خلال تنصيب ترامب.. سفير المغرب بواشنطن يؤكد متانة التحالف التاريخي مع أمريكا    وزارة الاقتصاد: "التسوية الضريبية الطوعية" ساهمت في خفض نسبة عجز الميزانية    نسبة الملء بالسدود الفلاحية تبلغ حاليا 26 في المائة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    في يوم تنصيبه.. ترامب يوقع على 100 أمر تنفيذي    الأمم المتحدة.. المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ويأمل في إطلاق مسلسل حقيقي للسلام في الشرق الأوسط    شُبهت بالتحية النازية.. إشارة يد ماسك خلال تنصيب ترامب تثير الجدل    ترامب: لست واثقا من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    طقس بارد في توقعات اليوم الثلاثاء    كيوسك الثلاثاء | الحكومة تفتح الطريق أمام "TGV" عبر نزع ملكية 21 قطعة أرضية    إيقاف ثلاثة أشخاص لارتباطهم بالهجرة السرية بالحسيمة    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المغرب يطالب باحترام هدنة غزة    أمريكا وطالبان تبرمان "صفقة سجناء"    الحكومة تعلن عزمها توظيف 1840 عونا إداريا ناطقا بالأمازيغية هذا العام    ترامب يقيل 4 مسؤولين حكوميين    ترامب يأمر بالانسحاب من اتفاقية باريس    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    اختتام ملتقى الدراسات بالخارج وممثلو الجامعات والمعاهد.. يؤكدون نجاح الدورة الثالثة    ياسين العرود: قائدٌ واعدٌ لرؤية اقتصادية جديدة في شمال المغرب    روبيو وزيرا لخارجية الولايات المتحدة    عجز الميزانية يواصل "المنحى التنازلي"    أخنوش يترأس افتتاح مصنع جديد لمجموعة ليوني    توقيع بروتوكول لإنشاء ميناء جاف بأكادير لتعزيز البنية اللوجستية بجهة سوس ماسة    باكستان تبحث تعزيز التعاون الأمني مع المغرب في مكافحة الإرهاب    العمراني يحضر حفل تنصيب ترامب    الوالي التازي: "أمانديس" ستواصل خدماتها إلى نهاية 2026.. والشركة الجهوية تبدأ التدبير التدريجي ابتداءً من 2025    بريد المغرب يعزز دوره كرائد في الثقة الرقمية بالمغرب بحصوله على اعتماد من المديرية العامة لأمن نظم المعلومات    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" بستايل رومانسي رفقة سكينة كلامور    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    حموشي يستقبل المفتش العام للشرطة بالنيابة بوزارة الداخلية لباكستان    اتحاد نسائي: تعديلات المدونة مخيبة    موعد رحيل "مكتب هالا" عن الرجاء    الناظور تحتضن بطولة للملاكمة تجمع الرياضة والثقافة في احتفال بالسنة الأمازيغية    مأساة مؤلمة: رضيع اليوتيوبر "عبير" يلحق بوالدته بعد عشرة أيام فقط من وفاتها    الوزير بنسعيد يعلن عن تعميم خدمات جواز الشباب على الصعيد الوطني    إعادة انتخاب فلورينتينو بيريس رئيسا لريال مدريد    الكشف عن عرض فيلم اللؤلؤة السوداء للمخرج أيوب قنير    الأرصاد الجوية تحذر من رياح قوية    إضراب الأطباء بالمستشفى الحسني بالناظور لمدة 5 أيام    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. 116 وفاة و25 ألف إصابة ودعوات لتحرك عاجل    أغنية «ولاء» للفنان عبد الله الراني ..صوت الصحراء ينطق بالإيقاع والكلمات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    المنتج عبد الحق مبشور في ذمة الله    نهضة بركان تنهي دور المجموعات باكتساح شباك ستيلينبوش بخماسية نظيفة    ابتسام الجرايدي تتألق في الدوري السعودي للسيدات وتدخل التشكيلة المثالية للجولة 11    تنظيم أول دورة من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش    أنت تسأل وغزة تجيب..    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    منها ذهبية واحدة.. جيدو المغرب يحرز 11 ميدالية    إبداع النساء المغربيات في أطباق البسطيلة المغربية يبهر العالم    فريق كوري يبتكر شبكة عصبية لقراءة نوايا البشر من موجات الدماغ    إسدال الستار على فعاليات الدورة ال3 من المهرجان المغربي للموسيقى الأندلسية    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في لوحة التشكيلية المغربية سمية الدليمي:


المرئي واللامرئي الذي لا يخلو من شاعرية

نقف عند هذه اللوحة ونحن نستحضر تجربة صاحبتها التشكيلية سمية الدليمي، الدكتورة والأستاذة الجامعية بكلية الحقوق بالدار البيضاء.
بدأ عشق هذه الفنانة العصامية للرسم وشغفها بهذا الفن الراقي منذ الصغر. لطالما نقلت وهي طفلة تلك الصور الجميلة التي كانت تزين كتبها المدرسية على الأوراق وفي كراساتها ودفاترها.حين كبرت، كبر معها طموحها، وأضحت بعد مسار ليس بقصير من الوجوه البارزة في مجال التشكيل، حيث توقف عند أعمالها العديد من النقاد والمهتمين لما تتسم به من منحى تشكيلي رفيع، يبعث على التأمل، ويدعو إلى اختراق عالم يجمع بين المرئي واللامرئي. فيه شيء من الخصوصية والحميمية، لكنه يبتعد عن الغرابة ، مفعم بأسرار وتوليفات تفور من حرارة الألوان ، حبلى بأشكال لا تخرج عن المألوف ، تعمل بواسطتها على مخاطبة الوجدان ، ولذلك تجدها لا ترسم فقط ولكن تنقش لوحاتها أيضا وبجرأة كبيرة لتطبعها بصبغة خاصة، تنم عن قوة شخصيتها وصدق مشاعرها التي تلقي بها على قطع القماش عبر ألوان فاتحة وغير باهتة، تصنع التوهج وتأخذ أعيننا لتسافر بها دون أي استعراض أو جنوح إلى عالمها، حيث الحلم والحقيقة يلتقيان بواسطة خيط رفيع تم نسجه بواسطة ألوان مستقاة من الطبيعة، تحضر بكثافة في بعض الأحيان، وتتدفق كالسيل فتملأ الفراغات، وتعكس كل ما يدور في خلد فنانة رقيقة ومثقفة، تحرص على التعبير بتلقائية عن رفضها للإطار النمطي الضيق الذي تحصر داخله المرأة المغربية، ولذلك غالبا ما تكون رسوماتها عبارة عن تعبير صريح بلمسة فنية، تمتزج فيها الواقعية بالتجريد عن وضعية المرأة بالمغرب، بعيدة عن الغموض ولبس قد يخلقه الغلو في توظيف الرموز،فجاءت هذه اللوحة بسيطة وبالواضح، غير مشفرة لكي لا تترك المتلقي في حيرة وهو ينظر إلى سيدة ، تأخذ حيزا مهما في الوسط ، بلباس منسجم مع جسد لا يزال في ريعان شبابه ، يبدو في عنفوانه ولم يترهل بعد ، يظهر بالكامل إلا من جهة الساقين اللتين تعاملت معهما بكثير من التحايل ، تفاديا للإثارة ولو أنهما مرتبطتان فقط بالحركة، وتمثلان في لغة الجسد السيطرة على النفس والتأقلم مع وضعية تبدو من خلالها وكأنها تخطو بحذر وهي تنظر إلى اليسار حيث المجهول، لا تريد أن تواجهنا وكأنها لم تعد تتحمل المزيد من عالمنا الخشن. تمسك بيدها اليسرى قنديلا متقدا، غير خافت ، يأتي منه ضوء فيغمر صدرها الذي يشير إلى الأمومة ويسقط على أجزاء أخرى معينة ومهمة من جسدها لإخراجها من العتمة. فالقنديل يربط الماضي بالحاضر،أما نوره فتذكير مرئي بالانتصار المحتمل على الظلام، مما يفرض على المشاهد أن يراه بنظرة استشراقية.لاينظر فقط إلى حاضره بل أيضا إلى جزء من مستقبله، ويسابق الزمن قبل أن ينطفئ ويحل ظلام دامس سيؤرق لا محالة هذه المرأة التي تسحب بيدها اليمنى جزءا من فستانها إلى الأعلى لكي لا يعرقل سيرها، يدل على أنها ليست بعسراء، تدمج كل أحاسيسها الإيجابية في الجانب الأيسر من جسمها.وهذا الانسجام في الإيماءات هو الذي يمنحها أناقة، فضلا عن شعر طبيعي، ليس بقصير، فضفاض لكنه معقود بقطعة ثوب لكبح جماحه ، يأخذ لونه من الحناء، يستمد هالته وأصالته من هذه الخامة، التي تعتبر رفيقة المرأة في جميع المناسبات الاجتماعية، فهي بمثابة الأصل الذي تعود إليه لتمنحها التميز والتفوق على الغير، وتزيح ما يتركه الأسود الحاضر بقوة من قتامة وبشاعة، وتضفي البهجة على فضاء أرادته الفنانة أن يكون بدون عناصر متعددة لتفادي ارتباك قد يجعل المتلقي لا ينتبه لما يحيط بالمرأة من جزئيات تصنع الحدث وتسترجع اللحظة تلك.
