تواصل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير برنامجها الاحتفالي بمناسبة الذكرى 62 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب والذكرى 61 لانتفاضة قبائل آيت باعمران، وذلك بتنظيمها يوم غذ السبت للقاء تواصلي مع المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بأكادير. وتميز هذا البرنامج الاحتفالي بتنظيم مهرجانات خطابية ولقاءات تواصلية بمشاركة فعاليات وطنية ومحلية، القيت خلالها كلمات وشهادات تبرز هذه الملاحم البطولية من أجل الحرية والاستقلال وذلك على مدى الثلاثة أيام الأخيرة. وبهذه بالمناسبة سيتم توزيع إعانات مالية ومساعدات اجتماعية وإسعافات ممنوحة لأعداد من عائلات قدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير وأرامل وذوي حقوق الشهداء والمتوفين منهم، دعما للفئات الاجتماعية التي توجد في حالة العسر المادي والعوز الاجتماعي. نضالات مريرة في مواجهة الوجود الأجنبي خلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير أيام 21، 22 و23 نونبر الجاري، الذكرى 62 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب، والذكرى 61 لانتفاضة قبائل آيت باعمران، هذه الملاحم البطولية تنتصب محطات تاريخية من أجل تحقيق الاستقلال الوطني والوحدة الترابية والوطنية. لقد خاض المغرب على امتداد تاريخه نضالات مريرة في مواجهة الوجود الأجنبي والاستيطان الاستعماري الذي لم يفوت فرصة لبسط نفوذه وهيمنته على التراب الوطني قرابة نصف قرن، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط البلاد، والحماية الإسبانية بشمالها والاستعمار الإسباني بالأقاليم الجنوبية، فيما خضعت مدينة طنجة لنظام حكم دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، قدم العرش والشعب في سبيلها كل غال ونفيس في سياق كفاح وطني متلاحق وطويل النفس، لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة الترابية والسيادة الوطنية. فمن الانتفاضات الشعبية كحركة الشيخ أحمد الهيبة بالجنوب المغربي سنة 1912، إلى معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، فمعارك أنوال بالريف من سنة 1921 إلى سنة 1926، ومعارك بوغافر بتنغير، ومعارك جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، وغيرها من المحطات التاريخية الطافحة بصور المواجهة والتصدي المستميت للوجود الاستعماري. كما تجلت أشكال وأساليب النضال السياسي في مناهضة سياسة التمييز والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، بين العرب والأمازيغ لما سمي بالظهير البربري سنة 1930، وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة على التوالي في 1934 و1936، ووثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944. وهي مراحل ناضل بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس بتلاحم وثيق مع الحركة الوطنية لبلورة توجهاتها وأهدافها، ورسم معالمها، وإذكاء إشعاعها منذ توليه العرش في 18 نونبر 1927، حيث جسد جلالته قناعة شعبه في التحرير وإرادته في الاستقلال، وانتصب بنضاله المستميت وتضحياته الجسام رمزا للمقاومة والفداء، ووقف جاهرا بمطالب المغرب في الحرية والاستقلال، ومؤكدا انتماءه العربي والإسلامي في خطاب طنجة التاريخي في 9 ابريل 1947، عاقدا العزم على إنهاء الوجود الاستعماري، وتمسك المغرب بمقوماتهم الأصيلة، وثوابتهم الراسخة. وستتواصل وستتعزز هذه المواقف الرائدة والوازنة بمبادرات وتوجهات جلالته في التصدي لكل أشكال الهيمنة الاستعمارية، ومحاولات طمس الهوية الوطنية وكذا إدماج المغرب فيما سمي ب “الاتحاد الفرنسي”، وبلغ تحدي سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية حد القيام بمؤامرتها الشنيعة وفعلتها النكراء بنفي جلالة المغفور له محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح والمنفى، جلالة المغفور له الحسن الثاني والأسرة الملكية الشريفة في 20 غشت 1953، ظنا منها بأنها بهذا الاعتداء الجائر، ستفك أواصر الميثاق التاريخي بين الملك المجاهد وقادة الحركة الوطنية، وستخمد جذوة الكفاح المتقد