نتنياهو يزور المجر رغم مذكرة توقيف    مصرع شخص تحت عجلات قطار أطلس بضواحي مدينة طنجة    تتويج فريق جيل المستقبل بطلاً للدوري الرمضاني لبراعم المدارس الكروية بإقليم الدريوش    وزارة الداخلية تؤكد على الرفع من درجات اليقظة والتعبئة والتأهب لمواجهة كل التحديات المتعلقة بانتشار الجراد    أوراق من برلين .. الحياة اليومية للسجناء في ألمانيا تحت المجهر    سطات تطالب بوقف "حرب الإبادة"    جمعية تطلب مؤازرة مؤسسات رسمية لاستخدام الأمازيغية في القضاء    الرجاء يبلغ ثمن نهائي كأس العرش    دوافع ودلالات صفعة قائد تمارة    السغروشني تكشف دعم "البنود" لإنشاء مركز ثانٍ للذكاء الاصطناعي بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يقدم عوامل موضوعية لتجاهل الوكالة لمطالب الساكنة في بناء وترميم واصلاح البنية التحتية    عميد الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش يؤكد انخراط الكلية في تشجيع الشباب والأطفال على القيم الدينية والثقافية والإستمرارية في دعم مسابقة القرأن الكريم لجمعية نادي إقرأ الثقافي    حبس رئيس جماعة سابق بالبيضاء    30 مارس ذكرى يوم الأرض من أجل أصحاب الأرض    مراهقون خارج السيطرة    انتفاضة جماهيرية بالرباط تنديدا باستئناف العدوان الصهيوني هجماته على غزة    لقجع يحث أشبال الأطلس على تشريف المغرب في نهائيات "الكان"    يقترب الدولي المغربي " إلياس أخوماش " من العودة إلى الملاعب    المعطيات الفلكية ترجّح موعد عيد الفطر لعام 1446 هجرية في المغرب    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    بوصوف: هكذا التف المغاربة حول أمير المؤمنين في ليلة القدر المباركة    المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تعلن عن موعد مراقبة هلال عيد الفطر    في انتظار قبول إسرائيل.. حماس توافق على مقترح هدنة جديد    ارتفاع الدرهم مقابل الدولار والأورو وسط استقرار الاحتياطات وضخ سيولة كبيرة من بنك المغرب    تعزيز التعاون المغربي الفرنسي في التعليم العالي والبحث العلمي شراكة استراتيجية لمستقبل أكاديمي متطور    بريطانيا تؤكد حرية شركاتها في الاستثمار بالصحراء المغربية    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    المغرب يمنع دخول نشطاء إسبان موالين للبوليساريو إلى العيون للمرة الثالثة في شهرين    نقاش "النقد والعين" في طريقة إخراج زكاة الفطر يتجدد بالمغرب    نقابات تطالب بحماية الموظفين خلال عملية توزيع الأعلاف.. وإشادة بمجهودات المديرة الإقليمية لوزارة الفلاحة بطنجة    من سيفطر غدا الاحد … بين الأحد والاثنين.. دول إسلامية تعلن موعد عيد الفطر    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    صحة غزة: إسرائيل قتلت 50 ألفا و277 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر 2023    في الفرق الدلالي والسياقي بين مشهدية الناس ومنظورية العالم    أنبياء على الورق..    بقاء داري يقسم آراء النادي الأهلي    وجدة .. وكالة الحوض المائي لمولوية تعقد اجتماع مجلس إدارتها لسنة 2024    اتحاد جمعيات حماية المستهلكين يناشد الملك توجيه الحكومة لتسقيف الأسعار ومراجعتها    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    على قلق كأن الريح تحتي!    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    رقمنة الإستفادة من تعويضات العلاج ل"CNSS".. هذه هي الخطوات الجديدة التي يجب اتباعها من قبل المؤمن لهم    الطالبي العلمي يرد على بركة: "ليس هناك 18 مستوردا وإنما 100 مستثمر في مجال استيراد الأغنام والمبلغ لا يصل إلى مليار و300 وإنما 300 مليون"    المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة يواصل تحضيراته تأهبا لمواجهة أوغندا    الصين تعتمد مخططا للتحول الرقمي للصناعة الخفيفة    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    معنينو يكشف "وثيقة سرية" عن مخاوف الاستعمار من "وطنيّة محمد الخامس"    الرميد يرد على لشكر: مهاجمة حماس وتجاهل إسرائيل سقوط أخلاقي وتصهين مرفوض    لائحة الشركات التي تقدمت للإستفادة من الدعم المخصص لأضاحي العيد العام الماضي    أوراق من برلين.. أوقات العزلة المعاصرة: اكتشاف الشعور الكوني    ترجمة "نساء الفراولة" إلى العربية    المغرب التطواني يعبر لدور ثمن نهائي كأس العرش    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    العامل المنصوري يبشر بمشروع "مدينة الترفيه والتنشيط" لتطوير إقليم تطوان وخلق فرص للشغل    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهم أولياؤهم الصالحون، ولنا روادُنا الإصلاحيون 2/1

