في منجزه الصادر حديثا، عن «عبور» الثقافية للنشر، يطالع الشاعر المغربي هشام استيتو، القراء بفسيفساء شعرية تعكس عمق المصالحات على تنوع عناوينها. تصالح مع الذات يثبت نضج التجربة، والوعي الوجودي والإنساني لدى هذا المبدع، فقد صور هذا الدال في أكثر من مشهد في سياق هذه الشعرية، ومنحه الحظ الأوفر من إيقاعات التغنّي بالحياة ، حفاوة بالعنصر الطبيعي، وقد جسّدت العتبة هذا الغرض العام والشامل، فكيف للزهرة أن تتوجع وتتألم، ويُجري عليها الشاعر، أو يُسقط على نحو أدقّ، هواجسه ويُغرقها بأسئلة فلسفية نابعة من صميمه؟ آلام زهرة الغازانيا… يقول في نص « ترانيم»: {ظل المسافة لا يغوي بهجة الروح كي تجالس روحها، ولا نبض الهمس يرتّبُ الحانة ترانيم بوح إيقاع سمر صدى جمر لوعة.. روعة}(1). من هنا غائية هذا الإبداع، الذي بواسطته وعن طريقه تختلق مسافة في الروح، تغذي البصيرة وتنعش وازع التصالحات. فبهجة الروح في المكابدة| اللوعة، التي يتم تصريفها عبر الفعل الإبداعي المغبون والصادق، ما في ذلك شك. تصالح مع الآخر، بحيث تحكم الشاعر خلفية المشترك الإنساني، فهو ينبذ أي نزوع فرداني مكرّس للحضور السّلبي والمرضي، والذي قد يضرّ بالذات قيبل أن ينتقل إلى من وما يحيط بها. يقول: { سقي الأنام ارتواء الشجر.. والنهر دافق يسري والعنادل من تلك الربى والحمام بين الدروب، ثم ترى أحلاما يُبصرها الصفي النقي الدائم الفرح.}(2). على هذه الشاكلة، تبرز روح الإيثار، منذ الوهلة الأولى، تمثلها عقلية شاعر ناضج، واع باللعبة الوجودية المفخخة بالألغاز، والباعثة على الحيرة. تتشكل الرؤيا أو البصيرة، أفقا لسريان هذه الروح المحبة والعاشقة والمتسامحة والمتعايشة، والمتشرّبة لأجل المناقب: الصفاء، النقاء، أبدية المرح. ثم التصالح مع العنصر الطبيعي، باعتبار هذه البنية لغويا واستعاريا ومجازيا، بيت القصيد هنا، وإن تولّدت ذائبة في بقية التيمات. يقول: { هل الغازانيا مجرد زهرة تائهة كعالم في غابة وديعة؟ هل سيجت حديقة البيت قبل أن تنام في حضن آلهة الملح؟ هل جاءت إلينا بغيم قاحل بلاودق؟ أم أنها كل ما تركنا وللأسير واسع النظر؟}(3). قفلة تفيد إلى أي مدى، استطاعت الذات الشاعر الانخراط في ما يحيط بها، المكون الطبيعي، كي تُفلح في أنسنته، فقيميا، لا شيء يدل الحرية، حرية الإنسان والتي هي من حرية باقي الكائنات وعناصر الطبيعة. إنه همّ شعري كبير، حقيق بمثل هذا السيل الجارف من الأسئلة الاستفزازية والاستنكارية، نكاية في بعدنا عن البؤرة الإنسانية، المغذية لنظير هذه المفاهيم الراعية لخلفية التصالح، في كليتها، والتي أبى الشاعر المغربي هشام استيتو إلاّ أن يجوّد آليات الاشتغال عليها، كي يضعنا في حالة بسيكولوجية نازفة لآلام المُعطى الطبيعي الذي يتأثر بنا تماما كمثل تأثرنا به. الجدير بالذكر أن هذا العمل طبعته النور، من قلب مدينة أوطاط الحاج، وصمم غلافه، الشاعر والفنان نور الدين الوادي. هامش: (1)نص» ترانيم»، صفحة 73. (2)نص» طوفان»، صفحة 49. (3)نص «في الحديقة»، صفحة 6.