يظهر المعدن النفيس في الأوقات العصيبة، وتتلألأ بلوراته بمشاعر الإنسانية الطافحة، لتقاوم ظلاما، خيم على الواقع، وألقى بكآبته عليه. أشرقت الإنسانية في أجلى صورة لها، ونشرت نورها في كل ربوع الوطن، لترسم بمداد ذهبي ملحمة شعبٍ عظيم راقٍ، أعطى درسا بليغا في التضامن، وخاطب العالَمَ بلغة المشاعر الإنسانية المتدفقة، وعلَّمَهُ مالم يكن يعلم، علمه أن الغلبة ليست في الغنى، وليست في امتلاك السلطة والجاه، وليست، ولن تكون، في التناحر من أجل منصب، أو للظفر بثروة مادية، علمه أن الانتصار الإنساني الأعظم تخطه قلوب مشبعة بالقناعة، تُؤْثِرُ على نفوسها، ولو كان بها خصاصة، وتهرع باسطة يدها بما لديها، مراهنة على رؤية بسمة وإدخال فرح مفقود على إخوتها في الوطن. شعب عظيم حقا، رغم عَوَزِهِ وحاجته، ورغم ما فعلته به السنون العجاف، وما قاساه من لهيب الأسعار، رغم كل ذلك، أخذ المبادرة، وسَيَّرَ القوافل تجاه المناطق المنكوبة، دون أن يُجْبِرَهُ أحدٌ على ذلك، وهي مناسبة تحتاج منا إلى التأمل الطويل وأخذ العبر والدروس، ومراجعة قاموس القدح والتنقيص الصادر في حقه عن بعض سياسيينا، سامحهم الله، لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بالكرامة التي جسدوها في هذه المحنة أحسن تجسيد. هذه المبادرات الإنسانية الرائعة في كل المدن المغربية صفعة قاسية لكل من يفتح بطنه للمال الحرام، وأظن جازما أن الذي مازال يفكر كيف ينهب المال العام ومال الشعب، بعد هذا الدرس الرائع، أظنه مفلسا، فاقدا بالكامل للحس الإنساني، وأنصحه، نصيحة الأخ لأخيه، بأن يبحث لنفسه عن قلب، فإنه لا قلب له، وأن يشق جيبه ويلطم خده، ويبكي بكاء مريرا، حدادا على موته المعنوي. تتطلب، هذه الهَبَّة الإنسانية الشعبية، من الحكومة أن تراجع أوراقها مراجعة شاملة، وأن تصل الليل بالنهار، لتكفر عن إخفاقاتها السابقة، وترد تحية الشعب بأحسن منها، والمجال واسع أمامها، لتحقق المبتغى، وتكون في الموعد. هو درس لنا جميعا، لندرك أن البقاء للنقاء، وأن الأوساخ والأدران مهما شكلت من طبقات سميكة، مصيرها الزوال.