البطولة... "ريمونتادا" الرجاء البيضاوي أمام اتحاد تواركة تقوده لتحقيق الانتصار الخامس له هذا الموسم    نهضة بركان يعزز موقعه في الصدارة على حساب "الكوديم" وكلاسيكو الجيش والوداد ينتهي بالتعادل    لجنة دعم السينما تعلن عن المشاريع المستفيدة من دعم دورة 2024    وزارة السياحة المصرية تنفي تأجير أهرامات الجيزة ل MrBeast    اتهامات لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية    مجلس الحكومة يُقر "سكوت الإدارة"    مصدر ينفي التقسيم الإداري الجديد    محكمة اسبانية تُدين 15 شخصا بعد حادثة هروب من طائرة مغربية    الإفراج عن 4 فرنسيين.. الملك محمد السادس يعزز نجاحات الدبلوماسية المغربية    اختتام الاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيان ببوزنيقة بالتأكيد على استمرار المشاورات    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    سلطنة عمان .. باحثة مغربية من جامعة ابن زهر تفوز بجائزة "أطروحتي في 1000 كلمة"        بوانو: لا يحق لرئيس الحكومة أن يذكر والده داخل البرلمان والكل يعرف كيف صنع آل أخنوش ثروتهم    هذا أول تعليق لنجم المنتخب المغربي أشرف حكيمي بعد خسارته الكرة الذهبية    "شغب الملاعب".. دعوات إلى محاربة العنف بالتثقيف والإعلام وفتح قنوات اتصال مع الأنصار والمحبين    مديرية الضرائب توضح بخصوص الفواتير المتأخرة في الأداء اعتبارا من فاتح دجنبر 2024    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي        اِسْمَايَ الْعَرَبِيَّانِ الْجَرِيحَانِ    «بذور شجرة التين المقدسة» لمحمد رسولوف.. تحفة سينمائية تحط الرحال بمهرجان مراكش    ميرامارْ    الدشيرة الجهادية تحتفي بفن الرباب الأمازيغي        الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات تنظم عملية انتقاء العاملات الفلاحيات للعمل بإسبانيا    ابن كيران يطالب برفع دعم الدولة عن مشروع تحلية مياه البحر بالدار البيضاء الذي فازت به شركة أخنوش    المنتخب المغربي ينهي سنة 2024 في المركز 14 في ترتيب "الفيفا"    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق بوابة الخدمات الرقمية وخدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    إدارة الدفاع الوطني تحذر المغاربة من ثغرات خطيرة تهدد مستخدمي متصفح Google Chrome    ألمانيا تمول السياسة المناخية للمغرب    بوتين: سقوط الأسد ليس هزيمة لروسيا    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    محكمة فرنسية تقضي بسجن بيليكوت 20 عامًا بتهمة اغتصاب زوجته السابقة    بنكيران مخاطبا رئيس الحكومة: 'يا تلعن الشيطان يا تقدم استقالتك'        المغرب – ألمانيا: التوقيع بالرباط على اتفاقية بقيمة 100 مليون أورو لتمويل برنامج دعم السياسات المناخية    بعد تراجع تحصيل تلامذتنا في العلوم.. هل تحدث الصدمة التربوية؟    ماكرون يشكر جلالة الملك على دوره في الإفراج عن 4 فرنسيين محتجزين في بوركينا فاسو    ‮«‬خطوة ‬حقوقية ‬جريئة‮..»‬‬ في ‬مسار ‬تعزيز ‬حقوق ‬الإنسان ‬بالمملكة    غدا ‬تنطلق ‬أشغال ‬المناظرة ‬الوطنية ‬الثانية ‬للجهوية ‬المتقدمة    الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"    في اليوم العالمي للغة الضاد…مقاربة اللغة العربية من زاوية جيو سياسية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تركيا تدعو المجتمع الدولي لإزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب    رامي إمام يطمئن الجمهور عن صحة عادل إمام ويكشف شرطًا لعودة الزعيم إلى الشاشة    كأس الرابطة الانجليزية: ليفربول يواصل الدفاع عن لقبه ويتأهل لنصف النهاية    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة    فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحاكمة العادلة في ضوء المكتسبات والتحديات الراهنة 2/2

وهذه الالية هي تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 120 من الدستور الذي ورد فيه:
«لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول.
