تحت شعار «حماية الطفل مسؤوليتنا»، احتضن فضاء تكوين وتنشيط النسيج الجمعوي بوجدة، مؤخرا، مائدة مستديرة حول موضوع «التحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال: أية مقاربة لحمايتهم»، نظمتها الشبكة الجمعوية فرح لدعم العمل الاجتماعي والإنساني بتعاون مع لجنة الطفل بفضاء النسيج الجمعوي، وتناولت الموضوع من مقاربات طبية، قانونية، اجتماعية ودينية أطرها مختصون في القانون والطب النفسي والعمل الاجتماعي، بحضور عدد من المهتمين وفق ما تسمح به الإجراءات الاحترازية المتخذة في ظل جائحة كوفيد 19. مدير فضاء النسيج الجمعوي سمير بنعيادة، أكد أن اللقاء أرضية لانطلاق حملة تحسيسية واسعة ستشمل مجموعة من المؤسسات التعليمية والمراكز الاجتماعية بوجدة، بغية المساهمة في تحسيس وتوعية التلاميذ والأطفال بضرورة توخي الحيطة والحذر مخافة أن يتعرضوا لجريمة التحرش والاعتداء الجنسي عليهم، لافتا إلى ضرورة تضافر جهود كل الفاعلين للتوعية بهذه الظاهرة «التي أصبحت تشغل بال الآباء والأمهات خوفا على فلذات أكبادهم، وتستأثر باهتمام الرأي العام والمجتمع ككل نظرا لما أصبحنا نسمعه ونتابعه عبر وسائل الإعلام من جرائم فظيعة في حق الأطفال». وأبرز الدكتور عبد المجيد كمي، طبيب أخصائي في الأمراض العقلية والنفسية ، الآثار النفسية التي يخلفها التحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال، مشيرا إلى أن العديد من الضحايا لا يبوحون بما تعرضوا إليه إلا في سن متقدم إما خوفا من «الفضيحة» أو لكون المعتدي من داخل الأسرة، مذكرا بأن 40% من الضحايا -حسب إحصائيات عالمية- تعرضوا للاعتداء داخل المحيط الأسري (الخال، العم، الأخ، الجار، الخادم…)، متوقفا عند «البيدوفيليا» ، موضحا أنها تصنف ضمن الاضطرابات النفسية التي تتطلب علاجا، مستعرضا أنواعها، مبرزا بأن 50%، حسب الإحصائيات العالمية، «غير مرتاحين لأنهم يحسون بأن أفعالهم هذه غير مقبولة اجتماعيا ولا أخلاقيا ،» ومع ذلك نادرا ما يأتي البيدوفيل إلى الطبيب من أجل العلاج»… من جهته أوضح خالد الخراجي، نائب وكيل الملك بابتدائية وجدة، المسؤول عن الخلية المحلية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، أن الاعتداء الجنسي على الأطفال «أصبح اليوم من الجرائم التي تلفت الانتباه بشدة»، مشيرا إلى أن بعض التقارير تعتبر المغرب «بلدا خصبا لظاهرة استغلال الأطفال سواء في خدمة البيوت أو في الجنس»، وأن «أغلب ضحايا الاعتداء الجنسي هم أطفال دون العاشرة من العمر، وأن 75 % من المعتدين هم من أقارب الطفل»، لافتا إلى «أن الانحراف الجنسي من الأسباب الأساسية وراء جريمة الاعتداء الجنسي على الأطفال، و»تبقى هذه الأخيرة من الجرائم المسكوت عنها، لذلك باتت الإحصائيات حولها غير دقيقة، فهي تعتمد الشكايات الواردة من أسر الضحايا لكن ما خفي أعظم»، مضيفا بأن «حالات التصالح بين الجاني وأولياء الضحية وما يقع من تنازلات عن الشكاية لأسباب اقتصادية واجتماعية وخوف أهل الضحية من الفضيحة والعار، يجعل العدد الحقيقي لحالات الاعتداء الجنسي غير محدد بدقة»، مع الإشارة إلى «أن التنازل والتصالح يشجع الفاعل على الاستمرار في فعلته لعدم ردعه» ، مؤكدا على أهمية» العمل التحسيسي والتربوي لتوفير الوقاية الذاتية للطفل حتى لا يكون سهل المنال ، فإذا علمنا أطفالنا كيفية التعامل مع هذه الظاهرة ومع كل فعل من هذا النوع، سواء كان الفاعل أجنبيا أو شخصا ينتمي إلى الأسرة أو الجوار، فسنساهم في التقليص من هذه الظاهرة، مما يفرض مقاربة شمولية تتضافر فيها جهود جميع الفعاليات المجتمعية، لمحاربة هذه الجريمة». الدكتورة نزهة جعادة رئيسة جمعية وجدة عين الغزال 2000، تناولت «دور المجتمع المدني في مناهضة التحرش