عيد الاستقلال .. ذكرى خالدة تجسد تلاحم العرش والشعب وتضحياتهما في سبيل الوطن ومقدساته    فيضانات إسبانيا.. الجهاز اللوجستي المغربي "ساهم بشكل كبير" في ترميم البنية التحتية المتضررة (مسؤول إسباني)        مسؤول إسباني: الجهاز اللوجستي المغربي ساهم بشكل كبير في ترميم البنية التحتية المتضررة من الفيضانات    التفاوض حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب يقسم النقابات في المغرب    الدرهم يرتفع مقابل الأورو على خلفية ارتفاع ملحوظ للتداول البنكي وفقا لبنك المغرب    العصبة تُحدد موعد "ديربي البيضاء"    فى الذكرى 21 لرحيل محمّد شكري.. مُحاوراتٌ استرجاعيّة ومُحادثاتٌ استكناهيّة مع صَاحِبِ "الخُبزالحَافي"    خاتمة العلوي تعود ب"شدة وتزول" بعد سنوات من الاعتزال    اغتيال المسؤول الإعلامي ل"حزب الله"    مصرع طفل في تطوان جراء ابتلاعه "كيسا بلاستيكيا"    دنماركية تفوز بمسابقة "ملكة جمال الكون" 2024    عدد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة يبلغ 171 مرفقا    المنتخب المغربي يعزز خياراته الهجومية بعودة سفيان رحيمي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    تجار القرب يعلنون تكتلهم لمواجهة توغل الشركات الكبرى بالأحياء السكنية    الاعلان الرسمي عن افتتاح ملعب الحسيمة الكبير بايت قمرة    حقوقيون ينبهون إلى أن مشروع قانون المالية يعمق واقع الهشاشة والإقصاء ويستنكرون استمرار التضييق على الحريات    قلة الأطباء والأَسرّة وطول المواعيد.. وزير الصحة يؤكد أن خدمات الطب النفسي بالمغرب تبقى أقل من المطلوب    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    تدشينات بإقليم سيدي قاسم بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال    بير أوباميانغ يؤكد : الحقيقة لقد واجهنا منتخبا مستواه بعيد كثيرا عن باقي المنتخبات الافريقية    حقوقيون يستنكرون استمرار تعليق رواتب 18 أستاذا رغم الأحكام القضائية    احباط تهريب 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    عبد الحميد أبرشان يرشح نفسه لرئاسة مقاطعة طنجة المدينة    بعد الانتصار على الغابون.. المنتخب المغربي يضيف لرصيده 5 نقاط ويقترب من المركز 12 عالميا    المغرب يطلق أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية باستثمار 1.3 مليار دولار    إسبانيا تطلق برنامجًا جديدًا لعقود العمل الموسمية 2025    التهراوي: هامش ربح الصيدلي والموزع محدد أساسي لأسعار الأدوية في المغرب    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    أياكس الهولندي يستعيد شعاره الكلاسيكي بعد غياب 34 عاما    لفتيت يدعو لمواجهة فوضى وتجاوزات وتدني خدمات سيارات الأجرة على خلفية وضع نهج جديد    "ذا تيليغراف": المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024    إطلاق قنبلتين ضوئيتين قرب منزل نتانياهو    صراعات عائلة السيوفي في الدراما الجديدة المُثيرة "نقطة سودة" يومياً عبر شاشة "5MBC"    الولايات المتحدة.. تعيين كريس رايت وزيرا للطاقة في إدارة ترامب الجديدة    عمور و السعدي يقصان شريط النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية        ترامب يعين "كارولين ليفيت" متحدثة باسم البيت الأبيض في إدارته الجديدة    لقاء بالداخلة يناقش مبادرة الحكم الذاتي    مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    بيع هيكل ديناصور عملاق بستة ملايين يورو قرب باريس    مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    أكبر الشركات العالمية تواصل إبداء اهتمامها بالطريق السيار الكهربائي الداخلة-الدار البيضاء    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتابات في تاريخ منطقة الشمال: «القصر الكبير سنة 1950»

تابعت جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير تعزيز مسارها التأصيلي، بإصدار الترجمة العربية لكتاب «القصر الكبير سنة 1950»، لمؤلفه أومبرطو ف.كورطاثيرو إيناريص، مطلع السنة الجارية (2024)، في ما مجموعه 272 من الصفحات ذات الحجم الكبير. ويمكن القول، إن هذه الترجمة الرفيعة التي أنجزها الأستاذ عبد الرحمان الشاوش، وراجعها الأستاذان محمد أخريف ومحمد العربي العسري، تستجيب للأفق العلمي المطلوب في مثل هذه الأعمال، خاصة على مستوىإعادة الروح للمتن الإسباني الأصلي وإعادة ضبط تفاصيله ومنعرجاته، والكشف عن خباياه التي ميزت السياق العام الذي صدر فيه الكتاب. فالعمل يعكس الأجواء العامة للفترة التي صدر فيها، أي سنة 1953، خاصة على مستوى تنامي الوعيالوطني التحرري، وبداية بروز رؤى متقدمة لإسبان أحرار راجعوا المواقف التقليدية لدولة إسبانيا تجاه المسألة المغربية وتجاه المآل العام الذي آلت إليه الأوضاع، ليس فقط ببلاد المغرب، ولكن على الصعيد العالمي في ظل تداعيات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونزوع الحركات التحريرية في القارات الثلاث نحو سقف الاستقلال ونحو مطلب الحرية والسيادة.
