توالت ردود الأفعال المتعلقة بمخطط الاحتلال الاسرائيلي ضم أجزاء من الضفة الغربيةالمحتلة في الأول من الشهر المقبل، واتسمت في مجملها بلغة التهديد بفرض عقوبات على إسرائيل لثنيها عن الشروع في تنفيذ قرار الضم الذي يعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي وخطرا على عملية السلام. إذ دعت الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية إسرائيل إلى التخلي عن خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية، معتبرة قرار الضم انتهاكا للقانون الدولي وأنه "عمل أحادي مدمر يعزز الانقسام ويبعد السلام". كما دعت الأممالمتحدة ودول أوروبية وتركيا إسرائيل للتراجع عن خطتها الرامية لضم أجزاء من الضفة الغربية، في حين تدرس واشنطن منح ضوء أخضر لتنفيذ الخطة التي يتوقع أن يشرع الاحتلال في تنفيذها الشهر المقبل، والتي حذرت أوساط إسرائيلية من أنها قد تفجر غضبا فلسطينيا. فخلال جلسة عامة لمجلس الأمن الدولي انعقدت عن بعد، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إسرائيل إلى التخلي عن مخطط ضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية، واعتبر ذلك انتهاكا للقانون الدولي وخطرا على عملية السلام. وقال غوتيريس إنه سيعارض أي خطوات أحادية الجانب من شأنها تقويض السلام في الشرق الأوسط، ودعا اللجنة الرباعية لاستئناف دورها وسيطا بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وخلال الجلسة نفسها، قال المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف إن خطة الضم الإسرائيلية التي زكتها سابقا إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعتبر انتهاكا للقانون الدولي وتبعد الأطراف عن حل الدولتين و"تؤدي إلى مزيد من العنف «، داعيا الفلسطينيين والإسرائيليين إلى العودة إلى المفاوضات. كما أعرب أعضاء الاتحاد الأوروبي الحاليون والمقبلون في مجلس الأمن الدولي -الممثلون في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإستونيا وأيرلندا- عن قلقهم العميق بشأن النية المعلنة للحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربيةالمحتلة، وحثوها على التخلي عن ذلك، واستخدام العقوبات كآلية من آليات الردع. وأكدت الدول في كلمة ألقاها مندوب فرنسا لدى المنظمة الدولية نيكولاس دي ريفيير أن "أي قرار أحادي من هذا النوع ستكون له نتائج سلبية على أمن واستقرار المنطقة" و"سيؤثر على علاقات" هذه الدول معها. وعلى الرغم من تأييد أكثر من ألف برلماني في 25 دولة أوروبية نداء يطالب باتخاذ إجراء حاسم يمنع أي عملية ضم لأراض فلسطينية، يبدو الاتحاد الأوروبي منقسما بشأن فرض عقوبات محتملة على إسرائيل، رغم معارضته للخطة، والتي سبق أن عبر عنها. كما حث 1080 نائبا أوروبيا الامس، في رسالة نشرت في عدة صحف وأرسلوها إلى وزراء الخارجية الأوروبيين، هؤلاء القادة على التدخل لثني إسرائيل عن قرارها ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربيةالمحتلة ومن ضمنها غور الأردن. وقال النواب إنهم "يشعرون بقلق كبير من السابقة التي سيخلقها هذا الأمر في العلاقات الدولية"، ناهيك عن أنها ستقضي على عملية السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وكشف دبلوماسيون أوروبيون أن فرنسا "تضغط" على الاتحاد الأوروبي من أجل بحث تهديد إسرائيل ب"رد صارم"، في حال نفذ خطة ضم أجزاء من الضفة الغربيةالمحتلة. وتأتي هذه المواقف الدولية بينما تسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلية إلى بدء، في الأول من يوليو، الشروع في عملية الضم التي يتوقع أن يتراوح حجمها ما بين ضم كتل استيطانية كبيرة كمرحلة أولى، وضم ما يصل إلى 30 بالمئة من أراضي الضفة الغربية. وتشكل المنطقة "ج" 61 بالمئة من مساحة الضفة الغربيةالمحتلة، وتخضع حاليا لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، وفق اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995. ويجمع الفلسطينيون على رفض مخطط "الضم" الإسرائيلي الضم يهدد معاهدة السلام مع الأردن تهدد خطة