ربما لم يفُت من يتابعون الأخبار الوطنية تصريحٌ لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية جاء فيه أن وزارته تنفق أزيد من 14،6 مليار سنتيم على الأضرحة والزوايا، في إطار هباتٍ تقدمها سنوياً للقائمين عليها من أجل الاعتناء بها وصيانتها والحيلولة دون زوالها، وحسب الوزير دائما، فإن معطيات وزارته تؤكد وجود 5083 ضريحا على تراب المملكة وعدد الزوايا بلغ 1496 زاوية وهو ما مجموعه 6534 وليٍّ صالح من زمن غابر، وهؤلاء شبعوا موتا و لا ترجى بركاتهم. لا يثيرني الرقم في بلد تقاليده من هذه الناحية متوارثة وتحظى أحيانا بتقديس بدَهي دون سؤال، مستمرة كأنها تحصيل حاصل، ويمكن أن يكون أقلّ من الإحصاء المذكور، ولكن الثقافة المحيطة بهذه العناية وأسبابها، والإنفاق الباهظ المخصّص لها من المال العام، وكله على حساب ما ينبغي أن يُنصِفَ الأحياء، سواء في باب العيش أو لحماية الذاكرة.
لا خلاف عندي مع الرّوحي والصوفي والرمزيات الدينية التّعبدية، عامة، وإن كنت لا أميل إليها، عقيدتي أن لا وسيط بين الخالق والمخلوق، أحكّم فيها الآية الكريمة» وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداعي إذا دعان»(البقرة، 168) وللناس بعد ذلك في ما يعشقون مذاهب، على أن ينفقوا علي أهوائهم و» معتقداتهم» من جيوبهم لا من الجيب العام هو مال غير خاص.أنا معنيٌّ بالذاكرة الثقافية، الحيّة لا المصمتة في الأضرحة، المكرِّسة للتواكل وإيمان الخرافة وبعضها يُستخدم شعوذةً سالبةً لإرادة الإنسان، مغيبةً للعقل. طوفوا في طول البلاد وعرضها وتفرّجوا على ما تقدمه مواسمُ بل مهرجانات الاحتفال بالأولياء والصالحين، اؤلئك. لنترك جانباً المظهر الاقتصادي التجاري الموازي لها، وكذلك الاحتفالي كثيرا ما يتحول إلى هرج وتهريج، ويصبح هو الغاية لا المصاحبة؛ لنترك هذا مؤقتا، ونلتفت إلى تكريس تقاليد بدائية وممارسات تعبدية لها منزع وسلوك الشّرك والقرابين بين أقوام دينهم قائم على عقيدة التوحيد. كيف إذن يتم ويجوز الإسهام في تمويل هذا كله، وباسم ماذا ؟ ولصالح أيّ فئة ؟ ودعم وتعميم أي ثقافة؟ في بلد يتطلع إلى صنع نموذج تنمويّ جديد وبناء دولة عصرية نامية، كيف يتناسب مخططٌ مماثلٌ وطموحُ نحو التقدم والتنوير مع خطة وممارسة أقل ما توصف به أنها نقيض للعقل وجوهر الدين، وهي أيضا تنسف ما تسعى إليه الدولة الواحدة يُغذّي طرفٌ فيها منابع الخرافة والشعوذة وغيبيات ملفقة، لن يعدم مبررات من قبيل احترام (الثوابت)، مصطلح فضفاض وملتبس يُرفع فوق الرؤوس سيفَ دموقليس، ويمكن أن يُسخَّرَ خارج مداره ومراميه.
ليكن معلوماً ما بالتراث الحقيقي للأمم ومفخرتها، لليونان سقراط وأرسطو، لبلاد ما بين النهرين حمو رابي، للعراق المعتزلة والمتنبي والمامون، ولفرنسا فولتير ومونتسكيو، فرنسا حيث مبنى البانتيون (مقبرة العظماء) المخصص لأعلام الفكر والأدب والفن ومن ارتبط اسمهم ببناء مجد الوطن، ولا يوجد بينهم أي شخصية كنَسِيّةٌ أو دينيةٌ مرتبطةٌ بقداسة ما في بلد متديّن إلى جانب علمانيته وفيه عشرات (الصالحات والصالحين)، علما بأن ( البانتيون) بُنيّ فوق هضبة سان جونفييف الموسومة ب (سيدة باريس)؛ ولمصر طه حسين ولطفي السيد، وللغرب الإسلامي ابن رشد وابن خلدون، ولنا في المغرب القريب علال الفاسي وعبد لله كنون ومحمد عزيز لحبابي، ومحمد عابد الجابري وعبد لله العروي وأحمد المجاطي وفاطمة المرنيسي، غَيضٌ من فيض أعلام ماردين ورواد إصلاح واستنارة لا يمكن أن يُذكر المغربُ في مُحفَلٍ فكري إبداعي رصين إلا حضرت أسماؤهم ألويةُ وأقمارا، هم الركيزةُ والمرجعُ والرمز.
