قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إن منطقة إفريقيا الأطلسية تعد محط أطماع وتنافس، وتواجه تحديات أمنية غير مسبوقة، بفعل تصاعد التهديدات غير المتكافئة والجريمة العابرة للحدود وانعدام الأمن البحري والقرصنة والإرهاب والجريمة المنظمة. وأوضح الوزير أن ما يقرب من 90 في المائة من الحوادث البحرية، ومن بينها القرصنة، تم تسجيلها على طول الواجهة الأطلسية للقارة، مضيفا أن "قارتنا التي تعاني من 48 في المائة من الضحايا بسبب الإرهاب في العالم ترى التهديد الإرهابي يستقر على طول السواحل الأطلسية". جاء ذلك في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري الأول لدول إفريقيا الأطلسية، اليوم الأربعاء بالرباط، بمشاركة 21 بلدا مطلا على الواجهة الأطلسية، من بينها 15 بلدا ممثلا على المستوى الوزاري. وأشار بوريطة إلى أن الجريمة العابرة للحدود هي سبب ونتيجة في الآن نفسه لضعف الشبكة الأمنية، وضعف حضور الدولة، والتسلل عبر الحدود وعدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي. وسجل بوريطة أن منطقة إفريقيا الأطلسية تحطم الأرقام القياسية في ما يتعلق بقابلية التأثر بتغير المناخ، مضيفا أن "إضفاء الطابع الساحلي على أنشطتنا يؤدي إلى تفاقم المشكلات البيئية، مع عواقب وخيمة على الأمن الغذائي وحالات النزوح مع ما يقرب من 1.4 مليون نازح داخليا مسجلين في منطقة غرب إفريقيا لوحدها". ويرى بوريطة أن "الاحتباس الحراري يؤدي إلى ارتفاع سنوي في منسوب المياه الإفريقية الأطلسية بما يقرب من 3,6 ملمترات، مما يؤثر بشكل مباشر على الأنشطة الاقتصادية والحياة الساحلية". ولفت إلى أن تطوير نظام إنذار مناخي مبكر سيمكن، وفقا لصندوق النقد الدولي، من تقليل المخاطر ذات الصلة بالغذاء بنسبة 30 في المائة في القارة، ولا سيما على مستوى الساحل الأطلسي، معتبرا أن تحديات التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة والتنمية بشكل عام، تنضاف إلى التحديات السابقة. وبحسب الوزير فإن الدول الإفريقية الأطلسية لا تتلقى سوى 4 في المائة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو الفضاء الأطلسي، مقابل 74 في المائة بالنسبة لدول الضفة الشمالية، وذلك على الرغم من الإمكانات الاقتصادية المتنامية لإفريقيا الأطلسية. وأعرب الوزير عن أسفه قائلا: "نحن نحكم على أنفسنا بعدم جني إمكانات فضائنا، إذا لم نقم بتعبئة إمكاناته للتعاون. لأنه لا يكفي أن يكون الأطلسي القاسم المشترك. يتعلق الأمر أيضا بتقاسم منظور ورؤية وأفعال". وشدد على أن هذا الفضاء يجب أن يكون جيوسياسيا، وأن تكون لديه هوية استراتيجية وأن يعمل بشكل جماعي، من أجل الاستجابة لمتطلبات الأمن والتنمية المستدامة والازدهار في هذه المنطقة. "لدينا كل شيء" ويرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن إفريقيا الأطلسية لديها كل شيء تقريبا لتكون منطقة سلام واستقرار وازدهار مشترك، مضيفا: "على الأقل لديها الإمكانات لتحقيق ذلك". وأشار بوريطة إلى أن الملك محمد السادس دعا منذ سنة 2013، إلى "تفعيل أنشطة مؤتمر الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي وتمكينه من القيام بدوره كاملا". وأبرز أن "المسلسل الذي رأى النور