ونحن على بعد ثلاثة أشهر وبضعة أسابيع من طرح ملف الصحراء على مجلس الأمن لاستصدار قرار أممي جديد، مع ما يعني ذلك من أجندة سيكون الأمين العام للأمم المتحدة مطالب فيها بتقديم تقرير يستعرض فيه تطورات الملف، سياسياً وميدانياً، وقبلها الخلاصات التي سيرفعها له ستافان ديميستورا باعتباره المبعوث الأممي للمنطقة والملف...ونحن نستعد لكل هذه الأجندة وجب وضع التحركات التي قام بها المبعوث الأممي تحت مجهر الملاحظة والمتابعة، وحان الوقت لطرح السؤال حول الوضعية التي يوجد عليها الملف؟ وكذا التوصيف الذي يمكن وصف به الملف ككل ضمن المسار الذي حددته قرارات مجلس الأمن آخرها قرار 2703؟ الملف اليوم انتقل من منطقة رمادية حيث كانت المواقف غير واضحة تجاهه وتجاه المخارج الممكنة له، الواقعية والسياسية، إلى منطقة أكثر راحة بالنسبة للمغرب حيث باتت أكثر من مائة دولة من مختلف القارات تدعم الحكم الذاتي ومغربية الصحراء، منها سبع عشرة دولة أوروبية لها موقف إيجابي من الحل المغربي، أضف لها الدعم الذي حصل علية من دول التعاون الخليجي، والجامعة العربية، ودول الكاريبي وعدد كبير من دول الاتحاد الإفريقي التي اتخذت خطوة افتتاح قنصليات لها بالمنطقة، وباتت أجهزة الاتحاد الإفريقي متبنية لقرارات مجلس الأمن مُعترفة بحصرية المجلس للنظر في الملف ... هذا التراكم الإيجابي المنسجم مع النظرة الواقعية التي باتت تُقدم للملف أصبحت تتناقض مع طبيعة العملية السياسية خاصة مع المقاربة التي أراد ستافان دي ميستورا العمل بها، والمتاهة التي إذا استمر في نهجها، سيدفع بالملف إلى إغراقه في دائرة مفرغة، يتضح ذلك من خلال: عدم الضغط على الطرف الأساسي للانخراط بإيجابية في الملف وفقاً لما قرره مجلس الأمن، المقصود هنا النظام الجزائري. محاولة ستافان دي ميستورا إقحام دول جديدة لا علاقة لها بالعملية، في تحركاته، ولم تكن يوماً ضمن أية أجندة سابقة. إحاطته السابقة التي تقدم بها لمجلس الأمن لم تكن دقيقة في تحديدها للمسؤوليات وافتقادها تقديم خلاصة واقعية لستة أشهر الأولى لنصف السنة من تجديد تعيينه. الوضع الحالي حيث انتهى الملف لا يمكن وصفه اليوم من خلال المتابعة، إلا بالوضع «العبثي» بسبب ما أصبح يعيشه ليس فقط من جمود بل من خلال إقحامه بشكل متعمد في دائرة مفرغة، وفي حلقة لامتناهية من التمطيط وتمديد بعثة المينورسو كل سنة في ظل وضع الركود والجمود الذي تعيشه العملية السياسية بسبب عدم جرأة المبعوث الأممي على تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالملف. هي قرارات تتبنى، بشكل واضح ومباشر، المعايير السياسية للحل المغربي، مع دعم هذه القرارات لمختلف التحركات المغربية سواء ما تعلق منها بتنمية المنطقة والنهوض بها خاصة المبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع أنبوب الغاز الذي سيربط نيجيريا بالمغرب مروراً بالصحراء...وغيرها من المشاريع الكبرى التي كانت موضوع إشادة كبيرة من طرف الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير الذي وجهه لمجلس الأمن في أكتوبر الماضي، وهو دعم أممي يعزز السيادة المغربية في المنطقة ويعكس موقفاً إيحابياً، داعماً للحضور المغربي بالأقاليم الجنوبية ولكافة أشكال السيادة التي يمارسها في المنطقة... هذا التقدم المنجز محلياً بالمنطقة، والتراكم الإيجابي الذي خلقه المغرب على مستوى قرارات مجلس الأمن، والدعم الواضح لمبادرة الحكم الذاتي الذي تشهده المناقشات داخل اللجنة الرابعة، أصبح يتناقض مع حالة الجمود التي يعيشها الملف، والنفق الذي دخله والذي يبدو أن استمرار تحركات المبعوث الأممي بنفس الصيغة جعل الملف ككل يدور داخل حلقة مفرغة للأسف، وهو ما يستوجب من الدبلوماسية المغربية والأمم المتحدة الاتجاه قريباً نحو فتح الملف مع قرب موعد أكتوبر، وضرورة تحركها – أي الدبلوماسية المغربية- رفقة أصدقائها والدول الداعمة لأطروحتها السياسية داخل مجلس الأمن وخارجه من أجل دفع مجلس الأمن إلى تبني خطة واضحة لطي الملف، ليس فقط الإعلان عن دعم مبادرة الحكم الذاتي، بل تحديد أجندة مدققة لعودة جميع الأطراف للمباحثات حيث انتهت في جنيف 1 وجنيف 2، ودفع الدولة الجزائرية باعتبارها طرفاً أساسياً نحو التعاطي بشكل إيجابي مع العملية السياسية.... وإلى حين الانتقال إلى هذه الخطوة، سيظل المغرب يتحرك بصفوف متراصة، متحركة...نحو انتزاع المزيد من الاعترافات والمكاسب لقضيته الوطنية الأولى، ونحو تعزيز عمل الدبلوماسية المغربية باعتبارها تتحرك وفق خطة ملكية تم وضعها، منذ سنة 2018، تحقق في كل محطة وتنتزع دعماً للحكم الذاتي ولمغربية الصحراء.