وهذه الإرادة السياسية لإعمال المحاكمة العادلة التي ربطتها بتطبيق القانون والقانون وحده بين المتقاضين،أتت في احترام تام لقواعد الدستور الذي جعل من تطبيق القانون والقانون وحده هو المعيار الوحيد لتحقيق المحاكمة العادلة ، لان القانون هو إرادة الامة طبقا للفصل 6 من الدستور الذي ينص على ماي يلي:
«القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات «العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له ،
فإرادة الامة هي التي تقرر من هي الأفعال المجرمة والممنوعة وماهي عقوبتها ، وما هي اجراءات الواجب اتباعها لمحاكمة لمن يخل بإرادة الامة ، وهي التي تقرر كذلك ماهي المعاملات المدنية الصحيحة وما هي غير الصحيحة التي يجب ابطلاها ، وتقرر في إجراءات المحاكمة بشأنها.
أي ان المحاكمة العادلة تتلخص في تطبيق القانون والقانون وحدهسواء في الإجراءات او الاحكام بالإدانة او بالبراءة، او في الإجراءات والاحكام المتعلقة بطلان الحقوق او الالتزامات ،عندما تتخذ في مخالفة للقانون.
وانه بمقاربة ما أتت به الرسالة الملكية ، ومانصت عليه الفصول6 و110 و120 و124 من الدستور يتبين منها انها جاءت في توافق تام مع ما أتى به دليل حقوق الإنسانالخاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسانبالتعاون مع رابطة المحامين الدولية التابعة للأمم المتحدة في 02 يونيو 2003، وعلى الخصوص في فصله السادس ،الذي أكد على ان المحاكمة العادلة تعني أن يطبق القانون بدون تمييزعلى الجميع.
وبالفعل فإنه بالرجوع الى الفصل 6 من ذلك الدليل يتبين منه انه حرم على القاضي استعمال التمييزفي احكامهسواء بناء على العرق او الجنس او الدين او غيرها من الحالات التي تفرق بين الافراد ضدا على ما تجمهم عليه الطبيعة البشرية.
وانه إذا كان القضاء في المغرب ليس معنيا بحالات التمييز المتعلقة بالدين والجنس او غيرها لان احكامه لاتضع تمييزا بين المتقاضين بخصوص الحالات المشار اليها اعلاه ، |لا ان الفصل السادس حرم كذلك على القاضي التمييز في تطبيق القانون.
والمقصود بعدم التمييز في تطبيق القانون هو أن يشعر المتقاضي بان الحكم الذي طبق عليه كان تنفيذا لما ينص عليه القانون ،وهو القانون المذكور فعلا في حيثيات الحكم الذي صدر عليه، والذي يمكنه الاطلاع عليه والتحقق من كون الحكم كان مطبقا للقانون أي عادلا ،لأنه طبق القانون الذي يعلمبه ذلك المواطن ، ولم يفاجأ بصدور الحكم ضده.
كما ان ذلك الحكم هو نفس الحكم الذي صدر ضد غيره او لفائدته ،وهو ما يسميه الفصل 6 من الدليل المذكور أعلاه بالحق في المساواة امام القانون ، والمساواة في المعاملة بموجب القانون ، وعدم التمييز في تطبيق القانون ، أي ما نسميه نحن بوجوب توحيد العمل القضائيفينفس النوازل ،وبالتبع لذلك ضمان إشاعة وحدة القانون المطبق على جميع الافراد.
حقا يمكن القول ان التنظيم القضائي الذي دخل حيز التنفيذ أخيرا ،استحضر مضمون الفصل السادس ووضع آلية للحيلولة دون اصدار احكام مختلفة باختلاف على المتقاضين امام نفس المحكمة ، مع انهم يوجدون في نفس الوضعية ،والزم بان تصدر نفس الاحكام على كل المتقاضين عندما يكونون في نفس الوضعية.