بالرباط سنة 2009، يولد من جديد اليوم، وفق منظور جديد، لكن بنفس الأفق الذي نتقاسمه، من كاب سبارطيل إلى رأس الرجاء الصالح"، مشددا على الأهمية الاستراتيجية الراسخة لهذا الفضاء. وسجل بوريطة أن الدول الإفريقية ال23 المطلة على المحيط الأطلسي تمثل 46 في المائة من سكان إفريقيا، مشيرا إلى أن هذا الفضاء يتركز فيه 55 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإفريقي، واقتصاداته تحقق 57 في المائة من التجارة القارية. واعتبر بوريطة هذا الفضاء بمثابة منطقة نشيطة ومكان تلتقي فيه الثقافات والأعراق، مشددا على أن "مجالاتنا البحرية تزخر بموارد هائلة، بيولوجية وغير بيولوجية". وفي هذا الصدد، دعا بوريطة إلى هيكلة الفضاء الإفريقي الأطلسي، مؤكدا على أن الإعلان الذي سيتم اعتماده في ختام أشغال الاجتماع الوزاري الأول لدول إفريقيا الأطلسية "يؤسس للمسلسل (الأفرو – أطلسي) للرباط"، عاصمة الثقافة الإفريقية هذه السنة، والعاصمة الأطلسية أيضا. وتابع قوله إن هذا الإعلان "يكرس رؤيتنا ويتيح مأسسة مقاربتنا ويهيكل فضاءنا. فهو، في الواقع، موجه نحو إعطاء زخم للتنسيق بشأن مجموعة من المواضيع الاستراتيجية والقطاعات المهيكلة، ويؤسس لثلاث مجموعات موضوعاتية، مكلفة بالحوار السياسي والأمن، الاقتصاد الأزرق والربط البحري والطاقة، وأخيرا التنمية المستدامة والبيئة". ولفت إلى أن هذا الإعلان "يعطي دينامية جديدة للأمانة الدائمة للمؤتمر، التي يوجد مقرها بالرباط"، مضيفا أن "هذه المبادرة لا تسعى بأي حال من الأحوال إلى منافسة منظمات إقليمية أخرى أو تكتلات إفريقية أطلسية". وشدد على أنه "نريد أن يُنظر إليه مثلما هو في الواقع، أي كدينامية شاملة من أجل مسلسل حكامة سياسية لفضائنا الأطلسي المشترك، بمفهومها الواسع"، مبرزا أن هذا الطموح لا يتمثل فقط في إعادة تفعيل آليات الماضي، بل تجاوزها". وأردف بالقول: "فطموح مسلسل الرباط هو تمكين إفريقيا من الإمساك بزمام الأمور على صعيد الأطلسي، وصياغة مواقف مشتركة، وعلى المدى الطويل، تحقيق الارتباط مع بلدان الضفة الأخرى الجنوبية للمحيط الأطلسي وأمريكا اللاتينية". وأضاف بوريطة أن "رؤيتنا تتمثل في الاعتراف بأن الرهان هو ألا نكون بلدانا مطلة على الأطلسي وتدير ظهرها عليه"، موضحا أن "المحيط الأطلسي ليس مجرد حد ومصدرا للتحديات؛ بل هو أيضا ثقافة ووعي وهوية بحرية". ودعا الوزير في هذا السياق، إلى "نشر روح الأطلسي لدى إداراتنا القطاعية والفاعلين الاقتصاديين والمجتمعات، وتحويل هذا الفضاء إلى قطب استراتيجي واقتصادي، ومنطقة ترابط وتعاون واتحاد". وقال: "إذا كان المحيط الأطلسي يجمعنا من الخارج، فليكن أيضا أمرا يوحدنا من الداخل"، مضيفا أنه "في 8 يونيو من كل سنة، سيكون لدينا حدثان نحتفل بهما: الأول يتمثل في اليوم العالمي للمحيطات، والثاني هو إعطاء دينامية للمسلسل الإفريقي الأطلسي للرباط ". يشار إلى أن هذا الاجتماع الوزاري الذي تتمحور أشغاله حول 3 مواضيع تتعلق ب"الحوار السياسي والأمن والسلامة"، و"الاقتصاد الأزرق والربط"، و"البيئة والطاقة"، يشكل مناسبة لبلورة رؤية إفريقية مشتركة حول هذا الفضاء الحيوي، والنهوض بهوية أطلسية إفريقية، والدفاع بصوت واحد عن المصالح الاستراتيجية للقارة.