شهر أكتوبر الحالي تحول منذ بدايته لشهر تعيش فيه القضية الوطنية على وقع دينامية أممية متسارعة تتجه نحو إصدار قرار أممي جديد يتعلق بنزاع الصحراء نهاية هذا الشهر، و هي الدينامية التي تبدو أنها إيجابية، ستنعش الملف و تخرجه من حالة الجمود السياسي الذي عاشته منذ أبريل 2019 تاريخ استقالة المبعوث السابق كوهلر،الذي خلفه رسميا ستافان دي ميستورا الذي حظي بدعم سياسي من طرف مختلف الدول أعضاء مجلس الأمن، هذا الدعم السياسي التقى مع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي رصد فيه مختلف التحولات التي شهدها الملف ككل و المنطقة من جانب الوضع الميداني، السياسي و الحقوقي، و هو تقرير عمد إلى تقديم رؤية الأمانة العامة للأمم المتحدة للأحداث التي شهدها النزاع و المنطقة هذه السنة بدءا بالعملية الأمنية المغربية التي قام بها الجيش المغربي في الكركرات،و صولا لافتتاح القنصليات الأجنبية في الداخلة و العيون،مرورا بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء،و هي أحداث غطت جوانب مهمة من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة،الذي يعتبر تقريره تمهيدا لما سيكون عليه الوضع أثناء مناقشة مسودة القرار الأممي الذي ستعرضه الإدارة الأمريكية على مجلس الأمن ثم مناقشته و التصويت عليه. الأحداث هاته التي عاشتها القضية الوطنية على المستوى الأممي تشير إلى رغبة الأممالمتحدة في إخراج الملف من وضعيته الحالية، وضعية الجمود و توقف العملية السياسية كما هي مؤطرة بقرارات مجلس الأمن حول الصحراء، هذه الرغبة تتزامن و التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة ككل، و الأقاليم الصحراوية الجنوبية كذلك و هي كلها تحولات تشير إلى أن الملف قد يدخل مرحلة جديدة من الناحية السياسية في حال عمدت الأطراف الأخرى المعنية بالنزاع خاصة منها الطرف الجزائري إلى تليين موقفه، و تغيير سياسته العدائية اتجاه المغرب، و انخراطه الإيجابي في دعم العملية السياسية وفقا لقرارات مجلس الأمن حول الصحراء آخرها قرار 2548 الصادر في اكتوبر الماضي، و هي مرحلة سيحكمها الهاجس الأمني بالأساس،لأن أي انهيار للعملية السياسية أو استمرار تعطلها ستكون أولى نتائجها على الوضع الأمني ليس في الأقاليم الصحراوية الجنوبية الخاضعة للسيادة المغربية التي شهدت رسميا نهاية الطرح الانفصالي و انحصار تأثيره،بل على مستوى المناطق المحيطة بالمنطقة نخص بالذكر منطقة جنوب الصحراء و التحديات الكبيرة المطروحة اليوم بشمال مالي هذه المنطقة التي يُراد اليوم تحويلها لتمركز جديد للتنظيمات الإرهابية التكفيرية و التي تستفيد من استمرار تعثر المسلسل السياسي على اعتبار أن أي توقف للعملية السياسية فيه تغذية لحالة اللأمن التي تعيشها المنطقة من خلال ارتفاع حالات هجرة شباب المخيمات بفعل تأثير اليأس و الجمود نحو هذه التنظيمات الجهادية.
هذه الهجرة التي لا تقلق النظام الجزائري بل هو من يغذيها لأنها تدخل ضمن مشروعه الهادف إلى محاولة عزل المغرب عن محيطه الإفريقي و ما استهداف السائقين المغاربة إلا واحدة من مؤشراته الأمنية الخطيرة و السياسية. الأممالمتحدة و هي تريد/تعيد إنعاش العملية السياسية، سواء بتعيين ستافان دي ميستورا أو بمضامين التقرير الذي عرضه الأمين العام للأمم المتحدة، تعكس رغبة أممية في المضي قدما نحو حل الملف نهائيا و تفكيك المخيمات،و ضمان عودة سالمة لساكنة المخيمات لوطنهم المغرب،هذه الرغبة الأممية تصطدم بالمقابل برغبة جزائرية في استمرار النزاع و في حالة اللاحرب و اللاسلم التي يعيشها،و حالة التأزيم الداخلي للمخيمات التي أشار إليها التقرير الأممي نتج عن هذه الحالة ازدياد حالة اليأس و الإحباط في صفوف شباب المخيمات، هذا التعارض بين الرغبتين على الأمين العام للأمم المتحدة أن يفكر في كيفية حسمه بدفع الدولة الجزائرية إلى أن تكون عنصر إيجابي في المسلسل السياسي،و في تغيير موقفها من النزاع الذي يدفع في اتجاه المزيد من التصعيد، و دون أن يكون هذا التدخل أممي لدى الجزائر بشكل واضح و حاسم فإن كل هذه الديناميات الإيجابية التي قد يعيشها الملف على الصعيد الأممي سيكون مآلها الفشل،و ستكون فقط مناسبة لتكرار إنتاج نفس الجمود السياسي، و العودة لنفس الحلقة المفرغة من اللقاءات التي ستكون بدون نتيجة مادام الطرف الأساسي معرقل لها،و معرقل للحل السياسي كما أقرته قرارات مجلس الأمن،و معترض على أي تقدم إيجابي قد يعيشه النزاع على المستوى السياسي.