وبالفعل فإن قانون 38 ،15 المتعلق بالتنظيم القضائي أكد على وجوب تطبيق الحق في المساواة امام القانون عندما اعتبر بان التنظيم القضائي في المملكة يتكون من محاكم ،وليس من قضاة ، كما هو واضح من المادة الأول منه التي نصت على:
يشمل التنظيم القضائي:
أولا المحاكم الدرجة الأولى كما نصت المادة 5 من نفس القانون على المبدأ المركزي والأساسي للتنظيم القضائي بالمغرب وهووحدة القضاء ، إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
«يعتمد التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء، وتعتبر محكمة النقض اعلى هيئة قضائية» بالمملكة.
فالمادة 5 المشار اليها أعلاه تتكلم على وحدة القضاء، وليس وحدة القضاة، أي انها تتوجه الى الحكم الذي تصدره المحاكم ، ولا تتوجه الى القاضي ،كما انها تعتبر كجواب على سؤال نية الدولة في احداث محكمة عليا للقضاء الإداري بانه لا رغبة اليوم في انشاء محكمة عليا للقضاء الإداري مستقلة على محكمة لنقض ، وهو ما يعني وجوب توحيد العمل القضائي على كل المتقاضين في المغرب ،بل ذهبت تلك المادة الى حث محكمة النقض بان تعمل على توحيد الاجتهاد فيكل المحاكم على الصعيد الوطني ، وتوحيد الاجتهاد القضائي هو الوسيلة الوحيدة لمنع التمييز في تطبيق القانون وفقا لما ينص على الفصل السادس من الدليل المشار اليه أعلاه، ومن مستجدات ما احدثه التنظيم القضائي هو انهرفع عنمهامالقاضي استقلاليتها عن المحكمة التي يعمل بها ، عندما اخضعهالى سلطة المسؤول القضائي بها، وهو ما يتبين من المادة 7 من قانون 15 ،38 المتعلق بالتنظيم القضائي التي ورد فيها ما يلي:
«تمارس المحاكم مهامها القضائية تحت سلطة المسؤولين القضائيين بها، مع مراعاة مقتضيات «المادة 42 من القانون التنظيمي رقم 13 ،106 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وتمارسمها»الادارية والمالية تحت إشراف المسؤولين القضائيين والاداريين بها، بما يؤمن انتظام واستمرارية «الخدمات التي تقدمها.
«تعقد المحاكم جلساتها بكيفية منتظمةلايجوزبأي حال من الاحوال، الاخلال بالسير العادي «لعمل المحاكم، ويتعين على المسؤولين المعنيين اتخاذ جميع التدابير اللازمة لذلك طبقا للقانون، «بما في ذلك برنامج الرخص الادارية للقضاة والموظفين العاملين بالمحكمة.
فالمادة 7 من التنظيم القضائي جعلتمهام القاضي القضائية،أي الاحكام التي يصدرها، تحت سلطة المسؤول القضائي لمحكمة التي يعمل بها، أي تحت سلطة رئيس المحكمة ،بل ان تلك السلطة تجاوزت مهامه القضائية الى الدخول في حياته الخاصة عندما رخصت لرئيس المحكمة تحديد برنامج رخصته الإدارية، علما ان تلك الرخصة تتداخل بين ماو شخصي وما هو وظيفي، وكان من الاحسن السكوت على هذا التداخل كما هو كان الوضع في السابق وليس تغليب بنص القانون الجانب على آخر.
فالمادة 7 المذكورة تطرح اليوم سؤال حول المفهوم الجديد لاستقلال القاضي، خصوصا:
1 – أنها استعملت نفس الصيغة القانونية المستعملة في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة بخصوص قضاة النيابة العامة،وهي الصيغة المستعملة في المادة 25 منه التي تنص على أن قضاة النيابة العامة يعملون تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين.
2 – ان القانون التنظيم القضائي تداولت فيه المحكمة الدستورية بطلب من رئيس الحكومة السابقة مرة أولى، تم مرة ثانية وبعد ذلك صادقت عليه فيها، بعدما اعتبرت ان بعض مواده مطابقةللدستور، وبعضها ليس فيهما يخالف الدستور.