الجنسي ضد الأطفال»، عبر التعريف ب «التحرش الجنسي وماهية التحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال وعلاقته بالبيدوفيليا والأشكال التي يتخذها هذا الفعل الشنيع ومكان وقوعه، ومن هو المتحرش، زيادة على ماهية التحرش الجنسي من الناحية القانونية… مقدمة نماذج لطفلات كن ضحايا اعتداءات جنسية، ودور الجمعية في التكفل الاجتماعي بهن، قبل أن تخلص إلى مجموعة من التوصيات من ضمنها «مراجعة الخطط والبرامج الحكومية الخاصة بتوفير حماية فعلية للأطفال كحق مكفول دستوريا، المراهنة على التطبيق الفعلي لمقتضيات القانون الخاص بمحاربة العنف ضد النساء 13.103 في ما يخص التحرش الجنسي كجريمة معاقب عليها، تعزيز التشبيك والتنسيق بين الجهات الحكومية وغير الحكومية لتجويد الخدمات المقدمة للأطفال الضحايا ، تكثيف حملات التوعية والتحسيس بمخاطر التحرش الجنسي ضد الأطفال ، الترافع من أجل تشديد العقوبة ضد مرتكبي الاعتداءات الجنسية في حق الطفولة مع إدماج التربية الجنسية في المناهج التعليمية والتربوية ووضع حد للقوالب النمطية التي تكرس مثل هذه الطابوهات والمواقف الاجتماعية وتوفير العلاج والتأهيل النفسي للمعنف مع المواكبة المستمرة». وتطرقت فوزية الشاوي، المسؤولة عن خلية الصحة المكلفة بالنساء والأطفال ضحايا العنف بالمركز الاستشفائي الجهوي الفارابي بوجدة، إلى دور الخلية التي تقوم باستقبال الأطفال ضحايا العنف بأنواعه (جنسي، جسدي، نفسي) والاستماع إليهم، لافتة إلى أن الطفل المعنف جنسيا غالبا ما يكون تعرض لاعتداء جسدي أيضا «وهذا الاعتداء الجسدي يتطلب منهم كوحدة داخل المستشفى القيام بمرافقته في عدة مرافق سواء على مستوى الأشعة أو السكانير وفي المجمع الجراحي أيضا بالنسبة لبعض الحالات، قبل المرور إلى الكشف الجنسي الذي يقوم به طبيب الخلية ويقدم تقريرا حول الحالة مع شهادة طبية تسلم للضحية ليأخذها إلى وكيل الملك أو دوائر الشرطة أو الدرك»، مذكرة ببعض «الإكراهات كالخصاص في الموارد البشرية وخاصة الأطباء النفسانيين»، مؤكدة على «ضرورة تكثيف الجهود من أجل التكفل النفسي بالأطفال المعنفين جنسيا، وتجاوز إكراه طلب الشهود في قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال بإعادة النظر في مجموعة من القوانين وتفعيلها… نحن نقوم بعمل كبير وعندما تصل القضية إلى القضاء يحكم بتبرئة المعتدي»؟ عبد القادر بطار، أستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة خريج دار الحديث الحسنية بالرباط، تناول موضوع «العقوبات الزاجرة وسيلة لضمان حياة كريمة»، مبرزا بأن «الحكم الشرعي في الأفعال الإجرامية ذات الدوافع الجنسية التي أصبحت تقض مجتمعاتنا، «شيء معلوم في الشريعة الإسلامية، فقد تعرض القرآن الكريم لبيان أحكام العقوبات الزاجرة على الجرائم، فتعرض لبيان أصل عام لفلسفة العقاب في الشريعة الإسلامية، وهو القصاص، الذي أساسه المساواة بين الجريمة والعقاب»، مشيرا إلى أن القصاص نوعان، «قصاص صورة ومعنى، وهو أن تكون العقوبة من جنس الجريمة، وقصاص معنى فقط وهو الدية»، لافتا إلى «أن الدين الإسلامي الحنيف قد اتجه في مجال العقوبات إلى تحقيق أربعة مقاصد هي «المحافظة على النفوس والعقول والأديان والأموال والنسل…»، ومن ثم « فهو لا ينظر إلى العقوبات على أنها انتقام من المجرم، ولكنه يعتبرها وسيلة للزجر وصيانة لحياة الأفراد وضمان استقرار العمران الإنساني، وهذا المقصد الشرعي الشريف هو الذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون»». واختتمت المائدة المستديرة بمداخلة حقوقية للأستاذ عبد لله بن جبارة المحامي بهيئة وجدة، قدم فيها ملاحظات حول قانون محاربة العنف ضد النساء 103.13، خاصة الشق المتعلق بتجريم التحرش الجنسي.