تطرقنا في مقالة سابقة لموضوع الإحاطة التي سيقدمها ستافان دي مستورا لمجلس الأمن، وذكَّرنا بسياقها، خاصة في ظل استمرار جمود العملية السياسية التي لم يتم للآن إطلاقها على أرضية خلاصات مباحثات وموائد جنيف 1 وجنيف 2 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالنزاع آخرها قرار 2653 الصادر أكتوبر الماضي... الجديد الذي يمكن إضافته لما تم ذكره في مقالة الأسبوع الماضي، هو أن هذه الإحاطة ستتم في ظل رئاسة روسية لمجلس الأمن، وهي الرئاسة التي ستعكس مدى التزام روسيا بحفظ السلم والأمن في المنطقة في العلاقة مع مختلف النزاعات الإقليمية وعلى رأسها النزاع المفتعل حول الصحراء، خاصة مع تصريح ممثل روسيا الدائم بالأممالمتحدة الدبلوماسي فاسيلي نيبينزيا، الذي أدلى به الجمعة الماضي، والذي أكد فيه «عدم وجود أي خطة جديدة لدى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا حول الصحراء»، وأن هذا الأخير «لم يستطع إعطاء أي إشارة إلى وجود انفراج في القضية» و«دون خطة جديدة حول النزاع». هذا التصريح الذي يأتي في ظل سياق الرئاسة الروسية لمجلس الأمن واستعداد ستافان دي مستورا تقديم إحاطته للمجلس، يعكس الموقف الروسي من الجمود الحالي، ويؤكد أن روسيا لها موقف واضح من التحركات، التي يقوم بها ستافان دي مستورا، والتي تنظر إليها بأنها تحركات كرست الجمود ولم تأت بأي جديد، خاصة وأنه فشل في دفع الطرف الأساسي في النزاع «النظام الجزائري» إلى الانخراط في العملية التي كان ينوي إطلاقها، بجدية وبدعم حقيقي لعمله، لا كما يتم القيام به حاليا من تكريس للجمود وتشبث هذا النظام بخطط تجاوزها مجلس الأمن في قراراته، ولم تعد الأممالمتحدة تقر بخطة التسوية السياسية كما جاءت في اتفاق وقف النار عند توقيعه، ففي ظل المسار الذي قطعته الأممالمتحدة علاقة بالنزاع أصبحت هذه الأخيرة أكثر اقتناعاً بعدم جدوى «استفتاء تقرير المصير» وعوضته بتبني واضح للمعايير السياسية لمبادرة الحكم الذاتي لمصداقيتها ولجدية المغرب في طرحه السياسي لطي الملف. الإحاطة قد تتأثر بهذا الموقف الروسي خاصة أثناء مناقشتها، وهو ما قد يشكل ضغطاً على ستافان دي مستورا من أجل أن يقوم بخطوات أكثر جدية ويخرج من المنطقة الرمادية التي يتواجد فيها الملف، ويحسم تردده بإطلاق مبادرة واضحة حول تجديد العملية السياسية وفقاً لقرارات مجلس الأمن، التي تعتبر المرجع الأممي الوحيد في هذا الملف، ولا يمكن الخروج عنها سواء بالانجرار نحو فكرة تعويم الموائد المستديرة بالحديث غير الرسمي عن فكرة عقد مؤتمر دولي أو متعدد الأطراف خارج طرفيه الأساسيين: المغرب والجزائر، أضف لهما موريتانيا، وتنظيم جبهة البوليساريو. هي فكرة إن كانت لا تحظى، للآن، بأي دعم سياسي من طرف أي دولة خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لها موقف سياسي واضح داعم لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، ثم لروسيا نفسها التي سبق أن صرَّحت في آخر لقاء بين وزارة الخارجية المغربية والروسية أن الدولة الروسية تدعم الحل السياسي وفقاً لمقررات مجلس الأمن، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الروسي لافروف، فهي ستتعامل مع الإحاطة الحالية التي سيتم تقديمها في ظل رئاستها لمجلس الأمن والمواقف التي بدأ يعبر عنها دبلوماسيوها من تحركات ستافان دي مستورا، تعكس مرة أخرى أن روسيا ليس لها موقف معاكس للمغرب ولا ضده، بل كل تحفظاتها هي شكلية تخص إما مسطرة تقديم مسودة قرار مجلس الأمن، أوتتعلق ببعض التحركات التي يقوم بها أو لم يقم بها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في ما يتعلق بالملف، وهي مواقف لا تمس جوهر الملف ولا موضوعه، بمعنى لا تمس بقرارات مجلس الأمن ولا توجهها نحو تبني مبادرة الحكم الذاتي مما يجعل من المواقف الروسية مواقف مطمئنة للمغرب، ويمكن التعامل معها على أنها تشكل دعماً سياسياً واضحاً للمغرب مادام أن روسيا لم تنحز للجزائر. إن الموقف الروسي من النزاع ومن المغرب، ليس َصدفة، بل هو نتيحة اختيارات دبلوماسية استراتيجية قام بها المغرب جعلته بلداً منفتحاً على كل الدول والأقطاب الدولية، ويعكس من جهة أخرى إيجابية الاختيارات الدبلوماسية للمغرب خاصة في ظل التقاطب الحاد الذي حدث بسبب الأزمة الروسية الغربية، والذي كان للمغرب فيها مواقف واضحة، ثابتة، مبدئية تحظى بتقدير من كل الأطراف الدولية على رأسها روسيا، وهو ما تم استثماره من طرف المغرب من خلال مختلف التحركات التي قام بها تجاه روسيا.