إن للمغرب قوانين ودستورا أسمى، وملكا يحترم المؤسسات، ولم يثبت عليه أن فضل حزبا على آخر، أوتوجها على آخر، بل قال جلالة الملك في عدد من خطبه إن حزبه الوحيد هو المغرب والوطن. للأسف، رئيس الحكومة يعتقد أن لعب دور المعارضة هو بمثابة لعنة أو عقاب سياسي ومكان من لا مكان له في مقاعد الحكومة، والواقع والدستور يقولان العكس، بل يعطيان للمعارضة شأنا كبيرا لم يستوعبه رئيس الحكومة وأغلبيته المتغولة لحد الآن، وليس هناك أي مؤشر يوحي باستيعابه قريبا، ولولا مكانة المعارضة لما خصص لها الدستور الحالي عددا من الفصول تظهر دورها الحيوي في ضمان توازن النظام السياسي وفعالية البناء الدستوري والمؤسساتي. في كل الدول الديموقراطية التي تحترم نفسها، هناك معايير ومبررات تحدد من سيكون في الأغلبية ومن سيصطف في المعارضة، وإذا كان الدستور المغربي قد حدد بناء على نتائج الاقتراع الحزب القائد للحكومة فإن روح الدستور شددت على أن يكون النظام السياسي متوازنا، وأن تكون المعارضة قوية تقودها جهة سياسية ذات وزن وحضور كبيرين في الوطن، تضع نفسها في موضع المراقب والمحاسب للحكومة وأغلبيتها مثلما تصنع معظم الدول الديموقراطية. إن قرار التموقع في المعارضة والأغلبية ليس نزهة في حديقة بل قناعة واختيار شاق. إن المؤسساتية تحافظ على التوازن داخل النسق السياسي، كي لا تتحول المعارضة إلى مكان شاغر تشغله معارضات الشارع المدفوعة بالعدمية والمجهول والفراغ . من الواضح أن مصلحتنا كمجتمع ودولة ليست بناء حكومة منسجمة بالدرجة الأولى بل أيضا تشكيل برلمان فاعل وقوي، والحكم على فعاليته وقوته يجب أن يحتكم لمعايير التوازن السياسي والعددي، فلا يمكن أن تتحول المؤسسة التشريعية إلى طائر يطير بجناح واحد للأغلبية بينما جناح المعارضة معطل، وهناك من يعتقد أن ضعف البرلمان وتحوله إلى لعبة في يد السلطة التنفيذية سيسهل على الحكومة إنجاز الكثير من الأمور دون إزعاج، هذا التقدير قد يكون صحيحا لكنه غير صحي لسير النظام برمته، فضعف البرلمان ولا سيما المعارضة يعني فتح الباب مشرعا أمام الشارع والفاعل الاحتجاجي والتيارات العدمية، فلم يحدث أن كان البرلمان المغربي ممثلا للأغلبية فقط وخادما للحكومة، وحتى في ظل الولايات التشريعية التي كانت تهيمن فيها الأحزاب «الإدارية» ضم البرلمان معارضة قوية يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مما كان يضمن الكثير من التوازن الدستوري والسياسي، ويجنب البلد الانزياحات خارج الأطر الدستورية المشروعة. لذلك، الذين شكلوا الأغلبية المتغولة دون إيلاء المعارضة مكانتها هم واهمون وحالمون ويركبون مغامرة غير محسوبة العواقب، لأن قوة الأغلبية من قوة المعارضة، وقوة الحكومة من قوة البرلمان، لذلك من الواجب جدا إعطاء مجلس الأمة مساحته الكاملة للعمل والتحرك لحماية المجتمع من أي تغول . المطلوب مؤسسات قوية وعلاقة تحكمها الأطر الدستورية الناظمة بوجود حكومة تنفذ القوانين وتدبر شؤون البلد وتنزل مشاريعه الكبرى، ومؤسسة تشريعية تجود ما عجزت عنه الحكومة وتراقب بقوة عملها وتقيم سياساتها، هذا ما حرمنا منه خلال عشر سنوات الماضية مع بنكيران والعثماني، وأدى إلى خلل كبير في السياسات العمومية ومنظومة المساءلة الدستورية والسياسية، وها نحن نسبح في النهر نفسه مرة أخرى مع عزيز أخنوش، الذي لاتهمه المعارضة ولا يهمه ما يقوله نوابها. وعليه فإن مواجهتنا للتغول وللهيمنة ولمحاولات تحجيم وإضعاف أدوار المعارضة هو دفاع عن الدستور ، ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن نسمح بأي تراجعات ديموقراطية أو حقوقية، أو فرض إجماعات قسرية خارج ما يحدده الدستور من ثوابت، ومن أدوار للمؤسسات المنتخبة وقي مقدمتها البرلمان بغرفتيه. وفي هذا الصدد أكد ويؤكد الاتحاد الاشتراكي استمراره في الدفاع عن تحصين المؤسسات الدستورية وأدوارها، ومواجه أي سعي لإفراغ مؤسسة البرلمان من مهامها في التشريع والمراقبة والمحاسبة .