احتار المشاركون في تقديم ودراسة أحمد المديني في الحفل الذي خصصته المكتبة الوطنية مساء الجمعة الماضي لتقديم الأعمال الكاملة للكاتب الصادرة مؤخرا عن وزارة الثقافة، البالغة خمسة أجزاء من الحجم المتوسط. فمن رآه روائيا كبيرا مراكما لأعمال روائية طبعت الرواية المغربية، والعربية، الحديثة، ومن وجد فيه كاتب قصة قصيرة من الطراز الرفيع، ومن قاربه من زاوية الترجمة، التي قدم فيها نقلا مشرقا لأعمال روائية ونقدية إلى اللغة العربية، هذا إلى جانب ممارسته للأدب الرحلي. وهي كلها أعمال وصلت إلى خمسين كتابا في الحقول المختلفة المذكورة. وهناك من أحصى أكثر من هذا العدد. وكل ما قيل كان في الحقيقة أقل من حجم وتجدد هذا الكاتب المثابر، الفعال في مغرب العالم العربي ومشرقه. قدم الناقد عبد الحميد عقار، صديق الكاتب وناقده في أعمال عدة، ورقة نقدية عنونها "أحمد المديني: كتابة مسكونة بالقلق بحثا عن المعنى"، واعتبره كاتبا من زماننا له حضور خاص. فهو أديب ومترجم متمرس ومثقف وكاتب محترف، يدمن القراءة والكتابة والنشر بإيقاع منتظم. وذلك ما جعله يكتسب احترافية إبداعية جعلت منه كاتبا لا نمطيا، لم يرهن أفقه الأدبي على جنس إبداعي بعينه. فهو ينتقل من بين أجناس القول وفنون التعبير بالرغم من المكانة المتميزة للرواية والقصة القصيرة في ذخيرة التأليف لديه. إضافة أنه، وهذا هو الأهم، دائم البحث عن اللحظة الجمالية والإبداعية. وداخل هذا المختبر، يضيف عقار، يحول المديني كل شيء إلى عالم إبداعي وجمالي. لكنه عالم مسكون بالقلق بحثا عن أفق مغاير. فالكتابة لديه تستنطق هموم الذات وهموم الآخرين. وعن صورة الكاتب، قال عقار إنه اشتغل ببلورة صورة الكاتب وإمكانات أدواره في عالم اليوم، بانخراط واع في أسئلة العصر وإحراجه وديناميته. فذخيرته من المؤلفات تقارب الخمسين مؤلفا في مختلف فنون القول وأنماط الخطاب. وعن أدوات الكاتب ورؤيته للكتابة قال عقار إن من أبرز سماته التجريب الذييرادق اللااستقرار في الشكل بحثا عن نص مختلف ومنفتح. كما انه كاتب منشغل بالمكان انشغالا متواصلا، وبوشماته في اللغة والصور والمعاني. وتدخل الناقد عبد الفتاح الحجمري بشهادة صادقة عنونها "نصيبي من المديني"، في إشارة واضحة للكتاب الرحلي الشيق "نصيبي من باريس". وكل كلمات الحجمري كانت تنطق بمفاهيم الصداقة والصديق. وفي هذا السياق قال: " أكاد أزعم أن لكل واحد منا نصيبٌ من مولاي أحمد ليس لأنه روائي وقاص وشاعر وناقد وباحث أكاديمي ومترجم وكاتب رأي أدبي ورحالة فحسب، بل لأنه قبل هذا وذاك، وبعد هذا وذاك، شلالٌ من اللغة وصاحب عبارة أنيقة، وأدب رفيع بقيم ورؤى فكرية وجمالية ؛ هو صاحب أسلوب خاص في الكتابة يؤمن برؤية العين كأسمى تعبير لتحرير العبارة. وفي ما يشبه التأريخ لمسار هذا الكاتب الكبير قال الحجمري إنه دخل عالم الأدب بإصداره لمجموعته القصصية الأولى " العنف في الدماغ" سنة 1971 بالتزامن وتخرجه من كلية آداب ظهر المهراز حاصلا على دبلوم الدراسات العليا سنة 1974 ؛ لتتواصل رحلة البحث الأكاديمي والكتابة الإبداعية بحصوله على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة السوربون بإشراف الأساتذة محمد أركون وجمال الدين بنشيخ وجاك لينهارت ، وصدور روايات عطرة هي على التوالي :"زمن بين الولادة والحلم(1976)"،"وردة للوقت المغربي ( 1983)"، و"الجنازة (1987)". بهذا المسار، زاوج المديني بين البحث الأكاديمي والكتابة الإبداعية فاقت مُحصلتها الخمسين كتابا تأليفا وترجمة، وهي محصلة تنتصر،في المجمل، لقيم الحداثة والأدب الحديث، وتطلعات مثقف ملتزم بقضايا الوطن ومشاعر الإنسان في توقه نحو التحرّر والتنوير. بهذا لا ينتصر المديني فيما ينشره بين الناس إلا لجديد الأداء متخذا من التجريب الخلاق سبيلا لتأسيس مشروع في كتابة الأدب يغالب اليأس ويحتفل بالأمل والبهجة والحلم. وأضاف أنه مع أحمد المديني تصحّ هذه المعادلة: لكيْ تكتب بطريقة جيدة ومبتكرة، عليك أن تقرأ أبلغ الكتبِ وأمهات الأعمال الخالدات؛ والمديني قارئ نبيه للأدب الرفيع والجميل ، يسّرت له الإقامةُ بين الضفتين وضعا مريحا للتأمل والتفكّر في الأدب من أجل محاولة الإمساك بأسرار الحياة، والكينونات وتحويلها إلى ثريات تضيء المعتم في العلاقة وتعقيدات الواقع . وأنهى شهادته بالقول: "نصيبي من أحمد المديني إحساسٌ قوي بصفاء الكلمة وروحانية العبارة السردية لقُربها من العبارة الشعرية؛ القصة عنده قصيدة، والقصيدة قصة". لم تمر المناسبة دون تدخل كتاب وشعراء أصدقاء للمحتفى به كان على رأسهم الناقد سعيد يقطين الذي أكد على الجانب اللغوي في أدب أحمد المديني، والشاعر والروائي محمد الأشعري الذي قال إن المديني دائم التوتر لأنه رأى جثة الشهيد عمر بنجلون، وجريدة المحرر وهي تهرب، وتحتل مقرها الشرطة. والكاتب والمعجمي عبد الغني أبو العزم الذي قال إن المديني جعله بطلا من أبطال روايتيه رجال ظهر المهراز" و"المخدوعون"، والناقد أحمد الطريسي أعراب الذي ذكر بالصداقة الخالدة التي تجمعه بالمحتفى به. وأيضا الأستاذ محمد بوخزار الذي قال إنه شديد الإعجاب بما يكتبه المديني.