ظهرت في الأسابيع الأخيرة مبادرات قام بها منتخبون ونواب، وكذلك أحزاب سياسية، أهمها مبادرة «حزب الجمهوريين» المعارض من خلال زيارة زعيمه إيريك سيوتي، رئيس حزب الجمهوريين الفرنسي، ورشيدة داتي، وزيرة العدل السابقة والشخصية البارزة باليمين الفرنسي. وأكد الفاعلان الحزبيان أثناء زيارتهما للمغرب في حوار نشرته صحيفة «تيل كيل» الأسبوعية، أن هذا الحزب السياسي الفرنسي الكبير «يتبنى حل الحكم الذاتي» الذي اقترحته المملكة والذي تسانده العديد من البلدان الأوروبية.
يبدو أن خريف العلاقات المغربية الفرنسية بدأ يطول. فالمتفائلون يعتبرون أن نهايته اقتربت، وأن مبادرات بعض الأحزاب، خاصة «حزب الجمهوريون» المعارض ستؤتي أكلها في القريب العاجل. بينما يعتبر المتشائمون أن خريف هذه العلاقات سوف يستمر حتى نهاية عهدة الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي سقط بشكل مدوي في متاهات الاختيار في العلاقات بين الرباط والجزائر. ذلك أنه عوض أن يعزز تحالفه مع أحد البلدين على الأقل، فقد الاثنين معا، وفشل رهانه في ربح العاصمتين. لقد لعبت الأحزاب وشخصيات المجتمع المدني دورا كبيرا في تعزيز العلاقات بين العاصمتين، وفي تجاوز بعض السحب التي تمر منها أحيانا العلاقات بين الرباطوباريس. غير أن الأحزاب الكلاسيكية فقدت هذا الدور منذ وصول إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه، إذ رغم احتفاظه ببعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الأحزاب التاريخية، فإن تأثيرهم لم يكن كافيا من أجل ترميم العلاقات بين باريسوالرباط، والتي كانت في بداية عهد ماكرون طبيعية ويغلب عليها طابع الاستمرارية قبل ان تدخل مسار التوتر وسوء الفهم الذي يعتبر الأطول من نوعه في فترة الجمهورية الخامسة. في الأسابيع الأخيرة، ظهرت مبادرات قام بها منتخبون ونواب، وكذلك أحزاب سياسية، أهمها مبادرة «حزب الجمهوريين» المعارض من خلال زيارة زعيمه إيريك سيوتي، رئيس حزب الجمهوريين الفرنسي، ورشيدة داتي، وزيرة العدل السابقة والشخصية البارزة باليمين الفرنسي. وأكد الفاعلان الحزبيان أثناء زيارتهما للمغرب في حوار نشرته صحيفة «تيل كيل» الأسبوعية، أن هذا الحزب السياسي الفرنسي الكبير «يتبنى حل الحكم الذاتي» الذي اقترحته المملكة والذي تسانده العديد من البلدان الأوروبية. وطالب سيوتي في تصريح للصحافة المغربية بعد زيارته للمغرب ولقائه بعدد من المسؤولين السياسيين أبرزهم الوزير الأول عزيز اخنوش بتصحيح الأخطاء المرتكبة وغياب التقدير تجاه المغرب، مبرزا أن الروابط التي تجمع المغرب وفرنسا «قوية جدا». هذا التصريح هو لأحد أبرز قادة المعارضة الفرنسية حول الأخطاء المتركبة وغياب التقدير، وهو ما يعكس مدى عمق الأزمة وعدم قدرة المسؤولين الحاليين بفرنسا على تجاوزها. بيان الحزب الجمهوري الذي صدر قبل الزيارة الرسمية لقادة الحزب ما بين 3 و4 من ماي الماضي يحمل العديد من الدلالات حول عمق هذه العلاقات يقول البيان في أحد فقراته «الزيارة تندرج في إطار استمرارية العلاقات التاريخية التي تجمع المملكة المغربية والعائلة الديغولية والروابط التي جمعت الملك الراحل محمد الخامس والجنرال دوغول، رفيق التحرير». كما تهدف إلى مواكبة «علاقة الأخوة والمسؤولية «بين الجمهوريون والمملكة، والاهتمام المشترك بضمان استقرار منطقة البحر المتوسط.» بيان حزب الجمهوريين يعتبر استمرارا لعمل العائلة السياسية الدوغولية، إذ ذكر بالعلاقات الخاصة بين البلدين، والتي بنيت مند إنهاء عقد الحماية في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، والتي لم تشهد انحدارا وتراجعا مثل ما يقع اليوم، حتى في أكبر الازمات التي عاشتها العلاقات بين البلدين، في عهد الرئيس فرنسوا ميتران بسبب تدخل زوجة الرئيس الراحل في قضايا الوحدة الترابية للملكة. إن البيان الذي صدر عن حزب الجمهوريين عنوان بارز على تميز علاقات المملكة بالأحزاب الكلاسيكية والتاريخية للجمهورية، وهي علاقات تعاني اليوم من التحول في المشهد السياسي الفرنسي. إلى جانب ذلك، زار وفد من لجنة الصداقة المغربية الفرنسية بمجلس الشيوخ، والتي يترأسها كريستيون كومبو، المغرب في نهاية شهر ماي بدعوة من نظيره المغربي محمد زيدوح. وعبر السيناتور الفرنسي لنظرائه المغاربة عن رغبته في تطور الموقف الفرنسي في قضية الوحدة الترابية للمغرب، وفي مساندة المبادرة المغربية في هذا