في ظل مواصلة «الحرب» ضد تفشي فيروس كورونا، وما تستدعيه من إجراءات وقائية صارمة، كالحد من التجمعات ومنع الحفلات العائلية والحفاظ على مسافات التباعد الاجتماعي…، استقبلت أقاليم الجهات الجنوبية الثلاث شهر رمضان، الذي يتسم بطقوس استثنائية لا تعرفها باقي الشهور. ولأن عموم المغاربة يطبعهم طابع الالتزام والتقيد بتعاليم الدين الإسلامي على المذهب المالكي والطريقة الأشعرية ، فإن رمضان بالنسبة لهم يعد فرصة نادرة وبابا مفتوحا للمبادرة إلى الطاعات وأعمال الخير ، خاصة في هذه الفترة الحرجة التي لعبت خلالها وسائل الاعلام دورا بارزا في إيصال صوت المختصين، تعليما وتوجيها وإرشادا خلال الشهر الكريم. ورغم التطور العلمي الذي عرفته مختلف وسائل الاتصال فإن ساكنة الصحراء تتمسك بتقاليد متوارثة ، تنطلق عند مغيب شمس آخر يوم من شهر شعبان، حيث تتطلع الأنظار نحو الأفق الغربي لعلها تحظى برؤية هلال الشهر الفضيل، لتبتهل، بكل خشوع وإيمان، بدعاء الخير والتبرك بفضائله وعقد النية لصيامه وإحياء لياليه بالذكر والابتهال والتصدق على الفقراء والمعوزين. وتبقى الاستعدادات المادية جد عادية بالنسبة للأغلبية الساحقة من ساكنة الأقاليم الصحراوية ، حيث مازالت تحافظ على ثقافتها وتقاليدها ونمط عيشها في هذا الشهر المبارك، وبالمقابل نجد أسرا أخرى أصبحت، بحكم التمدن والتحديث الاجتماعي الذي عرفه المجتمع الحساني بالأقاليم الصحراوية، تساير هذا التطور في تقديم وجبتي الفطور والسحور بشكل لا يختلف عن باقي المناطق الشمالية من المملكة. ومن بين العادات المنتشرة بهذه الربوع، لاسيما بعد صلاة العصر، تواجد بعض الرجال هنا وهناك، خاصة بجانب ملعب مولاي رشيد، في شكل حلقات، يجلسون القرفصاء أو يفترشون الحصير لمزاولة لعبة الضومينو الاسبانية، في انتظار موعد الإفطار، ليتم تعيين عشاء التناوب بمنزل أحد أفراد هذه الجماعة أو تلك، بالإضافة إلى لعبة «ظامَة» وهي عبارة عن رقعة من الرمال لاتتعدى مساحتها 50 سنتمترا تتواجد بها 80 حفرة صغيرة، حيث يلعب متباريان بخشيبات وأقراص صغيرة وتحيط بهما مجموعة من المتفرجين ومقدمي النصائح، مع ما يرافق ذلك من تعليقات ساخرة يحاول بها كل طرف إثارة أعصاب الطرف الآخر في جو يسوده المرح والفرجة. وفي هذا الوقت تنهمك النسوة في إعداد وجبة الفطور المتكونة من حساء دقيق الشعير «المَكُلي» أو العادي والتمر ولبن النوق والشاي ومن سنام وكبد الإبل المشوي «أفَشَايْ» في الفرن أو على الفحم أو المطبوخ في الماء من دون ملح أو توابل. ومن بين أهم الألعاب المنتشرة الخاصة بالنساء لعبة «السِّيكْ» الذهنية، حيث تتطوع إحدى السيدات، قبل البدء في هذه اللعبة، بالتحضير لإعداد مشروب الشاي بطقوسه وبجيماته الثلاث: أجمر، أجماعة، والجر، بمعنى الفحم المشتعل، والحوار والمناقشة في مواضيع مفيدة ومسلية طيلة مدة إعداد الشاي، حيث تصل في بعض الحالات إلى أكثر من أربع ساعات لشرب ثلاث كؤوس ساخنة وصغيرة جدا من الشاي بقليل من السكر و من دون نعناع. وتتم لعبة «السيك» بسبع خشيبات يقارب طولها 30 سم ولكل واحدة اسم معين «السِّيكٌا – لَرْبْعَ – البَكْرَ- الفَرْوَ»، وتلعب هذه اللعبة جلوسا بين سيدتين فما فوق في شكل دائري والفريق المنهزم ينسحب ويترك مكانه لفريق جديد، وهكذا دواليك. وتنظم هذه الألعاب في منزل إحدى السيدات المتنافسات بشكل التناوب المعروف ب «اسْويرْتي» لتختتم بحفل عشاء يتشكل من الأرز ولحم الإبل ولبن النوق أو البقر قبل موعد وجبة السحور المهيأة من دقيق الشعير»المَكُلي» والماء الساخن «الدهن» زبدة الماعز والعسل، وفي حالة عدم وجودهما يتم تعويضهما بالزبدة البلدية أو زيت الزيتون، وتسمى هذه الأكلة ب «بُولغْمانْ»، بالإضافة إلى اللبن والشاي. وتستمر هذه العادات والتقاليد الرمضانية إلى ماقبل ليلة القدر لإحياء هذه الليلة المباركة والاستعداد لعيد الفطر. ويتميز ليل الصحراء، بشكل عام، بالرطوبة المعتدلة وهبوب الرياح، خاصة حين تكون درجات حرارة النهار جد مرتفعة. لكن الإجراءات الوقائية ضد انتشار جائحة كورونا، ضمنها فرض الحظر الليلي، جعل أهم ساحات وشوارع المدينة ك «محج محمد السادس» وشارع مكة وساحة المشور وشارع إدريس الأول وشارع القيروان و فضاءات أخرى، تعيش على إيقاع انعدام الحركة، خلافا لما تتميز به ليالي رمضان في الظروف العادية لا الاستثنائية.