ألح علي الإحساس نفسه، أمام صورتين اثنتين متباعدتين في الزمان والمكان، قريبتين في الدلالة والسخرية : الأولى: صورة إبراهيم غالي، وهو يدخل سرا إلى إسبانيا للعلاج، وقد تمت فبركة هوية سريعة له، هوية على عجل له، هو رئيس الجمهورية العربية الصحراوية العظمى، كي يستطيع التمتع بعطف صحي من طرف إسبانيا، لم تستطع الدولة صاحبة أحسن نظام صحي في إفريقيا وفي العالم العربي توفيره له! الرحلة برمتها واسم زعيم الانفصال الذي دخل به التراب الإسباني والمصحة التي أقام فيها، وساعة الوصول، وكل التفاصيل الصغرى والكبرى قدمها المغرب دليلا على معرفته بوصول زعيم دولة البطوش إلى جارتنا الشمالية… والنتيجة نعرفها الآن، إذ منذ تلك اللحظة بالذات تغير المعطى، لا مع إسبانيا ولا في حوض المتوسط ولا في معايير القضية الوطنية الترابية. الصورة الثانية: صورة «ممثل» البوليزاريو، وهو يدخل القاعة المخصصة للقاء «تيكاد»، الذي جمع اليابان والاتحاد الإفريقي . وهو يجلس بين ممثل زامبياوزيمبابوي، وهو يضع حقيبته اليدوية بالقرب منه، وممثلة زيمبابوي تضمن له التغطية»الجسدية»، وهو يستل لافتة «الجمهورية الصحراوية» ويضعها فوق الطاولة المستديرة… المشهد كله مصور، من غير بعيد عن صاحب الحقيبة: والسؤال هو: من له مصلحة أن يلتقط فيديو التسلل والاحتيال ؟ لا شك أن الفعل المغربي حاضر في الصورة كما في صورة ابن بطوش، وهو ما معناه أن المعلومة بوجود تسلل، وبوجود لافتة داخل الحقيبة وتتبع صاحبها، كانت موجودة قبل أن يدخل المتسلل والعضو السري تحت جناح الوفد الجزائري وجواسيسه! تابعنا أيضا صورة الشاب المغربي، وهو يقفز نحو المتسلل لنزع اللافتة، و»الفيدور» الجزائري يتدخل في مشهد جيدوبلوماسي، ويسقط رفقة الشاب المغربي أرضا! كل ذلك تم تصويره وهو يمارس رياضته المفضلة في الاعتداء بفنون القتال على الشاب المغربي…. الشعور الذي رافقني أول مرة هو أن الدولة التي أثبتت مهارة سيركية بهلوانية في إخراج «دولة «برمتها و»شعب» عن بكرة أبيه من قبعتها السياسية، وتصرفت على هذا الأساس، لن تعجز عن إخراج لافتة من حقيبتها باسم هاته الدولة. ثم تأكد الشعور بإحساس مرادف له بأن الديبلوماسية قد تتحول مع دولة الجيران إلى مشهد عبثي أمام أنظار العالم، ولن تردها الفضيحة عن الابتسام للصورة، بعد أن تكون قد تماهت مع «الفيدور» الذي مثلها! على كلٍّ، فما ينتظر المغرب، ومن يناصره في إفريقيا، هو أن تنتهي هذه العبثيات المقرفة، التي بلغت حدودا لا تستساغ دوليا! ولا يمكن تسويغ الحضور بنفس الطريقة التي تمت في تونس، في تحميل قيس السعيد مسؤولية استدعاء الجمهورية الوهمية، وإن كان هناك فرق واضح بين تونسواليابان باعتبار الثانية تصرح بوضوح أنها لم تستدع البوليساريو وذلك هو الأصح .. وكان عليها أن تتعامل مع أعمال..الفيدورات بالفيدورات! ولا يمكن أن يكون للجزائر صوتان في الملتقيات الشبيهة! ما حدث في اليابان هو بطُّوشيات مزيدة ومنقحة.. وكما حدث مع إسبانيا والتسلل الصحي الشهير يجب أن تكون هناك مدونة سلوك إجبارية في لقاءات مثل هاته، التي تجعل اليابان تتخذ موقفا هي عاجزة عن تصريفه أمام متسلل ولاعب مصارعة! نحن نعرف بأن الأمر في تدبير هاته اللقاءات التي تهم القارة يحكمه منطقان: منطق التعامل مع القارة كقارة بدون هوية مؤسساتية معينة، الشيء الذي توجه فيه الدول المعنية ( روسيا، الصين، الولاياتالمتحدة وآخرها إيطاليا ) الدعوة إلى الدول الأعضاء في الأممالمتحدة. ومنطق القارة المؤسساتية، أي التعاون عبر الاتحاد الإفريقي، والتي تحدث فيها هاته البهلوانيات، باعتبار أن الجمهورية الوهمية عضو فيه، بالتالي تحضر اللقاءات التي تتم تحت يافطته، كما في «التيكاد»، وفي الاتحاد الأوربي في وقت سابق! وهي معركة ما زالت مستمرة في أروقة الاتحاد الإفريقي، وفي لجنه ومجالسه ومنها مجلس السلم والأمن… وما زالت جنوب إفريقيا والجزائر تعملان من أجل أن تكون صيغة «شريك اتحاد إفريقي» هي الصيغة الوحيدة كي يتمكن الانفصاليون من الحضور، وهو ما صار موضوع نفور داخل الاتحاد في انتظار توفير الشروط التنظيمية لطرده من محفل القارة.. بالنسبة للشاب المغربي، أعتقد بأنه وجد نفسه مضطرا لخلق الحادث وليس الحدث.. وإن كان التصرف الديبلوماسي يقتضي اللجوء إلى الطعن لدى الرئاسة وتوقيف الجلسة رفقة أنصار المغرب إلى حين البت فيه، وطرد الممثل الحاضر بلا دعوة.. حتى «يبات بلا عشا في الشيراتون» خارج القاعة.. ولعل الذين حضروا ملتقيات أخرى غير مشابهة ولكن يكون فيها حضور الانفصاليين لافتا( في مؤتمر الشباب الديموقراطي العالمي مثلا) يعرفون أن الجزائر تحضر من خلال أفراد المخابرات «العسْكرجِية»، وكل واحد منهم بمثابة دولاب ملابس (ماريو) بتوجيه واحد ووحيد هو الاستفزاز والاعتداء.. وليس للمغرب أن يسلك سلوكهم، ولكن لا بد من تفعيل المساطر، مع تحية مجددة للشاب الذي غار.. على بلاده، وتصرف بما أوحت له قريحته، كأي واحد منا أعتقد!