بين الرغبة الرسمية في الاجتثاث ومقاومة الكائن الانتخابي والفاعل الجمعوي من أجل الإبقاء يعرف المغرب تطورات كبيرة في المجال العمراني، سواء في المجال الحضري أو القروي، حيث تشهد جل الجهات والأقاليم دينامية متواترة وجد نشيطة في اجتثاث أماكن السكن العشوائي وغير اللائق وأحياء الصفيح؛ وهو الأمر الذي نعيشه ونلاحظه يوميا، وتتابعه الصحافة المحلية والوطنية. هذه الدينامية التي تندرج ضمن التوجهات الاستراتيجية الكبرى للسياسة العامة للدولة تحت القيادة الرشيدة والإشراف السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده؛ وهي دون شك سياسة عامة لها من الآثار الإيجابية التي لا تعد ولا تحصى، وعلى جميع الأصعدة والمستويات، والتي لا يمكن حصرها فقط في جمالية التهيئة العمرانية، بل هي تمتد إلى كل ما هو اجتماعي واقتصادي، والأهم حتى التحول في التكوين السيكولوجي للمواطن المغربي، والذي من المفروض أن ينتقل من مرحلة الاستهلاك إلى مرحلة الإنتاج. هذا التحول في التكوين السيكولوجي الناتج عن دينامية التغيير البيئة العمرانية، سيكون له أثر كبير حتى على مستوى ترسيخ الديمقراطية ونزاهة وشفافية الاستحقاقات الانتخابية، حيث ستندثر الأحياء التي كانت تشكل في عقلية الكائن الانتخابي حقولا وأسواقا يسخر فيها متخصصون في تجارة الأصوات الانتخابية. هذا الاندثار لتلك الأحياء التي تشكل في عقلية الكائن الانتخابي مجمعات انتخابية، سيفرض لا محالة على كل الفاعلين السياسين والسلطات المحلية، إجراء مراجعة عميقة ودقيقة في اللوائح الانتخابية العامة، وذلك تفاديا وتجاوزا وتصديا لكل أساليب الغش والتزوير الذي قد تسلكها الكائنات الانتخابية من أجل إفساد الحياة السياسية في البلاد… إقليمبركان، شأنه شأن باقي أقاليم المملكة، عرف تأهيلا حضريا كبيرا وعلى العموم مهما في تاريخ الإقليم، حيث انفرج هذا الأخير بنوافذ كانت مغلقة، وكان انسدادها سببا في انتشار الجريمة واختناق الأنشطة المذرة للدخل، وهو الأمر الذي نوهت به في عدة لقاءات وحوارات ومقالات….. طبعا مع بعض الملاحظات التي تحمل نقدا بناء بخصوص بعض المشاريع التي شملها التأهيل الحضري كهدم سوق المغطى عوض تحديثه بمقاربة سوسيو اقتصادية، وعدم استثمار بعض الأوعية العقارية في خدمة الأنشطة التجارية والقضاء على القطاع غير المهيكل. لكن، رغم كل هذه الجهود المحمودة، فإن التحول بإقليمبركان لم يتعد، بالنظر إلى حجم الانتظارات، إلا نسبة قليلة حيث ما زالت هناك العديد من الأحياء والدواوير غير الصالحة للسكن والتي تم إنشاؤها من قبل في أراضي جلها تابعة للملك الخاص للدولة، والتي تتوزع بين المدار الحضري والمجال القروي… بوهديلة واولوت دوار حميدو دوار الميكة تازغين دوار الشلوح دوار غرابة حي بويقشار دوار تيورار، دوار الشراربة… وغيرها من العشرات الأخرى التي لا تعد ولا تحصى… فيكفيكم القيام بجولة ببن الركادة والمريس وستجدون أنفسكم في مناطق سكنية شبيهة بساكنة غابات الأدغال، وكثافتها السكانية تتجاوز في مجموعها ساكنة المدينة. نعم، لقد عبرت عن رأيي مع بعض أصدقائي من ساكنة بوهديلة، الذين أكن لهم المودة وأشهد لهم بوطنيتهم ونقائهم وصدقهم وتربيتهم الفاضلة رغم الهشاشة والحرمان، عبرت لهم عن رأيي ولم أتزايد عليهم فقلت لهم موقفي هو التحديث ومواكبة السياسة العامة للدولة، وهدم الأحياء التي لا تتوفر على أدنى شروط الصحة والعيش الكريم، وأن ما يجب المطالبة به هو تعويض الهدم بسكن لائق وفي مناطق داخل التهيئة العمرانية، لكن ليس بوهديلة فقط ووحده، بل يجب أن يتم ذلك في شموليته ليشمل أحياء ودواوير سبق ذكرها، موجودة في الغابات ومحاذية للقرى والبوادي، يتعين على السلطات الإقليمية لفت الانتباه إليها، فهي لا زالت تشكل خطرا على المنطقة لما تعيشه ساكنتها من تهميش وحرمان وإقصاء يجعلها عائقا أمام التوجهات الاستراتيجية الكبرى للسياسة العامة للدولة في المجال العمراني، وحقلا ملغوما على الخيار الديمقراطي الذي نهجته بلادنا، حقلا تنتعش فيه بعض فعاليات المجتمع المدني المبتكرة من طرف الكائنات الانتخابية، كأسواق موسمية لبيع وشراء الأصوات الانتخابية، مما يعرقل كل المساعي الهادفة للتنمية. (*) عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية