تميزت الألفية الجديدة ببلادنا لمواجهة ثلاثة تحديات كبرى، سنعرج على التحديين الأول والثاني بشكل مقتضب، لنقف مليا على التحدي الثالث موضوع مقالتنا التحدي الأول: مرحلة وفاة جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله. اتسمت هذه المرحلة بقيادة الاتحاد الاشتراكي بعدما مارس ما يقرب من 40 سنة من المعارضة الشرسة لنظام الحكم، وقد ساهم هذا الموقع في انتقال سلس لنظام الحكم، وتم فتح آمال عريضة أمام شعبنا حيث اتخذت مبادرات عديدة لإحداث قطيعة مع الماضي عن طريق مصالحات كبرى سواء مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو مع قضايا النساء والثقافة الامازيغية،… فبرز المفهوم الجديد للسلطة ونهج سياسة القرب وإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في الجانب الاجتماعي، والدفع بمشاريع مهيكلة في البنية التحتية الطرقية والبحرية والطاقية أبرزها الميناء المتوسطي ومحطة نور للطاقة الشمسية. التحدي الثاني: حركة 20فبراير برزت حركة 20فبراير ضمن ما عرف إعلاميا بالربيع العربي-الامازيغي، والتي تأطرت بشعار: حرية/كرامة/عدالة اجتماعية. وكذا مواجهة الفساد و الاستبداد، ونشير ان اختناق العملية السياسية برز مع النسبة المتدنية جدا للاستحقاقات التشريعية لسنة 2007م،حيث تعاملت الدولة مع هذه الحركة بشكل متحضر جدا، والتقط جلالة الملك محمد السادس مطالب الحركة، تبلورت في الخطاب الملكي التاريخي ليوم 09مارس والذي أفضى لتشكيل لجنة وطنية لإعداد دستور جديد للبلاد وتم ذلك وفق مقاربة تشاركية واسعة، أفرزت دستور فاتح يوليوز 3011م والذي شكل صرحا دستوريا متقدما جدا، وسرع ذلك بإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، مكنت الحزب الأصولي « العدالة والتنمية « من تصدر المشهد الحزبي بتوليه رئاسة الحكومة وقد تميزت المرحلة بقراءة نكوصيه للمتن الدستوري وسيادة خطاب شعبوي من قبل رئيس الحكومة مدغدغ للعواطف، وأصبحت المؤسسة البرلمانية مجالا للتهريج والفرجة كما اتخذت الحكومة إجراءات لا اجتماعية كرفع الدعم عن المواد البترولية، وتفقير الطبقة الوسطى، وسد باب الحوار الاجتماعي مع احتقار العمل النقابي والمدني، وتبخيس العمل السياسي، والتضييق على الحريات واستعمال القوة المفرطة اتجاه الحركات الاجتماعية مع . نهج سياسة ليبرالية متوحشة التحدي الثالث: جائحة كورونا. قبل تسجيل أول حالة للإصابة بفيروس كورونا المستجد يوم 2مارس 2020، قام جلالة الملك محمد السادس بتشكيل لجنة وطنية لإعداد مشروع النموذج التنموي الجديد أمام ما أفرزته التنمية السابقة من تعميق التفاوتات الاجتماعية والمجالية وهشاشة النسيج الاقتصادي، وارتفاع نسبة البطالة وتراجع الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وسكن. ونهجت أسلوبا تشاركيا بلقاءات متعددة مع الاحزاب السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وسيكون لوقع الجائحة أثر قوي على مضامين تقريرها، لأنها افرزت جملة من المعطيات الوطنية والدولية والتي يجب أخذها بعين الاعتبار. ولذا نقول "رب ضارة نافعة" حيث فتحت أعيننا على واقعنا المغربي بشكل مكشوف. وقبل سرد ما افرزته الجائحة نؤكد على الاتجاه الصائب لبلادنا والتي أعطت الاولوية للإنسان