في هذا العمل بالذات، عملت الفنانة على ترسيخ مثلث وهمي متين،لا يتم رسمه إلا في الأذهان وفي لحظة تأمل،يصعب تفكيكه، يرتكز على ثلاثة أضلع لونية مستقاة من الأزرق والكستنائي والأصفر، يقف في الواجهة ليمتص الصبغة الدامسة المخيمة على الأجواء جراء تلك الخلفية التي تلتحف سوادا كثيفا يمتد على شكل ظلام ،مثبت في مكانه، يصنع ستارا يحجب الأفق، ويوحي بأننا أمام امرأة تعيش واقعا مظلما ولحظات عصيبة، ولكنها تتمسك بالأمل، محتفظة بأناقتها المكتملة باللون الأزرق، لون السماء، الذي يبعث الطمأنينة والهدوء في نفس الإنسان فور النظر إليه، لكن هنا تم توظيفه لرمزيته التي تعرف عند ثقافة شعوب الشرق الأدنى،والمتعلقة بصد الشر،واجتناب العين وإبعاد الشياطين،مما يعطي للوحة بعدين: جمالي، مرتبط بالأنوثة والأناقة وخرافي، ملتصق بالثقافة الشعبية.
رغم بساطة هذه اللوحة،فإنها قوية بعناصرها التي تشكل كتلة ملتصقة بالمكان،لا تبرحه، ولكنها تمتد في الزمن،تنبض بمشاعر، أيقظتها ضربات فرشاة رسامة رقيقة و مقتدرة ، تجسد أفكارا ورؤى بأسلوب يعتمد على استخلاص القيم الجمالية للألوان المشرقة والصافية، ويعمل على الاستغلال الجيد للمساحات الفارغة بطريقة وحشية، مستوحاة من أعمال الفنان الفرنسي هنري ماتيس، لا تتعب العين وتمسح الضبابية عن امرأة ، حرصت المبدعة على طرحها أمامنا كما ترجوها أن تكون، مرفوعة الهامة بزي جميل ومثير، لا تشبه تلك المرأة التي يغلب عليها اليأس والانكسار ، الخاضعة للأمر الواقع الذي ينسيها زينتها بفعل ما تعانيه من ألم التهميش والقهر، ويتركها متخبطة داخل واقع مظلم ، يعكسه العمق، ويترك بصمة سوداوية في تفاصيل لوحة، تتميز بالدقة في توزيع الألوان، تأخذ متانتها الفنية من تشكيل المحاور الأساسية وسط خطين مستقيمين، تم تثبيتهما بطريقة أفقية وفق منظور هندسي لامرئي لا يخلو من شاعرية من خلال توظيف الصباغة الزيتية بخاصيتها وتوزيع عناصر اللوحة بطريقة فنية بديعة داخل الفضاء ، تنم عن مهارة تقوم على الانتباه إلى أدق التفاصيل مما يخلق توازنا بين الكتلة اللونية والشكلية.
وكما هو معروف عند بعض الممارسين الأكفاء، أمثال الناقد والفنان التشكيلي محمد سعود وغيره،فإن أجمل الصور وما يميزها هي تلك التي تحيلنا إلى أسطورة أو قصة أو حدث تاريخي وهو ما نجده غالبا في فن المنمنمات.إذا نظرنا إلى هذه الصورة بإمعان، ستحيلنا بدون شك الى أسطورة ديوجين، صاحب المصباح الشهير» الذي كان يحمله في وضح النهار، يفتش عن إنسان يعمل ويجد ليحقق الحرية ويحسن مستوى الحياة».وهذا هو الشيء اللامرئي الذي يحضر في المخيلة إلى جانب تضاد لوني يمثل الصراع الذي لا يزول في لحظة معينة بين الظلام والنور.
تعلق الأستاذة سمية بالفن التشكيلي، أتاح لها صقل موهبتها وتطوير معارفها وانتقائها لعناصر الجمال في إيجاد وتثمين مكونات إطارها الإبداعي الخاص بتيماته المستوحاة غالبا من عالمها النسوي، مما جعل جل أعمالها تتميز بأسلوب، قوامه كثافة اللون، يميل إلى توظيف الخطوط بشكل واضح في منأى عن السريالية والواقعية المفرطة، يزاوج بين ما هو حسي وشعوري، تختزله لوحة تتمتد أمامنا تلقائيا لتكشف عن جانب آخر لامرأة طموحة ترفض أن تبقى بلا إنارة في مكان حالك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.