سؤال التنمية ولماذا كل هذا الاستعصاء؟    الصين: إجمالي حجم الاقتصاد البحري يسجل 1,47 تريليون دولار في 2024    ترامب يعلن إدراج خمس عملات مشفرة في الاحتياطي الاستراتيجي    كرة القدم: كوريا تتقدم بطلب تنظيم كأس آسيا 2031    دوبلانتيس يعزز رقمه العالمي في القفز بالزانة    طقس ممطر في توقعات ثاني أيام رمضان بالمغرب    عامل إقليم الجديدة يعيد الاعتبار إلى شارع النصر ويعزز التدبير المحلي    تسرب غاز البوتان يودي بحياة أم وثلاثة من أبنائها في أول أيام رمضان    قتيل وجرحى في حادث سير بين الحسيمة وتمسمان    يوسف النصيري يرفع رصيده إلى 16 هدفاً بقميص فنربخشة أمام أنطاليا سبور    المغرب ماضٍ في طريقه .. والمغاربة يعرفون جيدًا من معهم ومن ضدهم    مسلسل "معاوية".. هل نحن أمام عمل درامي متقن يعيد قراءة التاريخ بشكل حديث؟    وفاة مأساوية لشاب خلال مباراة رمضانية بطنجة    شابة تقدم على الانتحار نواحي سطات    المغرب نموذج للدول الإفريقية في مجال تربية الأحياء المائية المستدامة    إحباط محاولة تهريب حوالي 26 كيلوغراما من مخدر "الشيرا"    شاهدوا.. الحلقة الأولى من المسلسل الأمازيغي "بويذونان"    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    أصيلة .. تشييع جثمان الوزير الأسبق ورجل الثقافة الراحل محمد بن عيسى    السعودية تتهم إسرائيل ب"ابتزاز غزة"    رئيسة المفوضية الأوروبية تؤكد على ضرورة إعادة تسليح أوروبا "بشكل عاجل"    أسعار اللحوم تتراجع في عدد من المدن المغربية باستثناء الناظور    برقية تهنئة إلى جلالة الملك من المدير العام لمنظمة الإيسيسكو بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك    برشلونة يسحق سوسييداد وينفرد بالصدارة    وكالة بيت مال القدس تطلق كرسي الدراسات المغربية في جامعة القدس    إبنة الحسيمة أمينة لبحر تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة "مشرف جدًا"    بالفيديو: جزائري يفضح مقر الذباب الإلكتروني الذي يحركه تبون    المغرب.. تأسيس شركة عسكرية رائدة جديدة لتصنيع وتطوير المعدات الدفاعية    الهمهمات اللغوية.. أكثر من مجرد أصوات عشوائية    بطولة إسبانيا لكرة القدم .. برشلونة يعود للصدارة بفوزه على سوسييداد (4-0)    المغرب يشهد "ماراثون السينما"    وكالة بيت مال القدس تطلق كرسي الدراسات المغربية في جامعة المدينة    أسعار مرتفعة للأسماك بالسوق المركزي لشفشاون في أول أيام رمضان    الخبير الاقتصادي محمد الشرقي: المغرب يعتمد على نفسه في تمويل المونديال -فيديو-    بوريطة: العلاقات المغربية الألبانية متينة وتاريخية لكنها بحاجة إلى تنشيط آلياتها    مسلسل "رحمة".. رحلة في أعماق الدراما المغربية على MBC5 في رمضان    التنسيق النقابي الصحي يدق ناقوس الخطر ويحذر من شل القطاع    هبوط ناجح لمركبة فضائية أمريكية تابعة لشركة خاصة على سطح القمر    أبرز الترشيحات لجوائز الأوسكار بنسختها السابعة والتسعين    "خليه عندك".. حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة المنتجات ذات الأسعار المرتفعة    90 ثانية لكسر اللاعبين المسلمين صيامهم بالدوري الأسترالي    غلال الفلاحة المغربية تبهر باريس    حجب الثقة يقيل وزير مالية إيران    استطلاع: الألمان يمتنعون عن شراء السيارات الكهربائية    المغرب يراهن على تحقيق 52% من الطاقة المتجددة بحلول 2030 والتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 42%    اتفاق نهائي بين المغرب الفاسي والألماني توميسلاف لقيادة الفريق خلال الفترة المقبلة    "فيفا" يمنح القنوات التليفزيونية حق استغلال الكاميرات الخاصة بالحكام في مونديال الأندية    المغرب والعرش العلوي .. بيعة راسخة ودعاء موصول    "دكاترة العدل" يكرمون الوزير وهبي    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    شبكة صحية تدعو إلى تكثيف الحملات التطعيمية ضد "بوحمرون"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد رويشة: عازف من عمق الحياة

اسمه محمد الهواري، إلا أنه يلقب ب «رويشة»؛ وهو اسم أمازيغي مركب من «روي» وتعني أمزج و«شة» وتدل على شيء (أمزج شيئا)، وقد ولد بمدينة مريرت سنة 1950 في وسط فقير، وقبل أن يتجاوز عمره سنته الأولى، انتقلت به أمه (عائشة بنت مولاي الحنفي) إلى مدينة خنيفرة التي تلقى فيها تعليمه الابتدائي بمدرسة «ديور الشيوخ» حتى سنة1961، حيث سينقطع عن الدراسة بسبب ميله الجارف إلى آلة لوتار التي كان يعشقها حد الجنون؛ ويروى أنه كان، بمعية تلميذ، توجها إلى حلقة والتمس من صاحبها أن يسلمه لوتار ليعزف عليه ؛ وعندما شرع في العزف قال له : «إن مستقبلك في هذه الآلة وليس في المحفظة التي تحمل «.
وبعد أن تنبأ له عميد الأغنية الامازيغية حمو اليزيد بمستقبل واعد في مجال الفن، أعجب بعزفه محمد العلوي (أستاذ التربية البدنية) الذي رافقه إلى القسم الأمازيغي بإذاعة الرباط، وفي سنة 1964 سجل بالدار البيضاء، وعمره 14 سنة، اغنية «بيبي أوسغوي»، ما حفزه على الانخراط في الغناء، وفي إحياء الحفلات والأعراس التي يقيمها سكان خنيفرة وضواحيها؛ وفي سنة 1980 صعد إلى ركح محمد الخامس بالرباط وغنى أغاني أطربت كثيرا الجمهور الذي كان حاضرا بكثافة في ذلك الوقت، ولما ظهرت آلة تشغيل الأسطوانات( التورن ديسك) انتشر اسم محمد رويشه وذاع اسمه ذيوعا لافتا في جميع انحاء المغرب.
ومع ظهور الأشرطة في السبعينيات، تهافتت شركات التسجيل على تسجيل أغانيه التي لاقت إقبالا منقطع النظير، بمختلف المدن والبوادي المغربية، ولم يقتصر حينها محمد رويشة على غناء أغاني أمازيغية فقط؛ بل غنى أغاني عربية مثل : واش المحبوب – مالك هكذا ياليام – اعكب أوا لينغادي – لله يالحمام الغالي – كولي اعلاش نخمم؛ وبذلك استطاع هذا الفنان الألمعي أن يسكن قلوب المغاربة جميعا لأنه لم يتعصب للون غنائي معين والذي يجسد ذلك هو أنه قال في إحدى أغانيه « شلح وعربي حتى يعفو ربي «، وبالاحتكام إلى أغانيه نجد انها استهدفت الطبيعة؛ الإنسان، المرأة؛ الأم؛ الحب ؛ الغربة ؛ التاخي، الفراق ؛ المعاناة ؛ الموت.
كما غنى رويشة عن الشعب الفلسطيني الذي يعيش محنا كثيرة على يد الكيان الصهيوني الغاشم تتمثل في اغتصاب أرضه وبناء المستوطنات وقتل رجاله ونسائه وأطفاله، وثمة اسماء كتبت أغاني ولحنتها وسلمتها لمحمد رويشة ليغنيها، منها الزجال عزالدين أيت خويا ابن الفقيه بن صالح صاحب : ياحرقة من سافر – انساه انساه إلى قدرت تنساه – لاتسولني واش انسيت – الخير كثير واحنا ماليه – ايام الزين هي فين وانا فين – الحب المكتوم – الحباب يالحباب – الغربة مكادوم ياللي ساكن فيها – سافر ولا تسافر – ياعوينات العاشقين، فضلا عن موحى بيبي صاحب: مال الحال ظلام – فات عليك الحال يالغرس – من حين لحين – خاب ظني فيك – الجمرة – حتى همي شكيني.
