عبر الأديب أحمد المديني عن سعادته بالاحتفاء بشخصه على طول مساره الخمسين عاما من الأدب ، التي بدأت بنشر أول مجموعة قصصية «العنف في الدماغ» سنة 1971 ووقفت في إصدار «رجال الدارالبيضاء» سنة 2021، تميزت بكونها تشمل حوالي 70 عملا أدبيا يضم قصصا وروايات ودراسات نقدية وأبحاثا جامعية وكتب الرحلة، في احتفاء خاص بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية ، وبحضور شخصيات من عالم الفن والثقافة والإعلام يوم الجمعة الماضي 29 أكتوبر بالرباط . وأبرز المحتفى به أحمد المديني، الذي فاز بجوائز عدة في السرديات وأدب الرحلة، أن أعماله الأدبية متعددة الاختصاصات والمعالجات، مشيرا إلى أنها تنصب في مجملها على قضايا المجتمع والإنسان في بحثه عن ذاته وتطلعاته وأحزانه وأفراحه، وكل ما يتطلع إليه من أجل الرقي والكرامة. كما سجل أن إعادة نشر «العنف في الدماغ» بعد نصف قرن «أمر له دلالاته وقراءاته»، مبرزا أنها رسالة واضحة للاعتناء «بالرموز والقيم الأدبية الوطنية والوفاء للأدب والتعبير وموقف الأدب والأديب بالمغرب». وشكل هذا الاحتفاء الأدبي، الذي نظم بمناسبة صدور الطبعة الجديدة من المجموعة القصصية «العنف في الدماغ»، فرصة للوقوف على أبرز المحطات الأدبية التي عاشها الكاتب، واستحضار التجربة الأدبية للمديني، الذي يكتب في الرواية والقصة القصيرة والشعر والنقد والرحلة والمقالة، وراكم على امتداد عقود من الزمن خزانة كاملة من المؤلفات. وفي شهادة للكاتب والروائي محمد الأشعري قال « إن المديني راكم تجربة إبداعية استثنائية تتسم بكونها أكثر انتظاما في إبداع لا يشمل الرواية فقط، بل يضم أيضا القصة القصيرة والمقالة الصحفية والشعر وما إلى ذلك من الإنتاجات الأدبية التي طبعت الأدب المغربي. وأضاف : « تفرد بتفان وإخلاص صوفي للكتابة الأدبية منذ سنوات السبعينيات رغم انشغالاته الأخرى في الصحافة والسياسة وغيرها، وأن أعمال الكاتب الأدبية تعكس حرفيته وطول تجربته وسعته الثقافية «. وختم الأشعري شهادته بالقول: «أديب لامس في كتاباته القضايا التي عاشتها البلاد خلال فترته، فهو ينتمي إلى جيل من المثقفين المخضرمين الذين عاشوا وعايشوا التحولات السياسية والاجتماعية التي مر منها المغرب، وعبروا عنها في أعمالهم الأدبية، كما أن مجموعة «العنف في الدماغ» نسجت من خلال شخوصها وحكاياتها صورة للمديني، بما في ذلك إحساسه وتوتره وفهمه الدقيق لهذا العالم. من جهته، أكد الكاتب والناقد نجيب العوفي أن هذا الاحتفاء هو «مستحق لكاتب مغربي أبلى البلاء الحسن في ساحة الأدب المغربي الحديث، فهو كاتب سبعيني عابر للأجيال، راكم أعمالا قصصية وسردية مهمة للغاية جعلت شعلة السبعينيات متقدة وحاضرة لدى الأجيال الجديدة الحالية». وأضاف العوفي أن المديني وضع، من خلال مجموعة «العنف في الدماغ»، إحدى اللبنات الأولى للحداثة القصصية المغربية في فترة جد مبكرة، مشيرا إلى أن إصداره يعتبر فاتحة للموجة الحداثية المغربية على الصعيد السردي القصصي، مما جعلها تلقى إبانها صدى كبيرا، على الرغم من كونها لقيت في الآن ذاته معارضة من طرف المحافظين على العرض السردي القصصي التقليدي. وفي هذا السياق، أبرز الروائي عبد القادر الشاوي، الذي أشاد بدوره بالمكانة الأدبية التي يتبوؤها المديني في الساحة الوطنية والعربية والدولية، أن «العنف في الدماغ» تمثل قفزة نوعية في الكتابة القصصية أو السردية للمغرب المعاصر، وأنها أثارت ردود فعل عند صدورها، ولكن مع مرور الوقت أخذت حقها من النقد ومن الاهتمام من طرف نقاد الأدب بالمغرب. وأضاف الشاوي أن مؤلفات المديني عامة تعتمد على تفجير اللغة وإبراز أسرارها، وأن قيمة هذه المؤلفات تنبثق من كونه أحد المتكلمين المتمكنين والحاذقين باللغة العربية، مؤكدا أن هذه المجموعة أثرت في أجيال أخرى لأنها تجاوزت المكونات التقليدية والنمطية للقصة وجعلت الكتابة مندمجة تجمع بين الشعر والنثر والرواية والسينما والصورة. من جهة أخرى، أجمع باقي المشاركين في هذا الاحتفاء الأدبي على أن الأعمال التي تحمل توقيع المديني تعكس إلمامه بالتفاصيل والجزئيات، مما يجعل رواياته شهادة فنية على مراحل تاريخية معينة، كل واحدة بجذورها وفروعها، وتجعل في الآن ذاته من الروائي مؤرخا أدبيا وفنيا بامتياز.