ويبدو أن المؤلف حمل عشقا كبيرا للمدينة ولأجوائها التاريخية المميزة، مما جعله ينفتح على الكثير من عوالمها العجيبة التي لم تكن تندرج في إطار الانشغالات التدوينية لغالبية الكتابات الإسطوغرافية الكولونيالية التي اهتمت بتحولات ماضي مدينة القصر الكبير العريق. وعلى الرغم من هذه الأهمية الأكيدة، فالكتاب لم ينل كل العناية والاهتمام لدى الباحثين والمهتمين، بل وأصبح مجالا للنهل من معطياته الإحصائية والتوثيقية لدى أصحاب عدة إصدارات حول المدينة من دون الإشارة إلى الأصل وإلى الجهد الذي بذله كورطاثيرو إيناريص. يقول المترجم موضحا أهمية الكتاب: «لم يكن هذا الكتاب متداولا إلا في نطاق محدود في الوسط القصري المغربي المسلم، وربما كان مرجع ذلك يعود إلى أن صدوره سنة 1953 كان أقرب ما يكون إلى السنة التي تحقق فيها الاستقلال، وهي فترة كان التغاضي فيها عن كل إصدارات الإدارة الاستعمارية، والنفور منها أمرا ينبعث عن وعي وطني، وعن الارتياب في ما ترمي إليه. ثم إنه صدر محررا باللغة القشتالية، ولم يكن إلمام أكثرية الفئة المثقفة المسلمة القصرية -وهي التي كان تأليف هذا الكتاب يستهدفها من جملة ما كان يستهدف- كافيا بأن يغريها بالاطلاع عليه، والتعمق في محتواه، هذا الذي دبج بلغة قشتالية رصينة بليغة…» (ص.11).
وبخصوص الحوافز النفسية التي جعلت المؤلف ينحو نحو الاهتمام بتفاصيل الحياة اليومية لمدينة القصر الكبير مطلع القرن 20، فلا يمكن تفسيرها إلا بالسياق الآسر الذي يربط المكان بنزيله. فكورطاثيو إيناريص لم يكن مجرد مستوطن حامل لحلم الارتقاء الاجتماعي بالهروب من مخلفات الحرب الأهلية التي مزقت بلاده بين سنتي 1936 و1939، بقدر ما أنه حمل عشقا للأرض التي احتضنته وجعلت من فضاءاتها موئلا لمصيره ومجالا لبلورة أحلامه ورؤاه. يقول في كلمته التقديمية: «القصر الكبير هي المدينة الأكثر عراقة في مغربيتها من بين مدن محميتنا، إذ لا مدينة فيها بقادرة على أن تنازعها في سمتها هذه، لا «أصيلة» الممعنة في الصغر ذات المحتد الفنيقي الموغل في القدم، ولا «العرائش» التي سبقت الإسلام في الوجود، ذات النسل الميتولوجي الوفير، ولا «تطوان» ذات الأرومة المتواضعة التي انبعثت بعد إقفار بفضل ذلك الوميض الإسلامي الإسباني الأخير، ولا ذلك الحضن المنبثق من مخيلة أندلسية والمعلق في أجمات «الماكو» الذي هو «الشاون»، بل وبالأحرى مدن الناحية الشرقية التي اقتضتها الحياة العسكرية حديثا. إن في «القصر» ليبتدئ «المغرب» بكل ما في شخصيته المرموقة من قوة وحيوية…» (ص.19). ويضيف موضحا السياق الدولي لفترة صدور عمله: «إن سنة 1950 هي صورة -أو علامة- تقسم بشكل احتفالي القرن العشرين من عصرنا هذا إلى شطرين. فعند مُفتتحه وجهت صحف ومجلات العالم قاطبة نظرة استذكارية للفت الانتباه إلى التغيرات العميقة السياسية منها والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية التي تواترت منذئذ إلى الآن… إنها تبدلات ستكون هي الأخرى نقطة مرجعية…» (ص.20). وبخصوص آفاق البحث، حرص المؤلف على توضيح حدود عمله بشكل دقيق، عندما قال: «انتقيت المعطيات الأشد قربا من الوقت الذي فيه تحققت مستبقيا ومحتفظا بما هو منها أكثر ضبطا وإن كان أحيانا لا يتم السماح بهذا إلا قليلا، بدون ذلك لا يتسنى الطموح إلى إنجاز ما يسمى إحصاء. وإنه بالاستعانة بالأرقام والملاحظات الشخصية فقط لا يتحقق أيضا إنجاز دراسة سوسيولوجية واقتصادية وبالأولى إنجاز صورة فوتوغرافية. إن الأمر يتعلق بكل بساطة برسم صورة مجملة عن البلدة في سنة الخير هذه: 1950 تعكس الجانب الروحي والمادي لها، وبغية ذلك نستدرج بضع ملاحظات تتعلق بتاريخها ستساعد بصفة أحسن على فهمها…» (ص ص.20-21).
في هذا السياق، حرص المؤلف، وبعد التوطئة التقديمية الخاصة بالوقائع التاريخية في تسلسلها الزمني، على تقديم معطيات غزيرة حول مجمل المعطيات الديمغرافية والتنظيمات الإدارية والتجهيزات الأساسية والمرافق العامة والتنظيمات الجماعية، يتعلق الأمر بتفاصيل ميدانية حول موقع المدينة، ومناخها، وساكنتها، وامتدادها المجالي والحضري، إلى جانب تنظيماتها الإدارية مثل المجلس البلدي وسلطات الحماية والتعليم الرسمي والمكتبة البلدية ومصالح الصحة والبيطرة والعدالة والقضاء الإسلامي والقضاء الإسباني والقضاء الإسرائيلي ومصالح البريد والتلغراف والهاتف والتنظيمات الخيرية الإسلامية والإسبانية والإسرائيلية. وإضافة إلى ذلك، قدم المؤلف تفاصيل غزيرة حول شبكة النقل السككي، والنقل الطرقي، والحمامات، والفنادق، والمقاهي، والمؤسسات المالية، وقوات الحراسة والأمن، ومجمل الأنشطة الاقتصادية بالمدينة وأحوازها، وتفاصيل الحياة الدينية للمسلمين والإسبان واليهود، وخريطة عائلات القصر الكبير «الوجيهة»، إلى جانب المعطيات التوثيقية الخاصة بمعالم تاريخ القصر الكبير وخاصة منها المرتبطة بسياقات الاحتكاك بالبرتغاليين خلال معركة وادي المخازن.
وبذلك، قدم أومبرطو ف.كورطاثيرو إيناريص «سجلا» غنيا بالمعطيات المدققة في التفاصيل، والمعززة بالإحصائيات، مما يجعل منها قاعدة مرجعية لأي دراسة مونوغرافية حول واقع مدينة القصر الكبير خلال النصف الأول من القرن 20. وإذا أخذنا بعين الاعتبار قيمة الترجمة الرفيعة للأستاذ عبد الرحمان الشاوش، وحرصه على تعزيز المتن بسلسلة هائلة من الهوامش التوضيحية والإحالات المدققة في التفاصيل، أمكن القول إن الأمر يتعلق -في نهاية المطاف- بكتابة ثانية للكتاب، لا شك وأنها تساهم في استكمال حلقات تجميع المعطيات وتصنيفها واستثمارها، بشكل يضفي على العمل بعدا علميا أصيلا وكفيلا بسد الثغرات وتوضيح الالتباسات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.