ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز ظل المغاربة اليهود ملتزمين بالقوانين الجاري بها العمل والتي تنظم السفر إلى الخارج من خلال الإذن المسبق من السلطان بذلك. وتوضح وثيقة تحمل رقم 3326 عبارة عن جواب العربي بن الطريس على رسالة السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام والمتعلقة بالإذن الشريف للذمي الحزان يوسف المليح بالسفر لبر النصارى لملاقاة شريكه وهي وثيقة مؤرخة في 2 جمادى الأولى 1263/18أبريل 1847. وحتى يطمئن السلطان على أصوله التجارية ورأس ماله المقدمة لهذا التاجر اليهودي، فإن ممثله المخزني العربي بن الطريس طمأنه قائلا: « ولا شك أنه يترك أولاده هنا بداره حتى يرجع بعد قضاء غرضه وما بذمته للجانب العالي بالله حين يعزم على السفر نعمل معه الحساب فيه برسم الإشهاد. وهو الآن على ما ظهر لنا لا شيء بيده وهذا ما وجب به إعلام سيدنا أدام الله علاه والنظر لسيدنا أيده الله.» كما سمح المخزن لليهودي يش بن أفلال بالسفر للخارج بقصد التجارة كما توضح الوثيقة المرقبة ب 3329 مؤرخة في 18 ربيع الثاني 1264/24 مارس 1848. ووهب المخزن لليهود المغاربة المقيمين بالصويرة بغرض التجارة دورا حيث توضح الرسائل الجوابية الصادرة من المركز أن مجموع من الطلبات اليهودية قوبلت بالقبول كما حدث مع الذمي موشي بن مشاش المراكشي الذي طلب من السلطان عبد الرحمان بن هشام دارا ينتفع بها من خلال مراسلته بتاريخ 4 شعبان 1265/25 يونيو 1849. كما ظل ممثلو المخزن يخبرون السلطان بكل صغيرة وكبيرة عن حياة اليهود فقد راسل العربي الطريس السلطان مخبرا إياه بوفاة الذمي التاجر عمران بعد مرضه، ويعد هذا الإخبار أمرا ضروريا لتسوية الحساب بينه باعتباره تاجرا للسلطان تربطهما أصولا تجارية وأحيانا ديون. ومن جهة أخرى لم يمانع المخزن من السماح لليهود المغاربة ببناء حاراتهم بالصويرة. ومن جهة أخرى ظل المخزن حريصا على أمن وسلامة التجار اليهود، فمن خلال الوثيقة التي تحمل رقم 3323 وهي عبارة عن مراسلة صادرة من ممثل السلطان العربي الطريس مؤرخة في 7 ربيع الأول 1263/23 فبراير1847 يؤكد هذا الأخير تعيين مخزني لمراقبة وحراسة دار الذمي المتوفى هارون أفلال حتى تنتقل تركته لورثته بشكل سلسل لايعرض سلعه للتلف ولا يضيع الأصول التجارية للسلطان الذي كانت تربطه معه قروضا. يهود الصويرة خلال فترة حكم السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان ( 1859/1873) حكم السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان خلال فترة عصيبة، فبعد أن كان أبوه على فراش الموت حدث شنآن بين قبائل الأنجرة والاسبان حول مسألة ترسيم الحدود، والجدير بالذكر أن إسبانيا كانت تترصد الفرصة لإعلان حربها الأفريقانية المدعمة من الحكومة الاسبانية ورجال الدين، وقد انهزم المغرب شر هزيمة في حرب تطوان (1859/1860) وفرضت اسبانيا شروطها القاسية مقابل خروجها من تطوان؛ و أخطرها تغريم المغرب 25 مليون ريال مغربي وهو ما أدى إلى إفلاس الدولة وإعلان المغرب إصلاحا ضريبيا فقر البلاد والعباد وقوبل بالرفض من طرف العامة والخاصة سيما أن ذلك تزامن مع فترات الجفاف.كما اضطر المخزن بيع حق جباية الضرائب ( المكوس) للقواد والبشاوات الذين عاثوا فسادا بالبلاد وأهلكوا العباد. فهل تأثر يهود المغرب بهذه الأحداث المدوية والتي قال عنها الناصري " وحرب تطوان هاته هي التي أزالت حجاب الهيبة عن المغرب واستطال بها النصارى بشكل لم يعهد له من قبل ". تورط بعض التجار اليهود في تجارة التهريب (كنتربنض) انتشرت تجارة التهريب خلال فترة حكم هذا السلطان بشكل رهيب وتعاطى اليهود المغاربة لهذا النوع من التجارة (كنتربنض) بشكل سري غير أن المخزن فرض شروطا قاسية لمن تبث تورطه في هذا الفعل الشنيع سواء كان يهوديا أو مسلما. توضح مراسلة تحمل رقم 3333 مؤرخة في 19 محرم 1279/17 يوليوز 1862 كيف أن السلطان وبخ اليهودي ليبي ونهاه عن التعاطي لتجارة التهريب.