وهناك ايضا حسين رزقي صاحب: عفاك الهوى هدا علي ؛ ثم هناك عبدالرحيم سلام صاحب :أنا اللي خنتك يالمحبوب ؛ دون إغفال مخزني من افران يدعى نوح صاحب : بين الحقيقة والخيال؛ وهناك أسماء أخرى كانت تكتب له الأغاني الامازيغية كموحى بيبي والعزيز الحسين والطاوس؛ ولم يتم التأكد هل سبق للمرحوم محمد رويشة أن أشار إلى هذه الأسماء، واسماء أخرى، مع الاعتراف بقيمة ابداعاتها ؟!، وقد طور الفنان محمد رويشة آلة لوتار، إذ اقترح على من يصنع الآلات الوترية أن يصنع له آلة كبيرة لكون القديمة صغيرة، مع اضافة وترة رابعة بدل ثلاث اوتار ؛ وأعاد أداء أغاني تراثية في قالب فني جديد عبر نبرة وترية متفردة لاشبيه لها.
وعبر نقر جديد للبندير من لدن ضابطي الإيقاع؛ من الصعب جدا أن تتابع العيون حركات أنامله وهي تلاعب الأوتار صعودا وهبوطا ! وكل من يجالسه يكتشف أنه بسيط ؛ متوضع ؛ هاديء ؛ خجول ؛ قليل الكلام ؛ ولكنه عندما يتكلم يشد من يستمع اليه بكلامه الحكيم ؛ وأثناء العزف تجد أنه يتوحد ويتماهى مع آلته وتحس أن جسده صار جسدا آخر غير الجسد الشاخص أمامك! وقد رافق محمد رويشة فنانون وفنانات كميلود اوحموش ؛ علي ودا ؛ واسو ؛ حسن بويقيفي ؛ أوطلحة ؛ رحو ؛ محمد امزيان؛ الغازي؛ الشريفة ؛رابحة أصكا ؛ التادلوية؛ خديجة؛ الحسنية وآخرين وأخريات من الفنانين والفنانات.
ورغم شهرة الفنان الكبير محمد رويشة، والتي كانت تسمح له بأن يقيم في أي مدينة أخرى بالمغرب يعشقها ؛ إلا أنه ظل متيما ومرتبطا بمدينة خنيفرة ارتباطا وجدانيا قويا لم تزحزحه أبدا الإغراءات ؛ وقد صدح في أغنية له «خنيفرة مانخطاك حتى نموت احداك»، وقد أطرب المغاربة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ؛ كما أطرب المغاربة المقيمين بأرض المهجر حيث تصدح آلته في بيوت المهاجرين وداخل السيارات وهي تسير في شوارع ميلانو وبريشيا وفيرونا وروما وباريس ومارساي ومدريد وبرشلونة والميريا واشبيلية ؛ وعندما يصغي اليه المغتربون يشدهم الحنين الى أرض الوطن فتدمع عيونهم وتحترق قلوبهم شوقا0
وفي زيارة خاصة لمحمد رويشة، صحبة أحمد بوزفور ومصطفى جباري وعبدالرحيم العراقي، وذلك في منزله بخنيفرة ؛ كان الاستقبال بوجه ينضح بشاشة ؛ وأذكر أنه ادخلنا في البداية إلى غرفة عبارة عن متحف فتعرفنا على شواهد تقديرية كثيرة جدا، وميداليات استلمها داخل المغرب وخارجه، وعددها 300ميدالية؛ وفي غرفة بالطابق الثاني مفروشة بالزرابي الزيانية شرع في عزف معزوفة على آلة لوتار، وكم فرح واغتبط عندما تم تسليمه «دراعية» تم جلبها من مرزوكة! وفي وداعه التمس زيارته مرة أخرى ليلا حتى تكون الجلسة ممتعة وباذخة؛ لكن يد المنون اختطفته مساء الثلاثاء17 يناير2012؛ ودفن يوم الأربعاء قرب قبر أمه في اجواء مهيبة ؛ مخلفا رصيدا غنائيا هائلا ختمه برائعته «إناس إناس» وثقه المكي اكنوز الذي يقيم بمريرت؛ ومخلفا مدرسة ذات اتجاه فني متميز عزفا وأداء0


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.