إن الفهم القانوني لما سمي "سحب العفو " يقتضي من الناحية القانونية معرفة طبيعة قرار العفو في حد ذاته. هل هو قرار إداري لتطبق عليه قواعد القانون الإداري المعروفة بقواعد إصدار القرار وسحبه؟ أم هو ينتمي إلى قواعد المسطرة الجنائية كطريقة تؤدي إلى إلغاء الحكم النهائي عن طريق مراجعة استثنائية تقوم بها لجنة العفو كهيئة تحضيرية تقوم بمهمة البحث التمهيدي وتنتهي بقرار الملك. وسميتها مراجعة استثنائية عن قواعد المراجعة المنصوص عليها في المواد 565 وما بعدها من المسطرة الجنائية المغربية، أو هو إيقاف نهائي لتطبيق حكم جنائي تتكلف بتطبيقه النيابة العامة تحت إشراف قاضي تنفيذ العقوبات. وحالة سحب قرار العفو عن دانيل حدثت لأول مرة في تاريخ الأحكام القضائية بالمغرب، وربما حسب علمي لم تقع قط في أية دولة من دول العالم علما بأن دول العالم منقسمة في شأن العفو إلى دول يوجد فيها وأخرى لا يوجد بتاتا في قوانينها ،أم أن العفو ينتمي إلى القانون الدستوري كمادة من مواد اختصاص الملك في المغرب؟ أم أن سحب قرار العفو ينتمي إلى قواعد الخطأ والغلط في قانون العقود والالتزامات المغربي؟ أو الخطأ والغلط في قواعد فقه الإمام مالك؟. وهنا لابد أن نشير إلى أن العفو خلق خمس أزمات سياسية وقانونية متشابكة أولها: قرار العفو في حد ذاته ونسيان حقوق الضحايا كطرف مدني ولم يتوصل الشعب بأي معلومات رسمية تتعلق بحقوق الضحايا في التعويض تجاه دانيل الذي غادر المغرب علما أن دفاع معتقلي طلبة الجامعات المحكومين طلب منهم عند تكوين ملف العفو لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان الإدلاء بتنازل الأطراف المدنية المتضررة وإلا فمن المستحيل قبول طلب العفو وثانيها :القمع الذي مورس ضد المحتجين وهو ما أضاف جرائم سفك الدماء إلى موضوع العفو وثالثها: سحب العفو في حد ذاته ورابعتها: تناسي ما يسمى بأجهزة الأمن الديني المخزني عن تناول الموضوع بفتاويهم التي يصدرونها لخدمة دين الدولة كوزير الأوقاف والمجالس العلمية.. وخامستها هي تحول مشكلة العفو إلى أيدي الدولة الاسبانية وفقدان المغرب زمام السلطة على دانيل وأصبح أمره تحت سيادة دولة أخرى هي اسبانيا. وهنا ولابد أيضا من الانتباه إلى لغة قرار السحب، وتمييز السحب عن قرار الإلغاء، ونتساءل: لماذا لم يستعمل الإلغاء واستعمل عوضا عنه السحب؟ ومن المؤكد أيضا أن أهم شيء وقع في تاريخ شباب المغرب الذين نظموا الاحتجاج قاموا بإحداث اجتهاد شعبي وهو المراقبة على قرار الملك حول العفو، وهي مراقبة مفقودة في القوانين المغربية لأن الأنظمة القانونية المخزنية لا تعترف بأية مراقبة أو طعن مسطري وقانوني في قرارات الملك التي تحاط تقليديا بالتقديس، ولا تقبل الطعن أمام القضاء الإداري وغيره.. طرحنا هذه الأسئلة التي هي من صميم مواد الاختصاصيين في علوم القانون من محامين وقضاة وخبراء وفقهاء... حتى يعرف الناس مدى صحة أو فساد الفتوى القانونية التي طبقت في شأن صدور و سحب قرار العفو عن دانيل، لأنها فتوى قانونية غالية الثمن، أكل منها وشرب المفتي، وقدم الشعب ثمنا لها بدمائه، وعانى منها نفسيا بسبب شعوره بالإهانة وما دمنا ملتزمين بدولة الحق والقانون، ومعناها أن تكون حالة دانيل قانونية، وليس سياسية، ويترتب عنها أن ننظر إليها كحالة قانونية، وهنا نؤكد أن جوهر مشكلة السحب هو أن نعرف هل احترم مبادئ دولة القانون أم أنه مجرد قرار سياسي لا يعتبر دولة القانون ولا حتى القانون نفسه؟ ومن علامات تغييب القانون كون المغاربة لم يسمعوا صوت القضاة الأعلى درجة في المغرب عن دورهم في لجنة العفو، وهي التي يفترض أن تكون سدا منيعا ضد الغش في مسطرة العفو.. علما أيضا أن قانون العفو يجعل الديوان الملكي ممثلا بصوت واحد في لجنة العفو بواسطة مديره العام وليس من حقه أن يصدر وحده البلاغات دون علم لجنة العفو. وإذا كان ما تقوله بلاغات الديوان الملكي صحيحا فعلى لجنة العفو على الأقل أن تظهر دورها لكي لا ينسى الناس القانون، وحتى لا تصبح لجنة العفو كلها متهمة في قضية العفو، وقد بدأت الشبهات انطلاقا من إقالة حفيظ بنهاشم عضو لجنة العفو من منصبه، وتنشر الصحافة بأنه يصرح بأن لا دور له في العفو، وهو عضو قانوني في اللجنة.. وبدلا عن لجنة العفو بدأ ممثلو الأحزاب السياسية المخزنية يتكلمون في أبواق المخزن الرسمية عن موضوع العفو ولم يفهموا حتى كيف يجب أن يتكلموا عنه، ويقومون بتضليل الجمهور ويقولون أشياء بعيدة عن التعقل.. ويريدن الركوب على التضحيات التي قدمها أفراد الشعب وهم يجلدون وتسيل دماؤهم أمام أنظار العالم، ولا يعترفون بفضل الشباب الذين أطلقوا مبادرة الحركة الاحتجاجية التي فرضت رأي الشعب في الشوارع، ومن الأحزاب التي سمع صوتها عبر التلفازات المخزنية بعض الأحزاب التي ساهمت في تعذيب علني للمحتجين لكونها تتحمل مسؤولية رئاسة أجهزة الأمن التي سفكت دماء المحتجين بأوامر فوقية. هذا، ومن المؤكد أن حالة "سحب قرارا لعفو" لا توجد في نصوص القوانين المغربية، وتبقى مجرد رأي وفتوى سياسية مبنية على وقوع غموض غير عادي في إعداد قرار العفو، ويختلف الأمر بالنسبة للقانون بين ما إذا كان الغلط ناتجا عن تدليس وغش قام به أشخاص ينتمون إلى لجنة العفو، أو قام بالتدليس المؤدي إلى الخطأ أشخاص آخرون . وهذه سابقة قانونية بالمغرب ستفتح الباب للمتضررين من العفو في ملفات أخرى أن يسلكوا مسطرة السحب سواء كانت طبيعة القرار إداريا أو مسطريا جنائيا أو من اختصاصات الملك في الدستور، أو من قواعد الخطأ والغلط في قانون العقود والالتزامات، أو من قواعد الخطأ في الفقه المالكي. ولاشك أن المهم بالنسبة لدولة القانون التي يدعي المخزن أنه يحترمها وقعت الغفلة ونسيان القانون المنظم للعفو، ويبدأ ذلك من عدم ذكر شيء خطير وهو هل اجتمعت لجنة العفو لتصادق على اللائحة الموجهة للملك؟ أم أن اللجنة لم تعقد أي اجتماع؟.. وهذا السؤال يجب أن يجيب عنه الطرف القضائي الذي يوجد ضمن أعضاء لجنة العفو وخاصة رئيس محكمة النقض، وليس وزير العدل الذي هو طرف سياسي يرأس النيابة العامة التي يمثلها داخل اللجنة الوكيل العام لدى محكمة النقض، وهل معنى ذلك قانونيا أن وزير العدل قام بتهميش لجنة العفو ووجه اللائحة إلى الديوان الملكي، ليطرح سؤال خطير آخر هو من الذي وجه ا للائحة إلى الملك؟ علما بأن مدير الديوان الملكي هو عضو قانوني في لجنة العفو، ووزير العدل أدلى بتصريحات تفيد أنه لعب دورا واضحا في صنع لائحة العفو التي تتضمن اسم دانيل، وأخيرا هناك مشكلة مسكوت عنها تتعلق بجنسية دانيل الذي هو عراقي يسمى دانيل غلبان ووقع إشكال قانوني آخر هو تطبيق قانون طرد الأجانب من المغرب بدون جواز سفر إلى دولة اسبانيا، مع أن قانون إقامة الأجانب بالمغرب كان يجب أن تراعى فيه حالة ازدواج الجنسية بين العراقواسبانيا، فلماذا مثلا لم يقع توجيهه مطرودا إلى دولة العراق بلده الأصلي؟ ولماذا همش سفير العراق في الموضوع ؟ وهو لم يسافر بمحض إرادته بل هو مطرود لأن سفره العادي يتطلب حمله لجواز السفر وتمت تغطية سفره بقرار الطرد المستعجل. فمن الذي اتخذ قرار الطرد داخل المغرب؟ وكيف سمحت له اسبانيا بدخول ترابها بدون جواز سفر؟ ويبقى في الخفاء سر الأسرار، والعلبة السوداء وهي أسماء الأشخاص الآخرين الذين أطلق سراحهم مع دانيل، ومن حق الشباب المحتجين أن يحصلوا على اللائحة الكاملة للمستفيدين الاسبان من العفو مع دانيل لأنها لا تعتبر لائحة سرية بدليل نشر بعض الأسماء وإخفاء الباقين عن الرأي العام وربما يكون ما خفي أقبح من دانيل. وأخيرا فعلى المغاربة أن لا يسكتوا عن الموضوع ويواصلوا نضالهم السلمي والبحث والتقصي، وأن لا يطبقوا طلب رؤساء الأحزاب الانتهازية التي تقول بدون حياء بطي الملف وإعلان نهايته وهو غير قابل للانتهاء.