بهؤلاء وأمثالهم نرفع رأسنا بين الشعوب، وهم لا يكلفون دولتنا العتيدة شيئا اللهم إلا اعترافُها بالذاكرة الرمزية الوطنية، واحترامَها لخيرات المفكرين والمبدعين، أبسطها أن تطلق أسماءهم على الجامعات والكليات، على الشوارع والساحات، تقرر نصوصهم بإنصاف في المقررات المدرسية والجامعية، تكرّم المستحقين وهم أحياء، كذلك لا يُولَّى على أمرهم الجاهلون أو أشباه المتعلمين، ونزيد هم لا يطمحون إلى نُصُب وتماثيل، أحيانا لا يبغون أكثر من الحق في موت مع دفن كريم بعد أن استُغنيَ عنهم في الحياة، ثم يقال أحيانا عن كِرامهم إنهم ماتوا في صمت، طبعا هم ما عاشوا مهرّجين ولا مضاربين في بورصة الأسهم من كل نوع، ما باضوا ذهبا وإنما أّلّفوا كتبا ونبغوا فكراً وتألقوا شعراً وقصّاً ورحلوا كما عاشوا شرفاء كراماً والشرف، نعني به،عملة لا يَعترف بها بالأحرى لا يعرفها المضاربون النّهابون في حساباتهم خزائن قارون أما في غيرها فلا يفقهون، بالأحرى لا يبالون ولا يتّعظون بما قاله عنه قوم موسى:» لا تفرح إن لله لا يحب الفرحين» ولا تبغ الفساد في الأرض إن لله لا يُحب المفسدين» و» ألمْ يعلم أن لله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدُّ قوةً وأكثرُ جمعا» (القصص 7678).
ماذا لو قدمت مثالا قريبا من هؤلاء الرواد المصلحين، كان يُفترض أن نقيم للذكرى الثمانين لرحيله ما يستحق من مقام وله من اعتبار، بينما تقام لكل وليٍّ صالح من العدد الهائل المعدود أعلاه مواسم تُشدُّ لها الرحال، والخيل والبارود، والذبائح تُنحّر، والخيامَ تُنصب حتى تسدَّ الأفق. أسدى خدمات جليلة لثقافة وطنه، في الداخل والخارج، في زمن الجمود خيّم عليه، والاحتلال الأجنبي عضّه بنابه، والعقول مقبوضةٌ إلى القديم، متعلقة ٌبكرامات الأولياء والصالحين، وهو المؤمن في بيئة محافظة، مدينته سلا، بضرورة التحديث لخلق نهضة مغربية على غرار نهضة سبقتنا إلى طلبها وتأسيسها نُخَبٌ أخرى منها المشرق العربي عينه عليه قلبا وعروبة ووجدانا.
سنُعنى بسعيد حجي خاصة، لأنه الأول والرائد، أحد السّباقين من أبناء البعثة المغربية للدراسة في المشرق. بعد مرحلة التعليم الأولي، الابتدائية والثانوية، في مسقط رأسه مدينة سلا ومحيط الرباط، وإحدى معاقل الوطنية وحماية الهوية العربية الإسلامية بساكنتها الموريسكيين، نَهَلَ من المعارف التقليدية قرآنا وفقها ونحوا وبلاغة، وتطلع لإكمال دراسته في مواد حديثة وجوٍّ عصري فقصد في نهاية الثلاثينيات دمشق أولا تسجّل في كلية الآداب. ثم انتقل إلى القاهرة، هي يومئذ محجٌّ للمغاربة كما ذكرنا، فدرس بكلية الآداب. وقرّر العودة إلى المغرب يحمل في ذهنه ونفسه عواطف جياشة ليقوم بدورٍ وطنيٍّ خالص في مرحلة تتعرض فيها البلاد لطمس معالم هويتها وعزلها عن محيطها العربي. لم يختر سعيد حجي العملَ السياسيَّ لمقاومة الاستعمار وهو ابنُ سلا من البؤر الحامية، ومشبعٌ بالروح الوطنية، فضَّل خوضَ معركته على جبهة الإصلاح والتحديث ليكون فعلا فريدَ زمانه، ويؤديّ رسالة مدنية حضارية مطلوبة في بلد منزوعِ السيادة، وخاضعٍ لسلطة التقاليد والجمود، بينما المجتمع يحتاج إلى التطور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.