والمتوهج. إلا أن تداعيات هذه المؤامرة لم تزد السلطان الشرعي إلا صمودا وتمسكا بالدفاع عن مقدسات وطنه، ولم تزد المغاربة إلا قوة في النضال وتفجير طاقاتهم الثورية من أجل عودة الشرعية بعودة الملك المجاهد وأسرته من المنفى إلى أرض الوطن وإعلان الاستقلال. وهو ما تحقق في 16 نونبر 1955 بعودة جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية، حاملا لواء الحرية والاستقلال، وهي المحطة التاريخية التي يخلد الشعب المغربي من أقصاه إلى أدناه في هذه الأيام المجيدة ذكراها الثالثة والستين في أجواء مفعمة بالوفاء لأرواح الشهداء. بزوغ فجر الحرية والاستقلال لم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء صروح المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه ومهامه الأساسية تحرير ما تبقى من التراب الوطني من نير الاحتلال والنفوذ الأجنبي. وفي هذا المضمار، تواصلت مسيرة الكفاح الوطني، وكان انطلاق طلائع وقوات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956، تعبيرا قويا يجسد إرادة العرش والشعب في استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية. وهكذا، خاض أبناء القبائل الصحراوية وإخوانهم المجاهدون الوافدون من كافة الجهات والمناطق المحررة غمار عدة معارك على امتداد ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب، واتخذ أبطال جيش التحرير مواقعهم في الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني بالأقاليم الصحراوية ليحققوا انتصارات باهرة لم تجد القوات العسكرية الاسبانية أمامها إلا أن تتحالف مع القوات الفرنسية فيما سمي بعملية “ايكوفيون”. ومن المعارك التي شهدتها الأقاليم الجنوبية، نذكر معارك الدشيرة والبلايا والمسيد وأم العشار والرغيوة واشت والسويحات ومركالة وغيرها من الملاحم الخالدة التي ما من شبر بربوع الصحراء إلا ويذكرها. وضمن معارك التحرير أيضا، كان يوم 23 نونبر 1957 يوما خالدا في تاريخ المغرب، حينما انتفضت قبائل آيت باعمران ضد الوجود الاستعماري وخاضت نضالاتها الوطنية في معارك طاحنة لقنت خلالها المحتل الأجنبي دروسا في الشجاعة والشهامة والصمود حيث شهد هذا اليوم هجومات مركزة على ستة عشر مركزا اسبانيا في آن واحد، تراجع على إثرها الجنود الإسبان الى الوراء ليتحصنوا بمدينة سيدي ايفني. وقد دامت هذه المعارك حتى الثاني عشر من شهر دجنبر من نفس السنة، تكبدت خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بالرغم من قلة عدد المجاهدين الباعمرانيين ومحدودية عتادهم الحربي. ومن هذه البطولات الخالدة لقبائل آيت باعمران، نذكر معارك تبلكوكت وبيزري وبورصاص وتيغزة وامللو وبيجارفن وسيدي محمد بن داوود والالن تموشا ومعركة سيدي ايفني، وتمكن مجاهدو قبائل آيت باعمران من اجبار القوات الاسبانية على التمركز بسيدي ايفني، كما اقاموا عدة مواقع امامية بجوار المواقع الاسبانية كي لا يتركوا لقوات الاحتلال الأجنبي مجالا للتحرك أو الانسحاب والنجاة. استكمال الوحدة الترابية وتواصلت مسيرة التحرير على كافة الواجهات الوطنية وفي المحافل الدبلوماسية الدولية، وظل جلالة المغفور له محمد الخامس يجهر بحق المغرب في تحرير صحرائه، ومن ذلك خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958 حيث استقبل جلالته وفود وممثلي واعيان قبائل الصحراء الذين هبوا رغم الحصار المضروب على مناطقهم للقاء الملك وتجديد البيعة له وتأكيد تجندهم دفاعا عن مقوماتهم وهويتهم الوطنية. وقد شهدت سنة 1958 كسب رهان من رهانات مسيرة استكمال الوحدة الترابية تمثل في استرجاع مدينة طرفاية. وواصل المغرب بقيادة جلالة المغفور له الحسن الثاني مسيرة التحرير، بكل عزم وإيمان، وتمكنت بلادنا بفضل الالتحام الوثيق بين العرش والشعب من استعادة مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969، وتكللت المبادرات والمواقف النضالية بالمسيرة التاريخية الكبرى، المسيرة الخضراء المظفرة في 6 نونبر 1975 التي جسدت قوة التعبئة الوطنية، وعمق الايمان دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، وعبقرية ملك استطاع بحكمته وحنكته