إسرائيل لضم أراض في الضفة الغربيةالمحتلة بخرق معاهدة السلام مع الأردن الذي قد يوضع أمام خيارين: إلغاؤها أو تعليق العمل ببعض بنودها، بحسب محللين. لكن الأردن الذي يعتمد على مساعدات أميركية سنوية تفوق المليار دولار لن يتمكن من وقف خطوة أعطتها واشنطن الضوء الأخضر. ويفترض أن يعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو اعتبارا من الأسبوع المقبل تفاصيل وضع خطة ضم أجزاء من الضفة الغربيةالمحتلة تشمل غور الأردن والمستوطنات، قيد التنفيذ. ويحذر الأردن من أن ذلك سيقو ض فرص السلام ويقتل حل الدولتين الذي يتمسك به والمجتمع الدولي كحل وحيد لضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة. ويعتبر أن أي حل لا يضمن قيام دولة فلسطينية وحق عودة اللاجئين، يشكل خطرا على أمنه الوطني. ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأممالمتحدة في الأردن اكثر من 2,2 مليون لاجئ، في حين يشكل الأردنيون من أصل فلسطيني أكثر من نصف عدد السكان البالغ نحو عشرة ملايين. وحذر الملك في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية الشهر الماضي، من أن الضم سيؤدي إلى "صدام كبير" مع الأردن الذي "يدرس كل الخيارات". وقال رئيس الوزراء عمر الرزاز إن المملكة ستكون مضطرة "لإعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل بكافة أبعادها". ويرى محللون أن لدى الأردن خيارات أبرزها إلغاء معاهدة السلام أو تعليق العمل ببعض بنودها، على الأخص التعاون الأمني والاستخباري، وإغلاق سفارة إسرائيل في عمان وسحب السفير الأردني من تل أبيب. ويقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي لفرانس برس "يجب توجيه رسالة قاطعة لإسرائيل وللأميركيين مفادها إذا ذهبتم في هذا الطريق فسنذهب الى إلغاء معاهدة السلام". ويرى أن "لا قيمة لها إن لم يكن هناك سلام دائم وشامل في المنطقة". ويؤكد وزير الإعلام الأسبق محمد المومني لفرانس برس أن ضم إسرائيل أراضي في الضفة الغربية "خرق لمعاهدة السلام". ويذكر بأن المعاهدة تنص على "عدم قيام أي طرف بإجراءات أحادية تمس مصالح الطرف الآخر"، مؤكدا أن الضم "يمس مصالح الأردن بشكل مباشر"، لأن هذه المصالح "مرتبطة بقيام دولة فلسطينية". ويضيف "هذا تهديد مباشر للأمن الوطني والمصالح العليا (…) لن يكون بلا تكلفة" على العلاقات. ويقول محللون إن الأردن وقع معاهدة السلام على أساس تصو ر شامل يمهد لقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين لجأ مئات الآلاف منهم إلى المملكة عام 1948 وعام 1967. واحتلت إسرائيل الضفة الغربية التي كانت تخضع للإدارة الأردنية، بما فيها القدس الشرقية، في يونيو 1967 إضافة الى قطاع غزة وهضبة الجولان وسيناء. وشرعت منذ احتلالها ببناء مستوطنات مخالفة للقانون الدولي، وتوسع الاستيطان معقدا حل الدولتين الذي يدعو له المجتمع الدولي. ويرى الفلسطينيون أن ضم الأراضي سيجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا. ويشاركهم الملك عبدالله مخاوفهم فيصر على لاءاته الثلاث: لا للوطن البديل ولا لتوطين اللاجئين ولا للتنازل عن القدس. ويقول تاجر الأدوات الكهربائية عبدالله موسى (44 عاما) "الضم خطر وجودي على الأردن كما هو على فلسطين. لن يبقى شيء لتقام عليه دولة فلسطينية". ويضيف "دون دولة فلسطينية، الأردن مهدد بمشاريع تهجير الفلسطينيين والوطن البديل". ويرى أن إلغاء معاهدة السلام أو تعليق العمل بها "أهم قرار قد يتخذه الملك منذ توليه العرش" عام 1999. أما لؤي ملحس (41 عاما) الذي يعمل في التصوير والمونتاج التلفزيوني، فيرى أن الضم "خطير سيؤدي إلى تهجير الآلاف من سكان الضفة الغربية". ويضيف "الأردن يرفضه بشده لأنه نهاية مشروع حل الدولتين، ويقضي على مشروع إقامة دولة فلسطينية وهذا سيدخل الأردن في مأزق الوطن البديل والتوطين". ووصف عاهل الأردن مرات عدة السلام مع إسرائيل بأنه "سلام بارد"، واعتبر الخريف الماضي أن العلاقات معها "في أدنى مستوياتها على الإطلاق". وأعلن في نوفمبر الماضي فرض سيادة بلاده الكاملة على أراضي الباقورة (نهارييم بالعبرية) (شمال)، والغمر (تزوفار) (جنوب) بعد عام على إبلاغ إسرائيل بعدم تجديد ملحقين في معاهدة السلام خاصين بهذه الأراضي الأردنية التي كانت تستغلها اسرائيل. وفاجأ بذلك إسرائيل التي بقيت حتى آخر لحظة تأمل بالتوصل إلى تفاهم حول المنطقتين الزراعيتين. وحاولت اسرائيل عام 1997 اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل في عمان عبر حقنه بمادة سامة، فهددها الملك الراحل حسين حينها بإلغاء معاهدة السلام، فأحضرت الترياق وتم إنقاذ حياة مشعل. لكن مقابل هذا الضغط في الداخل، قد لا يكون سهلا على الأردن اتخاذ قرارات في شأن معاهدة السلام. ويرى مدير مركز "الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية" أحمد عوض أن "علاقات الأردن الاستراتيجية مع واشنطن ووجود ملفات عديدة مشتركة واعتماده على مساعدات أميركية، ستقلص من خياراته". ويقول المحلل السياسي كيرك سويل من "يوتيكا ريسك سيرفيسز" المتخصص بدراسة المخاطر خصوصا في الشرق الأوسط "يمكن دائما تعليق المعاهدات أو إلغاؤها". ويضيف أن الأردن "لن يفعل أي شيء ملموس لوقف الضم ، سيكون هناك الكثير من الخطابات حول معارضة ذلك"، لكن الأردن سيكون متضررا مثلا من وقف التعاون الأمني، أو وقف التعاون في مجال الغاز، أكثر من إسرائيل. حرب تزييف المصطلحات تعتبر الأممالمتحدة المنطقة "جيم" أو "سي" بالانكليزية، أرضا فلسطينية في الضفة الغربيةالمحتلة. لكن بالنسبة الى إسرائيل التي تهدف إلى ضم أجزاء منها، فالأمر يختلف، ولذلك تخوض الدولة العبرية حرب مصطلحات حول وضع هذه المنطقة. وترسل منظمات غير حكومية مؤيدة لإسرائيل ومكتب حكومي مسؤول بشكل خاص عن إصدار البطاقات الصحافية، رسائل بالبريد الإلكتروني وتنشر تغريدات على موقع "تويتر" موجهة إلى وسائل إعلام أو مراسلين أجانب لتنتقد ما تعتبره كلاما "منحازا" بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتستخدم إسرائيل مصطلح "يهودا والسامرة" التوراتي للضفة الغربية، وتنتقد عدم استعمال هذه التسمية في وسائل الإعلام الدولية، لكن مآخذها اليوم تتناول كلمات أخرى. فقد قسمت اتفاقات أوسلو للسلام التي وقعت في التسعينيات الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق رئيسية: المنطقة "ألف" تحت السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية، والمنطقة "باء" تحت السيطرة الإدارية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية، وتشكل هاتان المنطقتان نحو 40% من أراضي الضفة الغربية. أما المنطقة "جيم" فتشكل 60% من أراضي الضفة الغربية وهي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة العسكرية والإدارية. إلا أن الفكرة كانت تقضي لدى توقيع أوسلو، بإنهاء الصراع وإبرام اتفاق سلام نهائي يتم بموجبه نقل هذه المنطقة الى الفلسطينيين. وعادت مسألة هذا التقسيم الى الواجهة مع إعلان الولاياتالمتحدة في يناير خطة للسلام تنص على أن تضم إسرائيل مئات المستوطنات ومنطقة غور الأردن في الضفة الغربية، وعلى إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح. وتقع أجزاء الضفة الغربية التي تسعى الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو الى ضم ها ضمن خطة يفترض أن يتم الإعلان عن آلية تنفيذها اعتبارا من الأول من يوليو، في المنطقة جيم. وتنص الخطة الأميركية على تقسيم المنطقة جيم مناصفة تقريبا بين الفلسطينيين وإسرائيل. ويعيش حاليا في هذه المنطقة 450 ألف مستوطن إسرائيلي أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه العدد عند توقيع اتفاق أوسلو، مقابل حوالى 300 ألف فلسطيني. ويقول يوسي بيلين، أحد مهندسي اتفاق أوسلو، لوكالة فرانس برس "في الأصل كانت الفكرة أن تصبح المنطقة جيم تدريجيا جزءا من السلطة الفلسطينية، وفي النهاية جزءا من (دولة) فلسطين عند الاتفاق الدائم". ويضيف بيلين، المفاوض الإسرائيلي خلال اتفاقات أوسلو، "لكن اليمين يعتبر أن المنطقة جيم إسرائيلية"، وبذلك "ينتهك اتفاقات أوسلو" من خلال محاولة الإبقاء على الوضع المؤقت "بشكل دائم".