غريب أمر عسكر الجزائر وعجيب، لا أعتقد وجود نظير لهم على وجه الأرض لا حاضرا ولا تاريخا. أكثر من خمسة وأربعين سنة، وهمْ لا هَمّ لهم ولا شغل يشغلهم، غير مناكفة المغرب على أرضه، و زرع الألغام لإعاقته عن تحقيق تنميته الاقتصادية والسياسية تحرجهم أمام الشعب الجزائري الشقيق، و سعيهم بكل الوسائل للمس بوحدته الترابية، و إصرارهم على زعزعة أمنه و استقراره نهارا جهارا. هل يخفى على أبسط متتبع ما تقدمه دبلوماسية العسكر الجزائري للبوليساريو، لدرجة يصعب التمييز، هل هي خارجية للجزائر أم خارجية لجبهة الانفصال. فما من تحرك لدبلوماسيتهم، إلا وورقة أقاليمنا الجنوبية تشكل أولى أولوياتها على جدول أعمالها، مهما كان محور اللقاء إقليميا أو دوليا، إذ يستحيل أن تخلو كلمة ممثلها دون الإساءة للمغرب، حتى لو كان موضوع اللقاء الاحتباس الحراري. بمنطق وسقطت الطائرة، لا بد أن يطرح ممثل الجزائر الاسطوانة المشروخة "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره". العالم كله في ظل جائحة كورونا منشغل بالبحث في سبل توفير اللقاح لشعوبها، كان المغرب رائدا في التعامل معها، سواء من خلال الحجر الصحي الذي فرضه في بداية انتشارها، أو السعي إلى توفير اللقاح للمواطنين بالمجان، وصولا إلى إنتاجه في غضون أشهر على أكثر تقدير. وزيرهم لعمامرة العائد إلى الخارجية، لم يجد ما يدشن به عودته غير النيل من المغرب وتأكيده على عقيدة الكيد والعداء له، و وقوف الجزائر مع جبهة الانفصال في حق تقرير مصيرها. فما كان من ممثل المغرب الدائم لدى الأممالمتحدة، إلا أن يوزع مذكرة يشرح فيها موقف المغرب من مجموعة من القضايا، من ضمنها حق تقرير مصير شعب القبايل. على الأقل هذا الشعب يؤهله عدد سكانه أكثر من ثمانية ملايين نسمة، وله حدود جغرافية، فضلا عن تاريخ بآلاف السنين، كلها عوامل أساسية لمقومات الدول، ليطالب بحقه في تقرير مصيره، مقارنة بالشعب المزعوم، فلا أرض له ومن تم لا حدود له، ولا عدد السكان، فهو في أحسن الأحوال يتم الحديث عن مائة ألف بمن فيهم المرتزقة من بلدان أخرى، فضلا عن انعدام عنصر التاريخ، فأين كان هذا الشعب الصحراوي قبل سبعينيات القرن الفائت؟ أما القبايل فعلاوة عما سبق، إنه بمقاطعته لكل أشكال الانتخابات؛ الرئاسية والدستور و التشريعية، فهو يؤكد على مطلبه بتمكينه من حق تقرير مصيره. فالمغرب لم يقم أكثر من تذكير عسكر الجزائر، بأنه إذا كان من شعب أولى بحق تقرير مصيره هو هذا الشعب. إن له حكومة في المنفى ناطقة باسمه، ويجمع على أن لا علاقة تربطه بالجزائر من خلال مقاطعته لكل الاستحقاقات الانتخابية. قامت قيامة العسكر ولم تقعد وسخروا كل أبواقهم الإعلامية وأحزابهم المشاركة في هضم حقوق الشعب الجزائري الشقيق، واستدعوا سفيرهم بالرباط، وأصدروا بيانا شديد اللهجة يعلنون فيه بأن المغرب تجاوز كل الخطوط الحمراء، وأن ما قام به خروج عن الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وأنها تدين بشدة هذا الانحراف الخطير، علما أن المغرب لم يفتح لا مكتبا للقبايل على أرضه، ولا مكنهم من إعلامه ليجعلوه منصة لإطلاق حملة ضد العسكر، ولا مول حكومة المنفى، ولا سلحها، ولا سخر كل إمكانيات دبلوماسيته ليجعلها تحت إمرة ممثليهم عبر دول العالم. إنه لم يفعل أي شيء من هذا ولا ذاك، مما دأب عسكر الجزائر لمدة ستة وأربعين سنة فعله، ولا شيء في الأفق يؤشر على تراجعهم عن حقدهم وعدائهم. فهل هناك دولة في العالم، يمكن أن تتحمل ما تحمله المغرب من جاره كل هذه العقود، لم يذخر وسعا للكيد له، والإمعان في الإضرار بمصالحه، والإساءة إلى رموزه السيادية وإلى شعبه و حكومته؟