وعودة لموضع العرض، وإذا كان القاضي أصبح ملزما بتطبيق القانون وحده، فإن سؤالا سيطرح نفسه حول معنى وموقع السلطة التقديرية للقاضي من جهة، ومعنى وموقع الاجتهاد القضائي مع وجود النص من جهة أخرى ، وهو ما سنتناوله في العنوان التالي:
3 – هل تعليل الاحكام متحرر من السلطة التقديرية ومن الاجتهاد في مورد النص.
بالرجوع الى صلب عنوان هذه الندوة نجده يتعلق بالتدارس حول العمل القضائي وضمانات المحاكمةالعادلة، أي موضوع يتوجه الى الاحكام القضائية التي صدرت الى اليوم ،وهل حمت وضمنت المحاكمة العادلة ام لا.
بخصوص السلطة التقديرية فلا خلاف في انها هي ذلك التفاعل د الوجداني للقاضي الذي يختلي فيه لنفسه ،ليتخذ قرار معينا لا يشاركه فيهاحد ولا يهتدي إلا ما انتهت له تأملاته الداخلية ،والتي هي بالضرورة تأملات تختلف باختلاف كل قاضي.
لكن يجب ان لا ننسى بكون القاضي هو انسان قبل ان يكون قاضيا ، وبالتالي فإن تفاعله الوجداني يتغير بتغير المكان والزمان والظروف المحيطة به ،وبتغير القضايا والمتقاضين المعنيين بتلك القضايا ،وبالتالي فإن الاعتماد على السلطة التقديرية سيؤدي الى اصدار احكام تختلف وتتعدد باختلاف وتعدد القضايا والمتقاضين.
وإذا قبلنا بمشروعية اصدار الاحكام بناء على السلطة التقديرية، وليس بناء على القانون،فإننا سنكون في تعارض واضح مع الفصل السادس من دليل حقوق الإنسانالخاص بالقضاة والمدعون العامون والمحامون الذي يمنع على القاضي التمييز في تطبيق القانونعلى المتقاضين.
ذلك ان مبدأ تجريم التمييز في تطبيق القانون يعني ان على القاضي ان يطبق على كل الافراد نفس القانون ،وليس ان يطبق عليهم رأيه الشخصي المستنتج من سلطته التقديرية الذي ستختلف باختلاف المتقاضين والقضايا.
فالفصل السادس ادن لا يترك مجالا للحديث عن أي سلطة تقديرية في اصدار الاحكام القضائية ، ولأنفي اعمال السلطة التقديرية في اصدار الاحكام القضائية، فيه مس بمبدأ المساواة بين المتقاضين امام القانون ، وبالتالي فيه مس بالمحاكمة العادلة.
فالزام القاضي بتطبيق القانون والقانون وحده وهو إلزام نصت عليه الفصول 6 و110 و120 و124 من الدستور، واكدت عليه الرسالة الملكية المشار اليها أعلاه، وهوإلزام بعدم التمييز في تطبيق القانون ،وهو الالزام المنصوص عليه في الفصل السادس من دليل حقوق الإنسانالخاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
فالسلطة التقديرية لايسمح بها للحكم بين الناس، ولا يسمح بها للحكم على الناس ، لأنه سيكون في ذلك تمييز في تطبيق القانون الذي يمنعه الدستور والرسالة الملكية والاتفاقيات الدولية ، لان السلطة التقديرية هي متغيرة بطبيعتها بتغير القاضي وتغير المتقاضي وتغير القضايا.
لكن القانون يسمح للقاضي باستعمال سلطة التقديرية عندما يصدر الحكم لفائدة الناس فقط، أي في المجال الذي يتطلب الحكم تقديرا معينا ،أي في مجال تزاحم وسائل الاثبات المقدمة له ، او مجال تحديد التعويض.
