عرفت الاونة الاخيرة دعوة ملكية صريحة الى بناء اسطول مغربي بحري يساير التطورات الاقتصادية والاستراتيجية العليا، ما شروط نجاحها في تقديركم؟ دعوة جلالة الملك لبناء اسطول سفن قادر على مسايرة التطورات الاقتصادية والاستراتيجية العليا، تتمشى أولا مع مبادرة جلالته الأطلسية التي يسعى من خلالها الى جعل الدول المطلة على المحيط الأطلسي بالإضافة الى دول الساحل فضاء حقيقي للاندماج والتعاون والشراكة الاقتصادية القارية ، وهو ما يتطلع المغرب من خلاله الى لعب دوور القاطرة الحقيقية للتنمية داخل هذا الفضاء من خلال الاعتماد على إمكانياته الاقتصادية و مشاريعه المتميزة و قدرته على مواكبة الدول الافريقية في مساراتها التنموية المختلفة ، و هو ما يحتاج بكل تأكيد الى بنية تحتية ولوجيستية كبيرة جدا تكون قادرة على تنمية التعاون الاقتصادي ما بين هذه الدول و تعزيز سبل الاندماج و التكامل فيما بينها ، ومن هنا تنبع أهمية التوفر على اسطول بحري مغربي قادر على ضمان الربط ما بين هذه الدول في سبيل تقوية جسور التجارة و التبادل و تمكينها كذلك من اليات النقل و الشحن و تعزيز علاقاتها التجارية و انفتاحها على مختلف الأسواق العالمية و خاصة أمريكا الشمالية ، وهو ما سيمكن المغرب في نفس الوقت من ضمان لعب أدوارها الطلائعية في المنطقة و من تعزيز تواجده الاقتصادي في القارة الافريقية ككل . الدعوة الملكية لبناء اسطول وطني تتماشى كذلك مع الأهداف التنموية الاستراتيجية التي يعمل المغرب على تنزيلها الى ارض الواقع ، فالمغرب يريد ان يتحول الى بلد صاعد في افق سنة 2035 ، و هو ما يحتاج الى جهود حثيثة في شتى المجالات الاقتصادية و الاجتماعية لإحداث النقلة النوعية في مساره التنموي ، من خلال تعزيز انفتاحه الاقتصادي و التجاري على مختلف الوجهات العالمية ، و ضمان سيادته فيما يتعلق بالوسائل الضرورية لتطوير هذه العلاقات الاقتصادية و في مقدمتها النقل و خاصة البحري باعتبار ان اكثر من 90 في المئة من المبادلات التجارية عبر العالم تمر عبر الممرات البحرية و المائية ، و هو ما يحتم على المغرب ضرورة التوفر على اسطول بحري وطني قادر على كسب هذا الرهان . باعتبارك نائبة برلمانية عن طنجة نود ان نعرف منكم المكتسبات التي جنتها المنطقة ومن خلالها المغرب كله من تجربة ميناء طنجة الذي اعتبرته بعض الدراسات معجزة اقتصادية؟ اكيد ان ما يحققه ميناء طنجة المتوسط اليوم هو معجزة اقتصادية بكل المقاييس ، و هذا الامر تثبته الأرقام و المعطيات الاقتصادية الكبيرة التي تم تحقيقها من خلال هذا الميناء الضخم ، الذي اصبح فضاء جذب للاستثمارات سواء الوطنية و الأجنبية و استطاع ان يخلق دينامية صناعية و تجارية كبرى كانت لها انعكاسات قوية سواء على الاقتصاد الوطني او الاقتصاد المحلي لمدينة طنجة و محيطها الجهوي، فالميناء تمكن في سنة 2023 من استقبال ازيد من 8 ملايين حاوية مع تصنيف كسادس ميناء عالميا من ناحية الكفاءة في معالجة و استقبال هذه الحاويات كما تمكن من مناولة ازيد من 578 الف سيارة موجهة للتصدير و معالجة ازيد من مليون طن من البضائع كما استقبل ازيد من 2.7 مليون مسافر ، وهو ما اصبح يضعه في المرتبة 19 عالميا و المرتبة الأولى على صعيد البحر الأبيض المتوسط، كل هذه المعطيات تثبت القيمة الاقتصادية الكبرى و الدوار الاستراتيجية التي بات يلعبها هذا المركب المينائي بالنسبة للاقتصاد الوطني فهو تحول الى شريان حقيقي للاقتصاد المغربي و المحلي . في اسلياق ذاته، توجه المغرب نحو افريقيا وقد وضع لذلك مشروعا بحريا ثانيا يتمثل في ميناء الداخلة، كيف يخدم هذا الميناء القضية الوطنية ثم التنمية في الجنوب اضافة الي العمق الافريقي؟ كما سبق و ان تطرقت لذلك فالمغرب تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة يسعى الى ان يلعب دور قاطرة التنمية داخل الفضاء الافريقي من خلال أولا نموذجه الاقتصادي المتفرد قاريا و من خلال علاقات الشراكة و الثقة التي تجمعه مع غالبية الدول الافريقية، فالمغرب ينطلق من مقاربة رابح رابح في اطار شراكة جنوب جنوب ، وهو ما يحتم عليه ان يكون متفوقا و رائدا في شتى المجالات الاقتصادية داخل القارة و خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية و اللوجستية ، لهذا فسعي المغرب نحو التنمية المتواصلة لأقاليمه الجنوبية، صحيح انه يتناسب مع طموحاته التنموية الوطنية لكنه في العمق يهدف الى ان تشكل هذه الأقاليم الامتداد الحقيقي للعمق الافريقي ، من خلال توفير البنية التحتية الضرورية التي تمكنه من لعب ادواره اتجاه الدول الافريقية ، فالمغرب اليوم يعتبر ان المدخل الحقيقي لمختلف مشاكل افريقيا لا يمكنه ان يكون الا مدخلا تنمويا ، و في هذا الصدد فان ميناء الداخلة يسعى الى ان يتحول الى منصة افريقية قادرة على ضمان انفتاح ليس المغرب فقط و لكن كافة الدول الافريقية على كافة الواجهات العالمية وخاصة الامريكية ، مما سيمكن من توسيع الحركية التجارية و الصناعية للمنطقة ككل و سيمكن كذلك من تعزيز سبل التنمية داخلها ، فالمغرب يعتبر ان تنمية افريقيا هي تنميته ، لهذا فان ما يقدمه المغرب اليوم لأفريقيا هو ما يجعله يحظى باحترام و تقدير معظم دولها التي ترى فيه الصديق القادر على جر القارة نحو تجاوز معيقات التنمية و ضمان الاستقرار و التقدم و الازدهار، و هو بلا شك ما سينعكس بشكل إيجابي على الاجماع الحاصل داخل القارة على عدالة ملف وحدته الترابية. وفي السياق نفسه، أي مساهمة للموانيء ولا سيما في الصحراء في انجاح المبادرة الافرو اطلسية، وكذا مبادرة ربط دول الساحل بالواجهة الاطلسية؟ كما سبق وان اشرت الى ذلك فان 90 في المئة من حجم المبادلات التجارية والصناعية والاقتصادية بشكل عام عبر العالم تتم عبر الطرق البحرية، لهذا فان نجاح أي مبادرة اقتصادية داخل هذه الواجهة الأطلسية هو رهين بوجود موانئ قادرة على استيعاب هذه الحركية الاقتصادية القوية التي يريد للمغرب ان يخلقها داخل هذه المنطقة، التي تضم ازيد من 40 في المئة من ساكنة افريقيا وتضم ازيد من 56 في المئة من الناتج الداخلي الخام لأفريقيا، لهذا فسعي المغرب الى تطوير بنيته المينائية ينم على وعي كبير واستشراف متميز للمتطلبات الاستراتيجية لإنجاح هذه المبادرة . كما ان المغرب اليوم من خلال بنيته المينائية ومختلف بنياته التحتية واللوجستية يريد ان يساهم في تعزيز سبل اعتماد القارة على امكانياتها الذاتية لخلق التطور والتقدم الاقتصادي، واشراك مختلف الدول و خاصة دول الساحل المعزولة بحريا ، فتمكين هذه الدول من المنفذ الأطلسي سيعطيها الامكانية لتنويع شركائها التجاريين عبر العالم و سيمكنها من طرق جديدة لتثمين بضائعها ومنتجاتها و صادراتها وز يعطيه قدرة اكبر على التحكم في استقلالية قرارها الاقتصادي و هو ما سنعكس إيجابيا على وضعية التنمية داخلها. لهذا فالمغرب اليوم مطالب بالاستثمار بشكل اكبر في بنيته المينائية خدمة للتطور و التنمية داخل افريقيا أولا و واجب الانتماء للقارة و الانشغال بهمومها و تطلعاتها و ثانيا لتحقيق طموحاته الاقتصادية و التنموية
* عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برلمانية