نموذج بيداغوجي في الحرب الإعلامية! *** «وسائل الإعلام تستعمل كمكبرات صوت للتهديدات» جاك أطالي *** خبر صغير نشرته وكالة الأنباء المغربية »(لاماب)« وضع حدا لسيل من الكتابات عن وجود أزمة بين المغرب وروسيا، توصف حينا بأنها صامتة وأحيانا كثيرة بأنها موشكة على الانفجار! الخبر الذي ننشره في الصفحة الثانية حرفيا، يتحدث عن انعقاد قريب للاجتماع الثامن للجنة المغربية الروسية المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني، بعد مباحثات جرت، أول أمس الخميس، بين الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي للشرق الأوسط ودول إفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وسفير المغرب في موسكو لطفي بوشعرة. وأهم شيء أن المصدر ليس مغربيا، بل هو وزارة الشؤون الخارجية الروسية وأنه تم «خلال هذا اللقاء بحث قضايا راهنة تهم تطوير العلاقات الروسية المغربية الودية تقليديا بما في ذلك تنظيم، في أقرب الآجال بموسكو، الاجتماع الثامن للجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني». ولعل أهم شيء ورد في بيان الخارجية الروسية هو التنصيص على أن المسؤولين المغربي والروسي السيدين بوغدانوف وبوشعرة «أعربا عن استغرابهما الشديد من المعلومات التي لا أساس لها من الصحة التي نشرتها بعض وسائل الإعلام حول برود مزعوم في العلاقات بين موسكو والرباط، مؤكدين أن التعاون الروسي-المغربي متعدد الأوجه والمفيد للطرفين يتطور بشكل دينامي، ويبرز الدور النشط الذي يضطلع به في هذا العمل المشترك السفير الروسي في المغرب، فاليريان شوفايف». لعل في هذا الدرس تعريف جيد للحروب الإعلامية التي قد تسايرها الصحافة الوطنية عن حسن نية أو عن تساهل. وعندما ننظر إلى عناصر» الأزمة المفتعلة بيننا وبين روسيا نجد أنها ركزت، كما فعلت الكثير من المنابر، العربية وغير العربية، ومن بينها بعض المنابر المحترمة، على تواجد قوات «فاغنر» القريبة من موسكو، وتسليح الجزائر، وتأجيل القمة العربية الروسية(!) وسفر السفير الروسي إلى بلده وتعليق الرحلات الجوية وغير ذلك من التأثيث الدرامي للعلاقات المغربية الروسية. طبيعة هذه العلاقات وتنشيطها واندراج أهدافها ضمن عقيدة ديبلوماسية جديدة تتولى تنويع الشراكات الاستراتيجية، قد تكون موضوع كتابة قادمة، لكن المهم في هذه المرحلة هو طبيعة التعاون في تنشيط الحرب الإعلامية ضد المغرب من زاوية علاقاته الروسية. لقد سبق لجريدتنا أن كتبت، قبل ثلاثة أيام، فقط، بأن المصادر الرفيعة في المغرب تنفي وجود هذه الأزمة بل أعطتها الاسم الذي يجب أن تتسمى به، وهو مظهر من مظاهر الحرب الإعلامية. وتم تطعيم هذه الأزمة بأشياء تكاد تكون مأساوية، بالحديث عن تخطيط مسبق من موسكو باستعمال مليشيات «فاغنر» في الصحراء، وتطوير الجيش الجزائري ، كما لو أن العالم لا يعلم طبيعة العلاقات بين موسكووالجزائر منذ المعسكر الشرقي (والحقيقة أن روسيا تجاوزت الثقافة الساسية للمعسكر الشرقي، الذي تعتبر الجزائر هي آخر قلاعه مع كوريا الرفيق كيم).... ولعل الحرب نسيتْ أقلامُها مطالع الزيارة الهامة والاستراتيجية التي قام بها عاهل البلاد إلى روسيا، سنة 2016، وتغافلت عن سبق أصرار وترصد، عن مقومات التعاون الثنائي بما في ذلك الجانب العسكري نفسه، وعن تنويع المغرب، في هذا الباب، لمصادر التسليح… بيان الخارجية هو الذي تولى الرد على كل عناصر الأزمة المفتعلة، سواء ما تعلق بالسفير أو بالبرود الديبلوماسي أوغيره. أسقطت المقالات التي تولت تأجيج أزمة غير موجودة، كون روسيا دولة عظمى، تملك الطرق والأساليب والوسال لتعلن عن أي برود ديبلوماسي أو سوء فهم، كما هو حال المغرب الذي لم يتردد في أن يعلن القطائع والمواقف الحادة مع دولة لا تقل قوة عن روسيا. ويمكن، بناء على هذا، أن نقول إن الحديث عن الأزمة يدخل، بشكل كبير، في خانة التفكير المؤامراتي، ذلك التفكير الذي يعتبر أن ظاهر الأشياء ليس هو باطنها، ويعتبر أن تأويلاته أوحتى تخرصاته واستشباحاته، هي حقيقة ما يقع، وليس من الضروري أن يملك المتابع عقلا انشتاينيا لكي يخمن مصدر تسريب الأزمة،هذا المصدر الذي يحاول إيهام العالم بأن المغرب في صراع دائم مع دول العالم الفاعلة، ولا سيما الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.. ومنها روسيا، التي تراوحت مواقفها بين التصويت ضد ما تقدمه أمريكا، وبين مساندة المغرب، حتى ضد أمريكا، كما وقع عند توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان من طرف الإدارة الأمريكية منذ سبع أو ثمان سنوات. الحرب الإعلامية في تعريفها هي حرب المعلومة، التي تستعملها الوسائل الصحافية كقناة للنشر والتعميم، والواضح أن العسكريين في الجزائر لا يتورعون في إدماج مبادئ الحرب الإعلامية في مخططاتهم الميدانية والعملياتية،» وهيكلة العالم في شبكة كثيفة من وسائل الإعلام والاتصال»، ويمكن أن تنطلي الأكاذيب على بعضنا، والحرب الإعلامية نموذج للأكذوبة التي يمكن أن تقتل. في التدبير الإعلامي للنزاعات، يحسن بنا دوما أن نستحضر الخصم الأول، بناء على سؤال البوليسي الباحث في الجريمة: من من مصلحته وقوع هذا الجرم، أو نشر هذا الخبر ؟ وهنا يصبح الجنرال هو الصحافي في حالة المغرب والجزائر، التي تعتبر نفسها الناطق باسم روسيا في غرب المتوسط…