في سنة 1974 توجه المغرب إلى محكمة العدل بلاهاي قصد انتزاع قرار استشاري يؤكد الارتباط التاريخي والسيادي للأقاليم الجنوبية بالمغرب وسلاطينه، فكان أن قضت المحكمة بذلك في قرار استشاري مرجعي، دفاعاً عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة، بعد حوالي خمسين سنة يعود المغرب إلى محكمة العدل الدولية مترافعاً عن القضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي ورفضاً لممارساته العدوانية والاستيطانية بالقدس وقطاع غزة، في تأكيد لما ظل الملك محمد السادس يؤكده: أن القضية الفلسطينية هي قضية تحظى بنفس الاهتمام والأولوية لديه باعتباره رئيساً للجنة القدس وبصفته أميراً للمؤمنين، مما يعطيه نوعاً من السيادة الدينية على المقدسات الدينية خاصة الوقف المغربي بالقدس الشريف. المغرب توجه إلى محكمة العدل الدولية، من خلال حضور سفيره هناك، مشاركاً في المرافعات التي تقدمت بها عدة دول أمام المحكمة، ومن خلال المرافعة التي تم تقديمها باسم المغرب عملاً بالتوجيهات الملكية في انخراط قانوني من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهي المرافعة التي استندت على القانون الدولي الإنساني في ما يتعلق بحماية المدنيين ووقف الحرب، ومرتكزة كذلك على قرارات مجلس الأمن التي طالبت غير ما مرة بوقف الاستيطان وتفكيكه نظراً لطابعه غير الشرعي، ثم أيضاً اتجهت إلى ضمان حماية قانونية وقضائية للمقدسات الدينية خاصة عمليات تهويد القدس الشرقية التي يسعى إليها الكيان الإسرائيلي... إن المغرب لم يتقدم بمرافعة تريد فقط إدانة ووقف العدوان الإسرائيلي، بل اتجه نحو طرح كل النقط التي يريد من خلالها انتزاع قرار قضائي لوقف كل مظاهر الاحتلال بفلسطين، سواء تعلق الأمر باستهداف المدنيين أو بحماية المقدسات الدينية أو الاستيطان غير الشرعي. المغرب في مرافعته كان شاملاً بحيث طرح وجهة نظره القانونية المستندة على القانون الدولي الإنساني والشرعية الدولية، وهو ما جعلها مرافعة متميزة ومميزة، وأعطاها بعداً سياسياً داعماً لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، منسجماً مع قرارات مجلس الأمن وعمليات السلام السابقة التي قام بإجهاضها الاحتلال الإسرائيلي بغطرسته كقوة محتلة للأرض الفلسطينية، هذا التوجه الذي اختاره المغرب كان موفقاً فيه بحيث أعطى لمرافعته قوة قانونية، ومهما كان موقف المحكمة فإنها عكست وجهة نظره القانونية والسياسية من الملف ككل، بحيث إذا كانت جل مرافعات الدول الأخرى رغم أهميتها توقفت عند العدوان الحالي فإن المغرب توجه بنظرة ورؤية شاملة، قانونية، سياسية ودينية. مرافعة المغرب الشاملة التي ترافع فيها عن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بلاهاي، دفعت السلطة الفلسطينية خاصة الرئاسة الفلسطينية إلى الإدلاء بتصريحات إعلامية تعلن فيها عن تبنيها لها ودعمها قانونيا وسياسياً، بحيث أكد مستشار الرئيس الفلسطيني الدكتور محمود هلاش أن « المرافعة التي تقدمت بها المملكة المغربية أمام محكمة العدل الدولية بخصوص الآثار القانونية الناشئة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، تجسيد لموقف المملكة الثابت إزاء هذه القضية»، مؤكداً « أنها أعادت الاعتبار لوحدة الموقف العربي والإسلامي من القضية الفلسطينية، بما يعزز قناعة المجتمع الدولي، وقناعة المحكمة بمصداقية القضية الفلسطينية». هذا الموقف الرسمي للفلسطينيين يعكس أهمية المبادرة التي اتخذها المغرب بحرص ملكي على ضرورة تقديم مرافعة لا ترتكز فقط على الشكليات القانونية الرافضة للاحتلال بل تقديم ملف قانوني يستند على كل النقط التي من خلالها يمكن إدانة ممارسة الاحتلال الإسرائيلي في شموليته. المغرب أكد الحرص الملكي الراسخ بضرورة دعم القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، وأنه يقف إلى جانبها وقت السلم والحرب، وهو بذلك يكون قد جسد ما ردده الملك محمد السادس أن قضية فلسطين لا تقل عن الصحراء باعتبارهما أولوية في السياسة الخارجية المغربية، وهو تجسيد فعلي لا شعارات إعلامية !