قدر المغرب أن يرتبط مصيره بالبحر والصحراء، بالأطلسي والمتوسط والصحراء، ولعل أهم ما فعله محمد السادس بتاريخنا وجغرافيتنا هي أن عمل على الخروج من قدره هذا الذي يجعله شبه جزيرة، حدودها الشرقية دوما متوترة، وشماله مرتبط بمواقف الآخر الشمالي الأوربي، والأطلسي مظلم وصعب والصحراء موضع نزاع مفتعل.حررنا محمد السادس من هذا الشعور وفتح الطريق أمامنا نحو العالم.. وقد كان للصحراء دور في تقوية هوية المغرب الأطلسية. حيث أعلى من الربط بين استرجاع الصحراء والتوجهات الأفرو أطلسية للمملكة وتقوية هذا البعد عموما.. والثابت أن الهوية الأطلسية للمغرب، اكتست مع استكمال وحدتنا الترابية طابعا عمليا ملموسا وديناميا يتطور باستمرار ، بحيث صارت الصحراء منصة جيواقتصادية وجيوسياسية في ملكية القارة والأشقاء لخدمة المستقبل. لم يقتصر الأمر على عرض فلسفي أو تبشيري، مهما كان مشروعا وشرعيا يظل بعيدا عن الواقع، بل نحن أمام مشروع بآليات تنفيذ وبوسائل تحقق وإنجاز قائمة. نحن نتكلم أولا عن هذا البعد، بأرقام كبيرة، اقتصاديا وجيوسياسيا ولنا فيه تموقع كبير. الفضاء الأطلسي، بما هو مجال يضم الساحل الإفريقي، ثم الساحل الأمريكو اللاتيني، وغرب أوروبا ولاسيما البرتغال وإسبانيا والساحل الأمريكي الشمالي (الولاياتالمتحدةوكندا)، هو فضاء يشكل اليوم احتياطيا كبيرا للتعاون الدولي وتوازن القارات، بما أنه يمثل نسبة مهمة تقارب 60 % من الناتج الداخلي الخام عالميا، وهو الكفة الاخرى من ميزان العلاقات الدولية مقابل الفضاء «هندي – آسيوي» غير أن هذا البعد لا تساهم فيه إفريقيا سوى ب 9 %، و من هنا أهمية دعوة المغرب لإفريقيا للانخراط في هذا الفضاء. المغرب يملك الموقع الأكثر أهمية بما هو ملتقى فضاءين بحريين أورومتوسطي وأفروأطلسي. وله شراكات مع الفاعلين المؤثرين في هذا الفضاء، سواء أمريكا أو كندا.. علاقات متميزة مع الفاعلين الرئيسيين في الفضاء الأمريكو لاتيني.. وللمغرب علاقات متقدمة للغاية مع دول إفريقيا الغربية.. كما أن المغرب اليوم يمتلك قدرة خاصة للاستثمار في الشراكات الاستراتيجية الدولية، والواجهة موضوع الخطاب اليوم تنضاف الى هذا السجل الدولي والقاري، الذي ضم في السابق العودة إلى الاتحاد الافريقي والوضع المحتدم مع الحلف الأطلسي والشراكات المتعددة الأطراف. انتماء المغرب أيضا للدول الإفريقية ذات الواجهة الأطلسية، وتمثل 46 % من ساكنة القارة 55 % من الناتج الداخلي الخام و57 % من التبادل التجاري في القارة.. هناك الآلية السياسية من خلال ما ذكره جلالة الملك عن مسلسل دول إفريقيا الأطلسية، وهو المسلسل الذي يضم اليوم 23 دولة، انطلق تفعيله من الرباط في 2021 و2022 على أساس هيكلة البعد الأطلسي لهذه الدولة، من خلال حوار سياسي أمني، وتدعيم الاقتصاد الأزرق وتقوية الطاقات البديلة. وهناك التعاون المتعدد الأطراف، مع دول غرب إفريقيا. والمنطقة المعنية تضم العديد من الاقتصاديات القوية والصاعدة.. وعليه لا بد من تنسيب الأشياء، حيث وجب القول أولا إن الواجهة الأطلسية لإفريقيا فضاء جيوسياسي في طور البناء، ويعمل المغرب من أجل أن يتم دمج وانصهار رهانات دول المنطقة فيها، وهو عمل من أجل تمكين هذه الدول من تحقيق هوية استراتيجية أفرو أطلسية. ومأسسة العمل فيها عبر مجموعة الدول التي دخلت منتدى مسلسل الأفرو أطلسي والتي اجتمعت في المغرب لتنشيط هذا المسلسل وهي.. 23 دولة! اليوم يمكن القول إن الفضاء البحري هو استراتيجي بحد ذاته، ويمكن أن يزيد من قوة المغرب ويرفع من مميزات هذه القوة. وما شاهدناه هو إعلان الملك عن طموح وطني بحري لتثمين هذا المكتسب الطبيعي الأفرو أطسي.. والآلية الاقتصادية التي يضعها المغرب رهن إشارة القارة للوصول الى هذا المبتغى مرجعها أولا ما تحقق في المغرب، فبلادنا لا تقدم عرضا لقارة بدون أن تكون قد نجحت في بناء مقومات النجاح الخاص بها في هذه الأقاليم :نحن نعرض «إقليما قاريا« بلغت نسبة نجاح نموذجه التنموي منذ سنة 80 % ويكون قد اكتمل أو يوشك هذه السنة، كما أن المغرب يقدم عرضا مرقما وملموسا من خلال تحديد الأهداف التنموية المشتركة، والاستقرار والاندماج (دول الساحل) ويعمل على تأهيل مقومات الاقتصاد الأزرق، ونعني بها الصيد البحري والسياحة ونشاط الموانئ. ومن هنا تتأتى الدعوة إلى خلق أسطول بحري قوي هو. في حد ذاته من مقومات أذرع هذا الاقتصاد الأزرق .ومن خلال نموذج الأنبوب الرابط بين المغرب ونيجيريا كدليل على قدرة المغرب على اقتسام المستقبل الممكن بين 14 دولة…. للمغرب أيضا استراتيجيته الوطنية، إذ لا ينطلق من فراغ، بل يمتلك الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأزرق المستدام والمندمج، وهو ما يعني تملكه لهذا البعد في بناء اقتصاده، وبالتالي تعميم تجربته على الدول التي تتعامل معه مستقبلا.. إن البعد الأكبر للدعوة الملكية يتجلى في توجهه إلى دول الساحل المنقطعة الصلة عن البحر، ومن أجل خلق التشبيك عبره، ومن هنا فإن الثلاثية المفروضة على هذه الدول: إرهاب، انقلاب وضعف التنمية، لن تحلها سوى ثلاثة أخرى: التنمية المشتركة المستدامة والاستقرار. والاندماج عبر مبادرة دولية لتحقيق الانتقال الخاص بدول الساحل..