لكن المجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا ومع ذلك لم يتركا يد القاضي مطلقة في اعمالهلسلطته التقديرية حتى في هذا المجال الذي يدخل في اختصاصها، بل ان محكمة النقض وإن اعترفت بالحق في استعمال القاضي لسلطته التقديرية، إلا أنها فرضت عليه والزمته بأن يعلل ما قضى به بناء على سلطته التقديرية،
ومعنى هذا الخلاصة هي ان الحكم بالإدانة من اجل جريمة معينة لابد فيها من الاستناد الى وسائل الاثبات المحددة في القانون، وهي تلك المذكورة في الفصل 404 منظهير الالتزامات والعقود ، يضاف لها وسيلة اثبات جديدة احدثتها مدونة الاسرة وهي الخبرة، والتي نقلتها المدونة من طبيعتها كوسيلة من وسائل تحقيق الدعوى كما هي منصوص عليها في الفصول 55 وما بعده من قانون المسطرة المدنية، الى وسيلة اثبات ،وذلك وفقا لما تنص عليه المادة 153 من مدونة الاسرة، عندما اعتبرتها هذه الأخيرة بكونها وسيلة لإثبات الفراش الذي يثبت به النسب ،ونفس الشيء يهم القاضي الذي يبت في القضايا المدنية.
فوجوب اعتماد وسائل الاثبات القانونية ، وليس السلطة التقديرية،هو الزام منصوص عليه في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية التي لا تعطي للقاضي الحق بان يحكم بالإدانة بناء على سلطته التقديرية، خلافا لما يذهب له البعض، بل تنص على ان الإدانة يجب ان تبنى على وسائل الاثبات أولا، وان تدخل القاضي واستعمالهلسلطته التقديرية محصور فقط في الترجيح بين وسائل الاثبات ان وجدتوعند تزاحمها، إذ تنص الفقرة الأولى من تلك المادة على ما يلي:
«يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة منوسائلا لإثبات، ماعدا في الأحوال التييقضي القانون فيها» بخلاف ذلك، ويحكم القاض يحسب اقتناعها لصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع «القاضي وفقاً للبند 8 من المادة 365 الآتية بعده.
وانه ما يعزز ان القانون لايسمح للقاضي بان يصدر حكمه بالإدانة بناء على سلطته التقديرية ،هو ان القانون يلزم القاضي بالحكم بالبراءة إذا لم تتوفرفي الملف وسيلة من وسائل الاثبات القانونية التي يثبت بها الجرم، وهو ما تنص الفقرة الأخيرة من المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية ، والتي ورد فيها ما يلي:
«إذاارتأتالمحكمةأنالإثباتغيرقائمصرحت بعدمإدانة المتهموحكمتببراءته».
فالسلطة التقديرية التي أعطاها القانون للقاضي تستعمل عند تزاحم وسائل الاثبات مع وسائل النفي ،هنا يتدخل القاضي ليحسم بين وسائل الاثبات ،وليس في غياب وسائل الاثبات المقررة قانونا ، لأنه في هذه الحالة فإن القانون يلزمه بالحكم بالبراءة.
لأن السماح بالاعتماد على السلطة التقديرية فياصدار الاحكام القضائية هو الذي ادى مثلا في قضية كانت منذ سنتين معروضة على المحكمة الجنحية بالدار البيضاء، الى اصدار حكم قضى بنسبة طفل الى امرأة ليس من رحمها، مع ان نظرية الابن للفراش تنطبق على الطفل المولود من رحم الزوجة، ولا تنطبق على الطفل الذي لا علاقة له برحم الزوجة ، لان هذا الحكم بالإضافة إلا انه خرق القانون فإنه خرق آية قرآنية التي تقول بعد باسم لله الرحمان الرحيم: (ادعوهم لآبائهمهو أقسط عند لله…) سورة الأحزاب الآية الخامسة، بينما هذا الحكم نسب الطفل لغير ابويه ،فهو خرق آية قرائية الى جانب خرقه للقانون، وهو الحكم الذي سأعود اليه في تعليق خاص به،. (مراجع الحكم متوفرة).
ونفس التحليل يهم كذلك العمل القضائي والاجتهاد القضائي الذي تكون مهمته ليس في مخالف النص المعلوم من القانون، لان القاضي ليس هو المشرع ومصدر القانون، بل هو مطبق للقانون الذي يصوت عليه السلطة التشريعية بالتساوي بين الناس.