وصحته فتم اتخاذ إجراءات استباقية كإغلاق الحدود والمرافق العامة وإنشاء صندوق مواجهة جائحة كورونا، وإعلان حالة الطوارئ وكل هذا جنب بلادنا مضاعفات خطيرة وتجند الكل : الأطر الصحية والقوات العمومية ورجال ونساء السلطة وعمال النظافة والوقاية المدنية والأسرة التعليمية والإعلامية والهدف هو اجتياز هذا الظرف الصعب بأقل الخسائر الممكنة ومكننا كل هذا من استخلاص دروس أولية أبرزها :الأولوية الأساسية يجب ان تنصب على الملف الاجتماعي بشموليته خصوصا وان 80 فالمئة من مواطنينا في وضعية اجتماعية صعبة. ولولا الدعم الاجتماعي لكنا أمام مآسي اجتماعية حقيقية. الدور الاساسي للجسم الصحي الوطني او ما يعرف إعلاميا بالجيش الابيض، فرغم الخصاص والافتقار للمعدات تجند كل مهنيي الصحة بروح وطنية عالية وقدموا تضحيات جسام، مما يفترض مستقبلا الرفع من الاعتمادات المالية المخصصة للقطاع لتجويد أدواره وخدماته، وتوسيع العرض الجامعي بزيادة أعداد الملتحقين بكليات الطب وكذا بمعاهد مهن التمريض. هاجس الاسر المغربية بشأن تمدرس ابنائهم ومستقبلهم وقد اعتمدت الأسرة التعليمية بشكل مبكر التعليم عن بعد، ورغم ما يمكن ان يقال حول هذه العملية التربوية وليس هنا المجال لتقييمها، حيث برزت الحاجة للتعليم وكذا للبحث العلمي من أجل الابتكار وقد برزت طاقات مميزة في هذا المجال، وتم دحض مقولة ان قطاع التعليم غير منتج ويكلف ميزانية الدولة أموالا كثيرة ليتبين ان الاستثمار في التعليم هو الركيزة الأساسية لأي تنمية حقيقية. بالنسبة للتشغيل نسجل ان الجائحة ستخلف ضحايا سيلتحقون بجيش العاطلين وبالأخص في القطاع السياحي، وكذا الصناعات كالنسيج والألبسة، مما يفرض الدفع بتشجيع السياحة الداخلية ونهج سياسة الحمائية في الميدان الصناعي. اما عن السكن فنسجل انه ساهم في انتشار العنف الأسري، وتدمر الأطفال، وانه فضاء شبيه بالسجن وكل ذلك ناتج عن جشع الشركات العقارية وتخلي الدولة عن هذا القطاع. وعل كل هذا من اللازم مراجعة اختياراتنا الليبرالية لأنه برزت ان الحاجة وطنيا للرأسمال الذي نملك الا وهو الانسان والذي يشكل ركيزة لاي تنمية مستقبلا، مع التشبث بدولة الرعاية الاجتماعية. أما عن المجالات الأخرى فتشتمل على أربع عناصر أساسية: تحقيق الامن الغذائي: فرغم ايجابيات المخطط الأخضر إلا انه ما زالت بلادنا مستوردة لكميات مهمة من الحبوب والقطاني والزيوت النباتية… لذا فالعقد القادم يجب ان يكون عقد الأمن الغذائي. تحقيق الأمن الطاقي لتخفيف الاعتماد على الخارج بالرفع من مساهمة الطاقات المتجددة وكذا بعث محطة لتكرير البترول "لا سامير" الاستثمار القوي في البحث العلمي وبالأخص في التكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة وفي الميدان الصناعي. رقمنه الحياة الإدارية والحياة العامة. ورب قائل سيتساءل كيف سيتأتى لنا ذلك ونحن بلد موارده ضعيفة ولا يملك ثروات. ونقول ان ذلك يمكن تحقيقه عبر نهج اقتصاد يعتمد على: التخلص من الريع- محاربة الفساد- محاربة التهريب- مراجعة النهج الضرائبي- دمج الاقتصاد غير المهيكل في النسيج الاقتصادي. ولتحقيق هذه الطفرة النوعية العامة، مدخلها وركيزتها إصلاح سياسي عميق لبناء مؤسسات دستورية قوية وفاعلة من أجل مغرب قوي ومتضامن.