منذ أواخر غشت العام الماضي 2023، ما يزال مصير3 شبان من خنيفرة مجهولا، بينهم شقيقان، بعد ركوبهم واحدا من قوارب الموت في هجرة سرية أقلعت من سواحل طانطان باتجاه جزر الكناري التابعة للسيادة الإسبانية، فيما تعيش عائلتيهم حالة من الترقب والأمل عليهم، رغم تضارب الأقوال والاحتمالات حول مصيرهم، سيما بعد توصل العائلتين إلى ما يفيد أن الثلاثة كانوا ضمن العشرات من المرشحين للهجرة، أغلبهم ينحدرون من إقليمبني ملال، جرى انقاذ عدد منهم من طرف البحرية الملكية، فيما لم يتم العثور على ستة منهم، لا أحياء ولا أمواتا، وكل الحقيقة لا يعلمها غير منظمي عملية التهجيرالتي تعذر على الجميع تفكيك غموضها. بدر سربوت، محمد سربوت (شقيقان) وعبد الجليل أعراب، هم 3 شبان من خنيفرة، تتراوح أعمارهم بين 17 و22 و25 سنة، كانوا قد التقوا بآخرين بساحل طانطان (جنوب البلاد)، حيث جمعتهم مغامرتهم المشتركة، خلال الأسبوع الأخير من شهر غشت العام الماضي، وواحد من الثلاثة كان قد فشل، قبل ثلاثة أيام من الرحلة، في محاولة أولى، رفقة حوالي 46 شخصا، بسبب نفاذ بنزين القارب المطاطي وما تلا ذلك من ظروف الجوع والهلع، قبل مصادفة قارب لصيادين ربطوا الاتصال بالبحرية الملكية التي أوفدت عناصر منها للموقع المحدد، وتمكنت من إنقاذ ركاب القارب المذكور واقتياد من فيه لأقرب مخفر للدرك حيث تم الاستماع لهم والافراج عنهم. وعلى قارب مطاطي، وصحبة أكثر من 50 شخصا، كان الشبان الثلاثة قد خلفوا وراءهم اليابسة والعائلات والأصحاب، وكل طموحهم في الوصول إلى الضفة الأخرى عبر جزر الكناري بأمل تحقيق حياة أفضل وعيش كريم لهم ولأسرهم، بمنطقة تعاني حالة التهميش والإقصاء، ووضعية العطالة التي تحمل الشباب للتفكير في الهجرة خارج الوطن، وبمجرد ركوبهم البحر أغلقت هواتفهم وانقطع الاتصال بهم، ذلك بعد مكالمات أخيرة منهم أخبروا فيها أسرهم أنهم في طريقهم، على متن سيارات ذات الدفع الرباعي، باتجاه الساحل البحري، ولا يحتاجون سوى للدعاء الصالح، على أن يربطوا لاتصال بذويهم وإخبارهم ببلوغهم الى الضفة الأخرى. وكان والد واحد من الشبان الثلاثة (عبد الجليل أعراب) قد حاول عبثا إقناع ابنه، في الدقائق الأخيرة، بالتراجع عن فكرة الهجرة، والعودة إلى حال سبيله، خصوصا بعد أيام قليلة من استيقاظ بلدة تيغسالين، إقليمخنيفرة، صباح 24 يوليوز العام الماضي، على فاجعة غرق عدد من شبابها بسواحل الداخلة حيث كانوا يحاولون العبور نحو الضفة الأخرى، وهو الشاب (عبدالجليل) الذي حكت عنه إحدى الناجيات من بني ملال بأنها لن تنسى مغامرته البطولية، لحظة تعرضها لنوبة رعب نفسي وانزلاقها في مياه البحر، حين تمكن هذا الشاب من السباحة لانتشالها من فكي الموت في الوقت المناسب وإعادتها للقارب المكتظ بالمهاجرين. ولم يكن الشبان الثلاثة يتوقعون تحطم حلمهم في قلب البحر، وتحوله إلى كابوس مرعب، وأنهم سيصيرون، بين أرض الوطن والأفق المجهول، عبارة عن كائنات تصارع الموت، قبل قيام البحرية الملكية بإنقاذ أزيد 40 شخصا منهم، وانتشال 3 وفيات، والبعض منهم تم تسجيلهم في عداد المفقودين، ولعل