فالاجتهاد القضائي لا يمكنه ان يلغي نصا قانونيا معلوما، ولا ان يصدر حكما يعطي بواسطته حقا لا يوجد نص قانوني يسمح به او يمنعه، او يحرم شخصا من حق يعترف له به القانون، إذ مدار شرعية الحكم القضائي وجودا وانعداما هو في تطبيقه لنص القانون وليس لمخالفته.
فقرار لمحكمة النقض مثلا الذي يعتبر ان تفويت الحق في كراء محل مهني يكون صحيحا بدون ان يستدعى المكرى مالك العقار لحضور مجلس العقد، بينما القانون صريح في انصحة عميلة التفويت لا تتحقق إلا باستدعاء المكري مالك العقار، فهذا القراروإن صدر على محكمة النقض فهو قرار خرق للقانون الجاري به العمل بشكل واضح، (مراجع القرار متوفرة).
وحيث ان ما وقع من ردة الفعل القوية للمجتمع على العقوبة التي حكم بها المتهمين الذي اعتدوا جنسيا على طفلة تيفيلت، هو مراقبة مجتمعية للسلطة القضائية لا تعرف المهادنة، هي ردة فعلا تجاوزت حدود المغرب ووضعت قضاءنا مرة أخرى تحت المجهر، وهو ما نتمنى ان تتكرر.
فالاجتهاد القضائي هو ذلك التدخل الذي يقوم به القاضي للتوفيق بين قاعدتين أو أكثر من قواعد القانونيةالجاري بها العامل عند تزاحمها ،وليس الغاء قواعد قانونية معلومة وواضحة، وليس خلق قاعدة قانونية غير موجودة يعتمد عليها لإعطاء حق لطرف لا يسمح به القانون له.
وكماعبرت على ذلك المحكمة الإدارية بالرباط في احدى احكامها السابقة، عندما فسرت الاجتهاد القضائي بكون هو الحفاظ علىالمراكز القانوني للمتقاضين، وليس تغييرها تلك المراكز القانونية خارج ما ينص عليه القانون، أي عندما لا يوجد نص من القانون يغلب طرف من أطراف الدعوى على الآخر فإن دور الاجتهاد القضائي ان يحافظ للأطراف على مراكزهم القانونية السابقة على عرض النزاع على المحكمة، حتى لا يكون الحكم القضائي سببا في تمكينطرفمن الحصول على حقوق لا يسمح لهالقانون بها، واخدها من أصحابها الذين يعترف لهم بها القانون.
كما ان السلطة التقديرية بدأنا نراها تمارس في بعض قرار النيابة العامة عندما تقرر حفظ بعض الشكاياتبدعوى حقها في إعمال مبدأ الملائمة.
إن مبدأ الملائمة لا اعتراض عليه وهو الية ضرورية لتدبير الدعوى العمومية، لأنها مرصودة لكل الغايات المتعلقة بالنظام العام وبثوابت اللامة المجمع عليهاولما هو مشترك بين افراد المجتمع، وهيآلية معمول بها في الدول التي تعتمد نظامالملاءة في تدبيرالدعوى العمومية، على خلاف الدول الاخرى التي تعتمد على قانونية المتابعة، أي عدم احقية النيابة العامة في حفظ أي شكاية لان قضاة الحكم هم المؤهلون للفصل في شكايات المتقاضين من جهة، واحترام الحق في الولوج للقضاء بالتساوي بين الجميع من جهة اخرى.
فالمواطن والمتقاضي لا يفهم في القضايا التجارية والمدنية، أي في النزاعات الفرديةالتي لا علاقة لها بالنظام العام ولا بالمشترك والمجمع عليه، بان تتابعه هو النيابة العامة بناء على شكاية خصمه، بينما نفس النيابة العامة تحفظ شكايته ضد نفس خصمه وتمنعه من الولوج الى العدالة، (مراجع الملف مةجودة).
