تروج أخبار عن استفادة موسرين من دعم صندوق تدبير الجائحة في حين لم تستفد شرائح واسعة من المعوزين بالمدن كما بالبوادي من أي دعم، من المؤكد أنه لا دخان بدون نار، وأن هناك دوما عديمي الضمير والأخلاق الذين لا يجدون حرجا في القفز على أية فرصة لربح شيء ما مهما ضؤلت قيمته، يسكنهم الطمع والجشع وتحركهم غريزة التملك والأنانية المرضية. ولذلك وجب فتح تحقيق عاجل وجدي وشامل في الموضوع وإنزال العقوبات اللازمة في حق كل من سولت له نفسه الإساءة لقيم التضامن والتكافل الاجتماعي. إن القيام بهذا العمل الشنيع يرقى إلى مستوى السرقة الموصوفة لقوت المعوزين والفقراء ونهب للمال العام وإسهام في تقويض مجهود وطني لمواجهة تداعيات عدو خطير يستهدف أرواح المغاربة. أكاد أجزم أن السطو على ما خصص لدعم فقراء المغرب قابل أن يوصف بالخيانة الوطنية لأنه سلوك مضر بمعنويات المغاربة المحتاجين والمتبرعين في حربهم ضد الوباء. وهو سلوك لا أخلاقي يتجاوز في نذالته وخسته كثيرا من الجنح، التي لم تتردد النيابة العامة في فتح تحقيقات حولها. هذه الوقائع التي تتردد أخبارها في كثير من الأوساط تعكس، من جهة، الاختلالات التي وسمت تدبير عملية الدعم ومن ضمنها اعتماد بطاقة «راميد» أو شهادة أعوان السلطة، مرجعا لتحديد المستفيدين، وتؤكد من جهة ثانية تعشيش الفساد في عقول البعض واستهتارهم بالقانون والقيم. لا أحد ينكر المجهود الوطني للتخفيف من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة بسبب الوباء، ولا يجوز إطلاقا تبخيس الفعل التضامني للقطاع الخاص ولعامة المواطنين الذين تبرعوا طواعية بما جادت به أياديهم دعما لصندوق تدبير الجائحة، لكن المطلوب هو العمل من قبل السلطات والمجتمع المدني النظيف وعامة الناس على القضاء على « فيروس» الانتهازية والاستهتار بالمصلحة العليا للوطن والمجتمع. إننا نعتقد أن الانتصار على كل الأوبئة والجوائح لن يكون مكتملا إن لم نستأصل وباء الانتهازية والفساد والفوضى الأخلاقية. فالمجتمعات والدول التي تمكنت من احتواء الوباء، وفي بعض الحالات دون حجر صحي ولا إعلان حالة طوارئ، لم تنجح في ذلك صدفة، فهي لا تملك لقاحا واقيا ولا دواء شافيا، ولا بركة إلهية، رأسمالها الأساس والأغلى كان هو السلوك الجمعي الذي ينم عن وعي حضاري تجلى في تقدير صحيح للمخاطر وانضباط إرادي للإجراءات الوقائية، وشيوع روح المسؤولية وقيم المواطنة. وفي ذلك اختلفت الشعوب والأمم … إنه رأسمال لا مادي لا يستنبت كما يستنبت الفطر، وإنما هو ثمرة عمل طويل يلزم أن يشمل كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، في تناغم نسقي بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع. ولأن ما لا يتحقق كله لا يترك جزؤه، ندعو السلطات الإدارية والقضائية، إلى الضرب على أيادي سارقي صندوق تدبير كورونا، واسترجاع المبالغ المنهوبة، وتدارك الحيف الذي لحق بآلاف الأسر التي تستحق الدعم وإعمال مبدأ مناصفة النوع، والإسراع بإعداد السجل الاجتماعي واستدامة نظام دعم العاطلين والمعطلين وبحث سبل تعميم الضمان الاجتماعي وغيرها من الإجراءات الهادفة إلى محاربة الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي.