لنا في ملك البلاد، دوما، أسوة حسنة، فالمغاربة وغير المغاربة، يذكرون كيف تم التراجع عن قرار العفو في تلك القضية التي نعرفها جميعا، قضية البيدوفيلي الإسباني الذي أثار حفيظة المغاربة، وتم اعتبار العفو عنه وإطلاق سراحه امتهانا لكرامتهم، فكان غضبهم معيارا قويا بحد ذاته للتراجع عن اختصاص ملكي حصري طبق في ظروف غير سارة.. ومع وجود الفارق، لا تستقيم المقارنة، لكن يستقيم استلهام القرارات الحكيمة التي تسير في اتجاه الرأي العام وأخذ مزاجه وتطلعاته وأصوات ممثليه بعين الاعتبار. لقد حيت كل القوى، مدنية وسياسية وحقوقية، وقتها، داخل المغرب وخارجه، قرار سحب الملك للعفو، والذي تورطت فيه أطراف كثيرة، منها وزارة العدل والحريات، وكان على رأسها الوزير مصطفى الرميد آنذاك. لما تعالت الأصوات صاخبة في المنصات وفي المقرات، أنصت ملك البلاد لموجة العمقla lame de fond الصاعدة من المغرب، والتي وجدت تعبيرها في المنصات الاجتماعية، وتعامل معها صاحب القرار بما يليق بالاحترام والإنصات. وفي الحالة التي يكون هناك شبه إجماع على سوء تقدير تشريعي معين أو سياسي، لا يمكننا أن ندعي أننا كلنا «غاليليو» الذي يراها تدور لوحده والعالم يراها ثابتة. هناك قوانين تجعل السياسة تدور، ومنها قوانين التقدم في المنصات الاجتماعية. وعليه فإن حاجة البلاد إلى تشريع متقدم لحماية الوطن والمعنويات الوطنية والروح الإنسانية النابذة للإرهاب والتتفيه الممنهج ضد الثوابت… إلخ، تفترض أن تسحب البنود التي يجب أن تسحب، حتى يستقيم النقاش بين المغاربة وداخل المؤسسات التي تعنيهم. وبالنسبة لمن يضع الاشتراط الانتخابي معيارا في تقدير الجواب المطلوب، نقول بأنه ليس هو الأولوية في تقدير المدرسة، مدرسة أقوياء النفوس… ففي تقدير المواقف والقرارات السياسية والمشاريع، هناك معياران خارج التصوف التاريخي الذي يفضل فيه أصحابه أن يكونوا شهودا على التاريخ أكثر من فاعلين فيه. المعيار المتعلق بالاستحقاقات الانتخابية القادمة، والذي يعتبر مشروعا، ومن قواعد اللعبة الديموقراطية في احتكام الشعوب إلى نفسها واحتكام النخب إلى الشعوب. وهو احتكام قد تعيش البلدان، في أحيان كثيرة، أزمات وتطورات قد تفرض عدم انتظار مواقيته واستعجال استحقاقاته من أجل الاحتكام إلى الرأي العام. وهناك معيار آخر، نستوحيه، ونحن في هذا الشهر الكريم، من سياق الاستعجال الوطني الحالي، وهوما يسميه المالكية ب فقه الأولويات والموازنات، وهو هنا، ينبني على ما تطرحه الجائحة القائمة، وما سيترتب عنها في المراحل القادمة. وإذا وقع، لا قدر الله، أن أخطأ المغرب، في المعركة الآنية، وتشوشت أوصال لحمته الوطنية، وطرح على نفسه أسئلة لم يطرحها عليه تطوره الذاتي وقضاياه، فإنه لن يكون هناك معنى لا لانتخابات ولا هم يحزنون، إلا ما سينهال على البلاد والعباد بما لا تحمد عقباه… من الثابت أنه لا يحترم الانتخابات، في بلورة الأحكام وصياغة القناعات، إلا الذين يؤمنون بسيادة المواطنين واحترام الشعب في صناعة التمثيلية المؤسساتية، التي تولد عنها القرارات أو القوانين أو السياسات عموما… ومن تاريخنا نتعلم أن الأفق الوطني صاغ مرارا هذه السيادة وعجنها ووجهها وجعل منها ما يخدم البلاد. أما ما يهم في التقدير الثاني، هو أن يقرر أصحاب النفوس القوية النظر إلى ما يشغل البلاد والانتصار لمخاوفها، لا بصنع مخاوف جديدة، بل بتوفير شروط معركة الحياة بالتركيز وتقديم كل شيء لأجل الانتصار من الآن، وتصليب الجبهة والتوافق الوطني الكبير حاليا، لأجل تلقي الضربات القادمة بثبات ونجاح.. الانتخابات، لا أعتقد بأنها هي التي يجب أن تحدد الموقف من القانون أو من الحاجة إلى موقف يساير التطلعات العامة للمواطنين، إنها بالأحرى، الروح الجماعية للتفوق على الأنانيات والحسابات القصيرة الأفق، والضيقة التنفس… سواء كنا في المنطق الأول أو الثاني، فإن فقه الأولويات يفترض المساعدة على خلق جو للنقاش العميق والهادئ والرزين، ويشترط التخلي عن أسباب التوتر والاستياء العام في بلادنا. إن من شروط الحكمة في اتخاذ القرار، أن نساعد العقل على تدبير مراحل سوء الفهم، بسحب النقط الخلافية التي لا يستسيغها العقل المغربي ولا روح التعبئة الجماعية. علما أنَّ ما لم يقبل في ظروف عادية لن يقبل في ظروف استثنائية…