شهدت مدينة العيون بالصحراء المغربية حدثا تاريخيا، يوم السبت 4 فبراير 2023، تمثل في المهرجان الاتحادي الذي ترأسه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر. هذا المهرجان تميز أولا، بالحضور الجماهيري المكثف وبالمشاركة النوعية للشباب والمرأة الصحراوية، كما تميز ثانيا بالكلمات التي ألقيت خلاله، حيث يبرز جيل جديد من الصحراويين والصحراويات، أخذ يحتل مكانته في المشهد السياسي والفعل المجتمعي بمنطقة الصحراء المغربية، كما أكد هذا المهرجان، ثالثا، أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمناضليه وأطره في جهة العيون وكل جهات الصحراء، هو جزء لا يتجزأ من معادلة الحل السياسي وكل الترتيبات التي ترتبط بحماية الوحدة الترابية للمغرب. وبالفعل، فإن مساهمة الاتحاد في مختلف مراحل الدفاع عن الأقاليم الصحراوية، من مرحلة المواجهة مع الاستعمار إلى المواجهة مع دعاة الانفصال في داخل المغرب وخارجه، كانت ومازالت مساهمة متميزة، حيث كان الاتحاد شريكا وفاعلا وقوة اقتراحية لصياغة ما يمكن صياغته وترتيبه من حلول ومقترحات لصيانة الوحدة الترابية للمغرب. إذن هناك جيل جديد تبرز وجوهه ورموزه من خلال هذا المهرجان الاتحادي. نعم، لقد تعاقبت على هذه المنطقة ثلاثة أجيال، هناك جيل المقاومة وجيش التحرير، الذي واجه الاستعمار الإسباني، وتكالبت عليه القوى الإمبريالية من خلال عملية «إيكوفيون»، حيث انتهى الأمر إلى حل جيش التحرير وإدماج جزء كبير منه في القوات المسلحة الملكية، والجزء الآخر نزح إلى عدة مناطق في المغرب، أما الجيل الثاني، فهو الذي ظل تحت سيطرة الاستعمار الإسباني أو خارج هذه السيطرة في عدد من الأقاليم المغربية بالشمال، بعد أن ظلت الصحراء المغربية محتلة وتحت سيطرة الإسبان، لأن المغرب اعتمد سياسة التفاوض، عبر مراحل، لاسترجاع مختلف أقاليمه الصحراوية إلى التراب الوطني. لقد استرجعت العديد من المناطق سنة 1956 وطرفاية سنة 1956، وسيدي إيفني سنة 1969، أما الصحراء المغربية فقد تأخر استرجاعها إلى سنة 1975. لكن الملاحظ، أن المغرب، ورغم الهيمنة الاستعمارية، قد احتضن أبناء الأقاليم الصحراوية في العديد من الداخليات ووفر لهم الدراسة في المدارس والجامعات المغربية، فضلا عن أولئك الذين احتضنتهم عائلاتهم التي هاجرت إلى شمال المغرب بسبب البطش الاستعماري. هذا الجيل هو الذي يمكن القول عنه، إن بعض شبابه، توزع بفعل المد اليساري، في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، بين الارتباط بالوطن الأب أو الانغماس في أحضان الأوهام الثورية، التي كانت من نتاج الحرب الباردة والصراع بين الشرق والغرب والتموقعات الإقليمية في المنطقة المغاربية. وللحقيقة، فإن جزءا من هذا الجيل اهتدى إلى حقائق التاريخ والجغرافيا وعاد إلى أرض الوطن، فيما البعض الآخر مازال رهينة للعسكر الجزائري، والذي ينبغي أن يتحرر فعلا من الطغمة العسكرية، فأي مصداقية لمثل هؤلاء الذين يخدمون الأجندة الجزائرية، التي لا يهمها الصحراويين، بقدر ما يهمها معاكسة المغرب والبحث عن ممر للمحيط الأطلسي، وهنا يمكن التذكير بما كشف عنه الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره لمجلس الأمن، في فبراير من سنة 2002، حيث فضلت الجزائر تقسيم الصحراء ورفضت مقترح جيمس بيكر، كما أنها رفضت مقترح الحكم الذاتي في مذكرة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، نشرت ضمن الملحق الثاني من تقريره المقدم لمجلس الأمن في 20 يونيو 2001. إذن المشكل مع الجزائر، أما صحراويو تيندوف فلا حول لهم ولا قوة. أما الجيل الثالث، فيمكن نعته بجيل الحكم الذاتي، لأنه هو الجيل الذي سيتحمل غدا مسؤولية إدارة شؤون المناطق الصحراوية في إطار الحل السياسي الذي سيحظى اليوم بتجاوب المجتمع الدولي والذي يتوزع بين مباركة هذا الحل أو الاندماج مع المغرب، أما الاستفتاء فلم يعد واردا في البرنامج الأممي، حيث تم دفنه وولد مع جلالة الملك محمد السادس مقترح الحكم الذاتي. إن هذا الجيل يتمرس اليوم في الجماعات المحلية وفي البرلمان، إذ تحظى المناطق الصحراوية بتمثيلية وازنة داخل المؤسسات الدستورية، والجدير بالذكر، أن هذه المنطقة تعيش حيوية سياسية تبرز في المشاركة في العمليات الانتخابية، فقد سجلت مؤخرا أكبر نسبة مشاركة، كما تعيش تجديدا للنخب السياسية بمشاركة الشبيبة الصحراوية في العمل السياسي وضمن المجتمع المدني، وهذه الحيوية تؤهل فعلا الشباب الصحراوي بنسائه ورجاله لتحمل المسؤولية. وإذا كانت الأقاليم الصحراوية تعرف تجديدا للنخب وطفرة تنموية متميزة، فبالمقابل نلاحظ كيف شاخت العناصر الانفصالية التي تجثم على صدر الصحراويين بتيندوف، لأنها تتخوف من كل تحول في اتجاهات الرأي العام هناك، ومن احتلال الشباب مواقع قيادية ستكون حتما على تعارض مع غالي وجماعته اللذين يخدمان المصالح الجزائرية.