بعضهم دخل المياه الإقليمية التابعة للنفوذ الإسباني على مشارف جزر الكناري، علما أن الزورق لم ينقلب، حسب تصريحات لم تتأكد صحتها بعد، ومن حينها لم يتوقف والد الشقيقين (بدر ومحمد سربوت)، إبراهيم سربوت، عن شد الرحال لطانطان وطرفاية وكلميم بحثا عن رأس خيط يقوده لملامسة مصير إبنيه اللذين لا ثالث لهما في أسرته الصغيرة. ورغم بحثه في كل الاتجاهات، لم يعثر والد الشقيقين إلا على أنباء وتصريحات متضاربة، فيما اكتفت مصادر قضائية بكلميم بالقول «إن السلطات تجري تحرياتها بشأن المفقودين»، لكن من دون أي جديد، كما لم يفت الأب التنقل بين مستودعات الأموات بمدن طانطان وطرفاية والعيون والداخلة، دونما أي جدوى ولا أثر لابنيه بين الجثث المصطفة، فيما تقدم لمصلحة درك طانطان عله يلامس بصيصا من الأمل، فعرض أمامها صورتي إبنيه، ووقتها لم يتجاوز الدرك حدود الاستماع لأقواله، بحضور شخص إفريقي من جنوب الصحراء (يدعى إحيا)، يوجد رهن الاعتقال بصفته سائق القارب المطاطي، ومن حينها لم يحدث أي مستجد في القضية. وبأحد مستشفيات طانطان، كان والد الشقيقين (محمد وبدر) قد صادف ستة أشخاص من الناجين، وهم تحت الرعاية الطبية، فعرض عليهم صورتي ابنيه، وبينما صرحت إحداهن «أن بدر لقي مصرعه غرقا»، أكد أخرون «عدم علمهم بأي شيء حول مصير الشقيقين، مقابل علمهم بوفاة ثلاثة أشخاص فقط نقلتهم البحرية الملكية مع من نُقلوا من الناجين»، فيما أفاد أفراد من أسرة الشاب الثالث (عبد الجليل أعراب) أنهم «يجهلون بدورهم مصير ابنهم، وأنهم ظلوا على تواصل مع الدرك دون جدوى»، وأن إحدى الناجيات صرحت بأن هذا الشاب «شوهد وهو في مياه البحر، ولا يعلم أي أحد ما إذا لقي حتفه غرقا أو أنه تمكن من الوصول للضفة الأخرى». ومن المعطيات التي اكتفت أسر الشبان الثلاثة بقولها، أن تكاليف القبول بعملية تهجير أبنائهم قد تراوحت ما بين 3 ملايين ونصف وأربعة ملايين ونصف سنتيم للفرد الواحد، وأن الوسيط بينهم وبين «الرأس المدبر»كان شخصا من إفريقيا من جنوب الصحراء تم نقله على ذات القارب بمبلغ رمزي، أما الرأس المدبر فكان يتواصل مع ضحاياه من وراء الهاتف فقط، ولعله نفسه الذي التقاهم قبيل ركوبهم الزورق المطاطي وهو ملثم تجنبا للتعرف على ملامحه، وفي ذلك ما يحمل أسر المفقودين الآن إلى التشديد على ضرورة تدخل السلطات المعنية لفتح تحقيق جاد ومسؤول للكشف عن هوية هذا الشخص الذي ليس من المستبعد أن يكون فردا من شبكة مختصة في الاتجار بالبشر. ولا شك أو جدال في أن حكاية الأبناء الثلاثة تظل لغزا محيرا، طالما أن مصيرهم غير معروف، وهل هم أحياء يرزقون أم لقوا حتفهم، فيما أمهاتهم، كآبائهم، لم يعدن قادرات على الصبر ولا النوم، وفي كل لحظة يتحدثن عن فلذات أكبادهن المفقودين، يتلهفن إلى معرفة أية معلومة أو خبر قد يربطهن بخيط الأمل ويخفف عنهن لوعة الفراق، والجميع على أعلى درجة من الإصرار على معرفة ما جرى ووقع لأبنائهم، وما إذا حدث لهم مكروها أو حاملا لجناية، إذ أن كل الأبواب الرسمية التي تم طرقها، إلى حدود الآن، لم تفض سوى لمسلسل من الوعود والتطمينات غير المجدية؟