرت أرقام المندوبية السامية للتخطيط أنها ارتفعت إلى 21.3% على المستوى الوطني. وأكد الجواهري أن الحلول الجذرية لمعضلة البطالة تكمن في تحقيق نمو اقتصادي قوي وزيادة الثروة الوطنية مع توزيعها العادل. وشدد على أن القرارات الإدارية أو التدخلات المحدودة التي جُربت في الماضي لم تحقق نتائج مستدامة، مؤكدًا أن على القطاعين العام والخاص العمل معًا لخلق فرص شغل مستدامة. وفي سياق التفاؤل النسبي، أشار الجواهري إلى التطور الإيجابي الذي تشهده القطاعات غير الفلاحية، حيث بلغت توقعات النمو 3.9%، لكنه شدد على أهمية رفع هذا النمو إلى مستويات 4% أو 5% لدعم سوق العمل. وأكد على الأرقام الإيجابية التي سجلتها القطاعات غير الفلاحية في خلق فرص الشغل خلال الفصل الثالث من عام 2024، لكنه عبّر عن قلقه العميق إزاء ارتفاع معدل بطالة الشباب بين 15 و24 سنة إلى 50%. ودعا إلى التركيز على القطاعات الواعدة مثل السياحة والتجارة والخدمات باعتبارها محركات أساسية لخلق فرص العمل. في نفس السياق، أشار الجواهري إلى معضلة ارتفاع معدل بطالة الشباب في المناطق الحضرية، حيث بلغ 36.1%، بينما وصل في المناطق القروية إلى 48.8% خلال الربع الثاني من عام 2024، معتبرًا أن هذه الأرقام "مقلقة للغاية". وأضاف أن الحل يبدأ بتحسين نظام التعليم والتكوين المهني ليكون أكثر ملاءمة لسوق الشغل، مشددًا على أن "الاستثمار في رأس المال البشري هو المفتاح لتعزيز فرص التشغيل والنمو الاقتصادي". ورفض والي بنك المغرب اعتماد الدعم المباشر كآلية دائمة في السياسات الاقتصادية، مؤكدا على تأثيراته السلبية في استدامة الميزانية وتحفيز التشغيل. وأوضح الجواهري أن "الدعم المباشر قد يكون مقبولا إذا اعتمد في ظرفية زمنية محددة وانتهى بعدها، لكن ديمومته تُشجع على الاستفادة السلبية دون الإسهام في سوق الشغل". وشدد على أن هذا النوع من الدعم، إذا استمر على المدى الطويل، سيؤدي إلى تقلص هامش الميزانية، مما يضعف القدرة على تنفيذ سياسات تنموية أخرى. وفي معرض حديثه، أبدى الجواهري تأييده لما ورد في توصيات التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات (2023-2024)، الذي دعا إلى إدماج الفئات الهشة في سوق الشغل واستبدال الدعم الاجتماعي المباشر ب"تحسين الدخل". وأوضح قائلاً: "لم أطّلع بعدُ بشكل مفصل على تقرير مجلس الحسابات، وهو ما دأب عليه بنك المغرب كل سنة. غيرَ أنه إذا كان هذا التقرير قد دافع عن تعويض الدعم المباشر بتحسين الدخل وتوفير فرص عمل للفئات الهشة، فأرى أنه اختيار جيد وصائب". وأضاف أن ديمومة الدعم المباشر تجعل الناس يركزون على التسجيل للاستفادة منه دون الإسهام في زيادة دينامية التشغيل، مشيراً إلى أن استمرار هذا النوع من الدعم يُثقل الميزانية ويُعيق النمو. من جهة أخرى، ناقش والي بنك المغرب مسألة النمو الاقتصادي والتباين في التوقعات بين المؤسسات المختلفة مثل المندوبية السامية للتخطيط والحكومة والمؤسسات الدولية. وأوضح أن هذه التباينات تعود إلى الفرضيات المختلفة المستخدمة في النماذج الاقتصادية، مشيرا إلى أن بنك المغرب يدقق توقعاته بشكل مستمر مع تقدم فضول السنة لضمان تقاربها مع الواقع. وقال: "نحن نقدم دائمًا التوقعات إلى جانب الأرقام الفعلية لفهم الفروقات وأسبابها". وفيما يتعلق بالنظام النقدي، تطرق الجواهري إلى قضية النقد المتداول، مشيرا إلى أن استخدام النقد بشكل مفرط يمثل تحديا للاقتصاد الرسمي. وأعلن أن بنك المغرب يجري دراسة شاملة لفهم تأثير هذا السلوك على الاقتصاد، مع مقارنة الوضع المغربي ببلدان أخرى مثل مصر وكينيا التي تواجه ظروفا مشابهة لكنها تتمتع بمستويات استخدام مختلفة للنقد. وأكد أن "تغيير هذه العادة يتطلب حلولا تتماشى مع الخصوصيات الثقافية والاقتصادية للمغرب". وتناول الجواهري موضوع القروض المتعثرة التي ارتفعت بنسبة 6.7% لتصل إلى 94.8 مليار درهم في عام 2023. وأعلن أن مشروع نقل القروض المتعثرة أصبح جاهزا بعد ثلاث سنوات من التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية، وهو الآن في انتظار المصادقة من طرف رئيس الحكومة للدخول حيز التنفيذ. وقال الجواهري: "لقد تجاوزنا العقبات الأخيرة، والمشروع سيتم تحويله قريبا لاعتماده". أما بخصوص تنظيم المغرب لمونديال 2030، وصف الجواهري النهج الذي اعتمده المغرب بالتنظيم المشترك مع إسبانيا والبرتغال بأنه "ذكي". وأشار إلى أن هذا الخيار يقلل الأعباء المالية ويوفر فرصا اقتصادية وتنموية للمملكة. وأضاف أن مثل هذه التظاهرات الرياضية الكبرى تُحقق رواجًا اقتصاديًا وماليًا إذا أُحسن استغلالها، مسلطًا الضوء على أهمية استثمار المنشآت والبنيات التحتية الناتجة عن الحدث لتحقيق تنمية مستدامة. وأوضح أن تمويل المونديال لن يؤثر بالضرورة على معدلات التضخم أو عجز الميزانية إذا أُدير بطريقة متوازنة، مبرزًا أن الحكومة راعت التوازنات الماكرو اقتصادية في خطتها. وشدد والي بنك المغرب على ضرورة التعلم من تجارب الدول السابقة التي نظمت أحداثًا رياضية كبرى لضمان تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية مستدامة. وأضاف أن النجاح في استضافة هذه التظاهرة يعتمد على الاستخدام الإيجابي للمشاريع والبنيات التحتية الناتجة عنها، مشيرًا إلى أهمية استمرار الاستثمار في هذه المنشآت بعد انتهاء الحدث لتجنب التحول إلى أعباء مالية إضافية.