تماشيا مع العرف الذي يتم القيام به عند استقبال كل سنة جديدة ونهاية أخرى، يتم اختيار أكثر الفعاليات التي كانت مؤثرة في السنة التي مضت قصد استقبال السنة الجديدة بنفس الروح، وإذا ما أعدنا ترتيب سنة 2023 بمختلف أحداثها وتفاعلاتها الكبرى خاصة على المستوى الخارجي وكذا ارتباطاً بالملفات التي تم تدبيرها داخلياً ولها علاقة بما هو خارجي، يمكن الجزم أن السنة التي ودعناها كانت سنة الدبلوماسية المغربية، سنة تحقيق المكاسب على المستوى الخارجي حتى بات اسم المغرب مرتبطاً بالمنجزات التي تم تحقيقها ووضعت المغرب ضمن لائحة الدول والفاعلين الكبار إقليميا، قارياً ودولياً في مختلف الملفات التي طُرحت على الأجندة الدولية. في ملف الصحراء ظل المغرب يسير في نفس المنحى التصاعدي الذي أنهى الأطروحات البائدة وأصبحت المبادرة المغربية تحظى، بفعل المنجزات التي تم تحقيقها، بدعم دولي وأممي تجلى في استمرار مسلسل افتتاح القنصليات بالجنوب المغربي، توالى الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء واستمرار العمل بنفس الاستراتيجية التي حددها خطاب 6 نوفمبر لسنة 2016 الذي يعود له الفضل في وضع خارطة طريق مغربية نحو تنويع الشراكات، وتحقيق اختراقات قوية ونوعية ذات طابع دبلوماسي كان لها انعكاس إيجابي على ملف الصحراء وعلى موقف الفاعلين الكبار وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا وألمانيا، وانتهى كل ذلك بقرار 2703 الأممي الذي طوى صفحة «استفتاء تقرير المصير» وتبنى خيار المبادرة المغربية. في الأزمة الروسية-الغربية كان المغرب متميزا بموقفه العقلاني المستند على رؤية استراتيجية وضعها الملك وتم تنفيذها بإخراج مغربي خالص، دافع المغرب عن رؤية واضحة تستمد روحها من ميثاق الأممالمتحدة، ومن التراكم الكبير الذي حققه في صناعة السلام والأمن الدوليين، رفض المغرب الحرب والدمار وانجاز للسلام، وأكد على موقفه المبدئي من تقسيم الدول وتفتيها، فكان رافضاً لأي محاولة محتملة لتقسيم أوكرانيا، وهو الموقف الذي تبناه المنتظم الدولي في ما بعد، فكان المغرب سباقاً لاتخاذ موقف إنساني،عقلاني ودبلوماسي رزين أصبح هو نفسه القرار الموجه والمؤطر لحل الأزمة الروسية-الأوكرانية/الغربية، فكانت الدبلوماسية المغربية متميزة باختيارها الدبلوماسي، العقلاني، المبدئي المُنطلق من مبادئ القانون الدولي والقيم التي شكَّلت هذه الدبلوماسية. في الملف الفلسطيني خاصة مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان التحرك المغربي الدبلوماسي قوياً، فاعلاً في إثارة المنتظم الدولي إلى خطورة الوضع داخل فلسطين مع استمرار الغارات الإسرائيلية على شمال قطاع غزة بحيث برزت الدبلوماسية المغربية من جديد كدبلوماسية واضحة، داعمة ومتبنية لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، عبرت عن ذلك في مواقف واضحة، لا تردد فيها، بحيث كانت من الدول الأولى التي أدانت العدوان وطالبت بوقفه وبإحياء مسلسل السلام والمفاوضات بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، كما قام المغرب بتحركٍ دبلوماسي على المستوى العربي، الإسلامي ثم الأممي من خلال مراسلة المقرر الخاص المعني بالشعب الفلسطيني لإثارة انتباهه لما يحدث من انتهاكات داخل فلسطين بسبب الحرب والعدوان، وقد كانت عدة أطراف تنتظر أن يتوارى المغرب إلى الوراء لكن دبلوماسيته كانت فاعلة في هذه الأزمة الخطيرة التي مرت منها القضية الفلسطينية وكان المدنيون ضحيتها، ليكون التحرك الدبلوماسي انطلاقا من مسؤولية المغرب الدينية، العربية والإنسانية تجاه الوضع بفلسطين، لتكون الدبلوماسية المغربية حاضرة بقوة في هذا الملف بمواقف دبلوماسية منتصرة للسلام. في الملف الإفريقي تحرك الدبلوماسية المغربية لم يكن فقط في الجوانب السياسية في شكلها الضيق، بل كان تحركها اقتصاديا، ثقافيا وأمنيا، يعكس التوجه الذي سبق لعاهل البلاد أن أعلن عنه في خطاب استرجاع المغرب لمقعده بالاتحاد الإفريقي، وما المشروع الكبير الذي ختم به المغرب هذه السنة إلا واحدا من المشاريع الكبرى التي تعكس طبيعة التحرك المغربي الإفريقي، وهو تحرك اقتصادي، سياسي ودبلوماسي جعل من المغرب بوابة إفريقيا نحو العالم خاصة مع الرؤية الاقتصادية التي تحكم علاقته بهذه القارة، وهي علاقة مبنية على التكامل، التضامن وتحقيق التنمية المستدامة لكل إفريقيا خاصة منها دعم المناطق التي تشهد تهديدات أمنية جدية، منها منطقة الساحل جنوب الصحراء التي تريد التنظيمات الإرهابية والجريمة غير المنظمة أن تحولها لنقطة تمركز لها، وهو ما جعل المغرب يقرر مواجهة هذه التهديدات بالتنمية الاقتصادية وبوضع كل إمكانياته الاقتصادية وبنيته التحتية تحت تصرف هذه الدول ليكون لها منفذ اقتصادي وتجاري نحو المحيط الأطلسي في خطوة تعكس طبيعة الدبلوماسية التي يتوجه بها المغرب نحو هذه القارة ومناطق التوتر بها. الدبلوماسية المغربية هذه السنة عززت من حضورها الوازن في محيطها وفي مختلف المحطات التي شهدها العالم، كانت حاضرة في السلم وفاعلة وقت الأزمات والحروب لصناعة السلام، وهي دبلوماسية حدد رؤيتها عاهل البلاد وقادها بشكل شخصي نحو تحقيق المزيد من المكاسب لصالح المغرب وتموقعه من خلال ما احتضنه من مؤتمرات وما قام به من مبادرات أشرفت عليها الخارجية المغربية من أجل تنفيذ الرؤية الملكية في هذا المجال، وبذلك تكون الدبلوماسية المغربية قطب رحى المغرب لسنة 2023.