وبعد نظره، أن ينتصر لتحرير ما تبقى من الأجزاء المغتصبة من الوطن. وهكذا، سارت مواكب المتطوعات والمتطوعين من سائر ربوع الوطن لتحطيم الحدود الوهمية وصلة الرحم بأبناء الجنوب المغربي. وكان النصر حليف الارادة الوطنية للمغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لترتفع راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976 ايذانا بجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية. وكذلك كان يوم 14 غشت 1979 الذي تحقق فيه استرجاع اقليم وادي الذهب، كمحطة بارزة وحاسمة في مسار الوحدة الوطنية وإنهاء فترة من التقسيم والتجزئة التي عانى منها طويلا أبناء الوطن الواحد. التعبئة الوطنية من أجل مغربية الصحراء لقد تواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية بكل عزم لإحباط مناورات خصوم وحدتنا الترابية، وزادتها رسوخا ووثوقا التعبئة المستمرة للمغاربة في مواجهة كل التحديات الخارجية والتصدي لكل المؤامرات العدوانية. ويقف اليوم الشعب المغربي بقيادة جلالة الملك محمد السادس صامدا في الدفاع عن حقوقه المشروعة وتثبيت مكاسبه الوطنية، مبرهنا بإجماعه الوطني عن تشبثه بصيانة وحدته الترابية ومباركته لمبادرة الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الصحراوية المسترجعة في ظل السيادة الوطنية، ومؤكدا للعالم تجنده التام دفاعا عن مغربية الصحراء وعمله الجاد لإنهاء النزاع المفتعل وحرصه على تقوية أواصر الإخاء والتعاون وحسن الجوار بالمنطقة المغاربية. وهو ما أكده جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء في 6 نونبر 2018 حيث يقول جلالته:” وها نحن اليوم، نربط الماضي بالحاضر، ونواصل الدفاع عن وحدتنا الترابية، بنفس الوضوح والطموح، والمسؤولية والعمل الجاد، على الصعيدين الأممي والداخلي. ويتجسد هذا الوضوح في المبادئ والمرجعيات الثابتة، التي يرتكز عليها الموقف المغربي، والتي حددناها في خطابنا بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء. وهي نفس المرجعيات التي تؤسس لعملنا إلى اليوم. كما يتجلى في التعامل، بكل صرامة وحزم، مع مختلف التجاوزات، كيفما كان مصدرها، التي تحاول المس بالحقوق المشروعة للمغرب، أو الانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المحددة. أما الطموح، فيتمثل في تعاون المغرب الصادق مع السيد الأمين العام للأمم المتحدة، ودعم مجهودات مبعوثه الشخصي قصد إرساء مسار سياسي جاد وذي مصداقية. كما تعكسه أيضا، المبادرات البناءة، والتجاوب الإيجابي للمغرب، مع مختلف النداءات الدولية، لتقديم مقترحات عملية، كفيلة بإيجاد حل سياسي دائم، على أساس الواقعية وروح التوافق، وفي إطار مبادرة الحكم الذاتي. ويبقى المغرب مقتنعا بضرورة أن تستفيد الجهود الحثيثة للأمم المتحدة، في إطار الدينامية الجديدة، من دروس وتجارب الماضي، وأن تتفادى المعيقات والنواقص التي شابت مسار “مانهاست”. فالشعب المغربي بإجماعه مقتنع بعدالة قضيته الوطنية الأولى، وأحقيته في استكمال وحدته الترابية، والدفاع عن سيادته ووحدته ومواصلة تعبئته التامة ويقظته الموصولة في مواجهة خصومه ومناوئيه في حقوقه المشروعة حتى يكسب رهان إنهاء النزاع الاقليمي المفتعل الذي يتمادى الخصوم في تأييده ضدا على إرادة الشعوب المغاربية الشقيقة في بناء حاضرها ومستقبلها وإعلاء صروحها في أجواء الحوار وحسن الجوار والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وهو ما جدد التأكيد عليه جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي يوم 6 نونبر 2018 حيث يقول جلالته: “وبكل وضوح ومسؤولية، أؤكد أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين. وتتمثل مهمة هذه الآلية في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات. ويمكن أن تشكل إطارا عمليا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية”. ومن المحقق أن المبادرة الجديدة التي أطلقها الخطاب الملكي السامي بمناسبة تخليد الشعب المغربي للذكرى 43 لحدث المسيرة الخضراء تجسد صواب الموقف المغربي لإنهاء النزاع المفتعل في الصحراء المغربية.