احتضنت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، مساء الجمعة الماضية، حفل تقديم الأجزاء التسعة من الأعمال الروائية والقصصية للكاتب أحمد المديني. وقد تميز هذا اللقاء بتسليط الضوء على مميزات المسار الأدبي لهذا الكاتب. بينما كان اللقاء فرصة له، ليصدر بعضا من مواقفه. والموقف هذه المرة ضد النظرة التي تبخس شأن الثقافة في المغرب. «هم صنعوا ثروات لمجلة «فوربس»، ونحن صنعنا ثقافة لهذا البلد»، هكذا علق الكاتب الروائي المغربي أحمد المديني بسخرية لاذعة، مساء الجمعة الماضية خلال حفل تقديم أعماله الصادرة ضمن منشورات وزارة الثقافة. إذ يأتي تعليق المديني أياما قليلة فقط، بعد التصنيف الذي تعده المجلة الأمريكية حول أثرياء العالم، والذي تضمن الثلاثي المغربي عثمان بنجلون وعزيز أخنوش وميلود الشعبي. وقد اعتبر المديني، خلال هذا اللقاء الذي احتضنته المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، أن إصدار أعماله الروائية والقصصية في تسعة أجزاء بمثابة حصاد حياة. ورغم أنه تمكن من بلوغ المراحل النهائية من المنافسة على جائزتين عربيتين هما «جائزة الشيخ زايد (فرع الأدب) وجائزة البوكر، إلا أنه أشار في الآن ذاته إلى أنه يبقى حصادا متواضعا وعاديا، واعدا بالمزيد من الإبداع. وخلافا للتواضع الذي عبر عنه المديني بخصوص أعماله، اعتبر الناقد عبد الحميد عقار صاحب «ممر الصفصاف» أديبا مبدعا وباحثا مدققا ومترجما متمرسا ومثقفا ملتزما. كما وصفه بكونه كاتبا محترفا يحرص منذ سبعينيات القرن الماضي على إدمان القراءة والكتابة، وعلى نشر أعماله بشكل منتظم. احترافيته جعلت منه، كما قال عقار، كاتبا غير نمطي، على اعتبار أنه لم يقرن كتابته بطابع مخصوص، ولم يوقفها على جنس واحد، حيث ذكر أن كتابة المديني تسافر بين مختلف الأجناس الأدبية (الرواية، الشعر، القصة، الرحلة). فضلا عن ذلك، اعتبر عقار أن مقروءات المديني تتحول إلى موضوع للكتابة وبحث في البعد الجمالي، مشيرا إلى أن كتابته مسكونة بالقلق والتوتر، لكنها تبحث دائما عن المعنى. في هذا السياق، أوضح الناقد أن المديني انشغل ببلورة صورة الكاتب وإمكانات أدواره الثقافية اليوم. إذ أكد أن صاحب «العنف في الدماغ» انخرط في أسئلة العصر بتفان متفرد، حتى إنه اختار مهنة «الكاتب» كصفة تعريفية على بطاقته الوطنية، كما كشف الناقد عبد الفتاح الحجمري. هذا الأخير اختار أن يقدم أحمد المديني بطلا في شهادته، التي صاغها على شكل قصة قصيرة تحت عنوان: «نصيبي من أحمد المديني»، مقتبسا عنواني كتابيه الأخيرين «نصيبي من باريس» و»نصيبي من الشرق». إذ أشار الحجمري، في البداية، أن لكل قارئ نصيب من أحمد المديني، واصفا إياه بكونه شلالا هادرا من اللغة، وصاحب عبارة أنيقة وأسلوب خاص في الكتابة. وفي السياق نفسه، اعتبر الحجمري أن المديني زاوج بين الكتابة الإبداعية والكتابة النقدية، ضمن مشروع أدبي يتكون من أكثر من خمسين مؤلفا، انتصرت جميعها للحداثة. كما أوضح أن الأعمال الروائية والقصصية التي نشرتها وزارة الثقافة تؤكد أن المغاربة في حاجة إلى إعادة قراءة الأدب المغربي، خاصة أن الكثير من مشاريعه بات الآن واضح المعالم، كما هو الحال بالنسبة إلى مشروع المديني. ومن جانبه، استعان محمد الداهي، مسير اللقاء، ببعض المقولات الغربية، مستخدما إياها في وصف المديني وأعماله. إذ وصفه على سبيل المثال بالكاتب المداوم على المعرفة. كما اعتبر أنه استطاع أن يواكب المستجدات، ويعيد النظر في تجربته باستمرار، ويعايش كل الحساسيات. من جهة ثانية، اعتبر أن المديني ينتعش ويستمد فتوته من الكتابة، وهو يغلب التجريب والصنعة، بل «إنه يجعلها تمشي على رأسها لا على قدميها». وفي هذا الإطار، أشار إلى أنه كاتب غزير الإنتاج، تناهز مؤلفاته الخمسين عملا صدرت في تسعة أجزاء تضم أعماله القصصية والروائية منذ مجموعته القصصية الأولى «العنف في الدماغ» (1974) إلى «هموم بطة» (2010). ولتفصيل خصائص هذه الأعمال، قدم الداهي بعض الإحصائيات، حيث أوضح أنها تتكون من 12 رواية كُتبت على مدار 33 سنة، استهلها ب»زمن الولادة والحلم» عام 1976، ومن 11 مجموعة قصصية كُتبت على مدار 39 سنة.