المجال. حيث أصدر الجانبان بيانا في نهاية الزيارة من أجل إعادة الدفء الى العلاقة بين العاصمتين. وحسب الإعلام في الضفتين، فإن ما عقد العلاقات بين البلدين هو الموقف الغامض لقصر الإليزيه من القضية الوطنية في ظل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وكذلك التسريبات التي تمت حول قضية بيغاسوس واتهام المملكة بالتجسس على الرئيس والنخبة الفرنسية، وهو ما تم نفيه بشدة، خاصة أن الرباط لا تتوفر رسميا على هذا التطبيق. هذا فضلا عن استعمال ورقة التأشيرة من طرف الحكومة الفرنسية كوسيلة ضغط على النخبة الفرنكوفونية المرتبطة بفرنسا، وهو إجراء زاد من تأزيم العلاقات، ومن المس بالصورة الإيجابية التي كانت لفرنسا بالمغرب. فرنسا انتبهت لهذه الوضعية، وأرسلت وزيرة الخارجية كاترين كولونا إلى الرباط في شهر ديسمبر الماضي، وعينت سفيرا جديدا، وأعلنت نهاية سياسة التضييق في التأشيرات على المغاربة الذين يزورن فرنسا للعمل أو السياحة. لكن هذه الخطوات لم تكن كافية بالنسبة للرباط التي كانت تريد وضوحا أكبر لقصر الإليزيه حول القضية الأولى للمغاربة، وهو ما عبر عنه المغرب من خلال ترك منصف السفير شاغرا بباريس بعد تعيين السفير السابق محمد بنشعبون في منصب آخر. حيث أصبح الخلاف بين الطرفين أكثر بروزا بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن «علاقات شخصية وودية « مع العاهل المغربي محمد السادس، وهو ما تم الرد عليه عبر وسائل الإعلام، وبسرعة، خاصة أن العلاقات بين البلدين « ليست جيدة، وليست ودية سواء بين الحكومتين أو بين القصر الملكي وقصر الإليزيه.» هذا البيان أخرج هذه الأزمة من الصمت الى العلن، خاصة أن الرباط لم تخف امتعاضها الكبير من الحملة التي قادها البرلمان الأوربي ضد المغرب، والتي لعب فيها المقربون من الرئيس الفرنسي، دورا أساسيا حسب الرباط، وتوجيه اتهامات للمغرب في قضية «قطر غيت» وفي التجسس على القادة الأوربيين. المؤسسة التشريعية المغربية دخلت على الخط فيما يخص الازمة بين البلدين، حيث جاء في البيان الذي وقعه رئيس مجلس النواب ومجلس المستشارين الذي عبر فيه « عن خيبة أمله إزاء الموقف السلبي والدور غير البناء الذي لعبته خلال المناقشات في البرلمان الأوربي والمشاورات بشأن التوصية المعادية لبلادنا، بعض المجموعات السياسية المنتمية لبلد يعتبر شريكا تاريخيا للمغرب.» وهي إشارة واضحة للدور الذي لعبه حزب الرئيس في هذا القرار، حسب مصادر الرباط. وقد ترتب عن كل ذلك، إلغاء العديد من الزيارات الرسمية المعتادة بين أعضاء الحكومتين، مما جعل الأزمة الصامتة بين باريسوالرباط تصبح علنية، حيث دخلت على الخط المؤسسات التشريعية بالبلدين، سواء من خلال البيان الذي أصدرته المؤسسة التشريعية المغربية ضد البرلمان الأوربي الذي تدخل في السيادة المغربية. كما أشار البيان أيضا إلى الدور السلبي والعدائي لبعض النواب الفرنسيين المقربين من الحزب الحاكم، إضافة إلى الأسئلة الشفوية التي طرحت على الجمعية الوطنية من طرف المعارضة اليمينية إلى وزيرة الشؤون الخارجية كاترين كولونا، حيث تساءل أحد البرلمانيين من المعارضة هنري ديمون « لماذا تسعى السياسة التي تتبعها فرنسا بشكل ممنهج إلى نسف عقود من الصداقة مع المغرب؟ وأضاف النائب أن الازمة بين العاصمتين لم تعد شائعة تروجها بعض الصحف وهو ما يتطلب نزع التصعيد». كل هذه الممارسات الاستفزازية تثبت أن عمل الأحزاب السياسية في البلدين من أجل حلحلة هذه العلاقات المتوتر لم يعد كالمعتاد، إذ تراجعت الديبلوماسية البرلمانية بسبب التعنت الفرنسي الممنهج. فقد كان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مثلا، يلعب دورا حاسما في رأب الصدوع، سواء من خلال علاقته بالحزب الاشتراكي الفرنسي أو من خلال الأممية الاشتراكي، لكن الحزب الاشتراكي الفرنسي يوجد اليوم في المعارضة، ولم تعد له نفس القوة والتأثير حتى داخل المعارضة الفرنسية حيث تقلص عدد نوابه بشكل كبير جدا، وأصبح حزب فرنسا الأبية، وهو يساري راديكالي أكثر قوة في التحالف الذي يشكله اليسار بالبرلمان الفرنسي. حزب الرئيس إيمانويل ماكرون «النهضة»، وهو دو توجه ليبيرالي يميني لم يقم بخطوات إيجابية تجاه نظرائه من الأحزاب المغربية عدا خطواته في التعبئة بالبرلمان الأوربي، من أجل الضغط على الرباط وهو السلوك الذي اعتبر عدائيا من بلد كان يعتبر إلى عهد قريب جدا صديقا تاريخيا.