ان حفظ الشكاية في النزاعات الفردية يشكل مانعا من الولوج للعدالة الذي هو واجب على الدولة اتجاه المواطن ، وهو حق لهذا الأخير طبقا للفصل 120 من الدستور ، كما ان حفظ الشكاية وهو حلول محل قضاء الحكم في الفصل في النزاعات بين أفراد في قضاياهم الخاصة المدنية منها او التجارية ، كما انه يؤدي الى خرق للفصل السادس من دليل حقوق الإنسانالخاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسانالذي يمنع التمييز بين المواطنين في تطبيق القانون بينهم، كما انه يعتبر خرقا لما ورد في الرسالة الملكية المشار اليها أعلاه.
غير ان هذا لا يعني ان النيابة العامة هي بمثابة إدارة بريد تنقل بشكل اوتوماتيكي كل الشكايات التي تتوصل بها الى الضاء الجالس، بل انها تمارسمهمتها في البحث والتحقق من وجود حد أدنى من الحجج التي تبرر المتابعة التي ستقررها، وهذا من صلب اختصاصها غير المنازع فيه، العمل القضائي والتحديات الراهنية اكيد ان القاضي هو ابن بيئته وابن مجتمعه، وانهإذا كان منعهمن الانتماء الى الأحزاب السياسية مبررا بوجوب احترامه لمبدأ الحياد والاستقلال، فإنه لا شيء يمنعه من متابعة سياسة بلاده الداخلية والخارجية، ويتأثر بها ايجاب وسلبا ، هو في هذه الحالة لا يمس باستقلاله وهو الامر الذي لا مناقشة فيهولا حوله.
وما وقع أخيرا من التشكيك في بعض الاحكام القضائية الصادرة في المغرب خارجيا، وما انتهت له اللجنة المكلفة بإنجاز التقرير حول النموذج التنموي داخليا ، من شأنه ان يحفزنا جميعا لرفع التحدي عن طريق الاستمرار في نهج تطبيق القانون والقانون وحده بالنص على الفصول التي يعتمدها القاضي في إصداره لحكمه بكل وضوح في صلب الحكم، لنتمكن من الرد على كل التحديات التي قد تزداد مستقبلا.
ان بعض الاحكام القضائية التي قد تحيد عن تطبيق القانون تحت حجة السلطة التقديرية لا يمكن باي حال من الأحوال أن تخفي عن انظارنا الاحكام القضائية التي تقدم النموذج الحقيقي في التطبيق العادل للقانون للقضاء المغربي، بما تتضمنه من تحليل وتعليل مستند الى نص القانون، والتي تساهم في تطوير الاجتهادالقضائي وتنميه وتحمي به الحقوق الحريات والاعراض والأموال، وهي احكام متعددة من مختلف المحاكم.
هذه الاحكام القضائية هي التي تعطي السند القوي لبلادنا لنفتخر بها بين باقي الدول ، وتواجه بها خصومنا بكوننا بلد الحق والقانوننظريا وفعليا، ودولة تحترم وتطبق فيها المحاكمة العادلة سواء في المجال المدني او الجنائي.
لقد تألمت كثيرا عندما احضر لي موكل حكما صدر في المغرب وتمت المصادقة عليه وفق الاتفاقيات المبرمة مع الدول المعنية، وعندما أراد تنفيذه في بلد أوروبي رفض هذا البلد تنفيذ ذلك الحكم بدعوى ان هذا البلد الأخير لا يتق في الاحكام القضائية المغربية،
فالتحديات التي تواجه العمل القضائي ترفع وتزول بالضرورة عن طريق تسبيب وتعليل الاحكامبنص القانونبذكر فصوله في صلب الحكم ومنطوقه ،واصدارها وفقا له، علما ان بلدنا تملك ترسانة قانونية لا تسمح بالتهرب من تطبيق القانون ضد كل الاعمال الاجرامية كيف ما كان مرتكبها او الظروف التي ارتكبها فيها او الغرض من ارتكابها ،
ملاحظة:الإشارة الى حالة الطفلة التي تعرضت للاعتداء لم تذكر في الندوة لأنها هي واقعة
لاحقة ، والسلام،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.