رئيس كولومبيا يتخبط أمام ترامب    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    انفجار نفق بسد المختار السوسي بضواحي تارودانت.. بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الحادث لا زال 5 عمال مفقودين    نشرة إنذارية: هبات رياح محليا قوية من 70 إلى 95 كلم/س بعدد من أقاليم الشمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تأني الفتح يغلب استعجال الرجاء    نادي الشارقة الإماراتي يعلن تعاقده مع اللاعب المغربي عادل تاعرابت    السنغال تبدأ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا    العيون تُعلن عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025    الكاف: أكثر من 90 بلدا سيتابعون قرعة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    جريمة تهز وزان: مقتل سيدة وإصابة شقيقتها في اعتداء دموي بالسلاح الأبيض    الشرقاوي حبوب: تفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم يندرج في إطار الجهود المبذولة للتصدي للخطر الإرهابي    الدورة 35 لماراطون مراكش الدولي: العداء الكيني ألفونس كيغين كيبووت والإثيوبية تيرفي تسيغاي يفوزان باللقب    المغرب يحقق سابقة تاريخية في كأس إفريقيا.. معسكرات تدريبية فاخرة لكل منتخب مشارك    وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية    إحباط تهريب 200 كيلوغرام من الحشيش بميناء سبتة المحتلة    الملك محمد السادس يهنئ الحاكمة العامة لكومنولث أستراليا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومرفوضة فلسطينيا وعربيا.. ترامب يقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    المفوضية الأوروبية: الاتفاقيات الجوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تشمل الصحراء    تقرير: المغرب يواجه عام 2025 بتطلعات متفائلة مدعومة بالتعاون الاقتصادي مع الخليج وأوروبا    الشرقاوي: تفكيك الخلية الإرهابية بحد السوالم يندرج في إطار التصدي للخطر الإرهابي    غرق بحار ونجاة أربعة آخرين بعد انقلاب قارب صيد بساحل العرائش    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    15 قتيلا بنيران إسرائيل بجنوب لبنان    "كاف": الركراكي مطالب بالتتويج    ريدوان وحاتم عمور وجيمس طاقم تنشيط حفل قرعة كأس أمم إفريقيا    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفكيك "شبكة حريڭ" باستخدام عقود عمل مزورة    كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم: الكشف عن الشعار الرسمي للبطولة    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    وزارة التجهيز والماء تطلق ورشات تشاورية لتثمين الملك العمومي البحري    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم شفشاون    الطماطم المغربية تغزو الأسواق الأوروبية أمام تراجع إسبانيا وهولندا    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    أساتذة "الزنزانة 10" يحتجون بالرباط‬    المغرب حاضر بقوة في المعرض الدولي للسياحة في مدريد    رحلة مؤثر بريطاني شهير اكتشف سحر المغرب وأعلن إسلامه    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    المحكمة الكورية ترفض طلب تمديد اعتقال الرئيس المعزول    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بوبكري: الأصولية في فوهة كورونا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 24 - 04 - 2020

توجد في بلادنا أصوليات عديدة، لكنني لاحظت اليوم أن اثنتين منها قد انكشف عيبهما في امتحان أزمة فيروس كورونا التي ضربت بلادنا مؤخرا.
أولى هاتين الأصوليتين أصولية دينية تنظر نظرة ثابتة للأصول، ما يجعلها لا تفهمها، حيث إنها تريد أن تبقى ثابتة جاهدة. لذلك لا ترى أن أهمية الأصول تكمن في قدرتها على التحول والتكيف مع التغيرات والتحولات التاريخية في جميع المجالات والميادين. هكذا ، فهي منغرسة في أصلها، معطلة الحياة وجامدة العقل والتفكير.
لقد عبرت هذه الأصولية عن رفضها لمحاربة وباء كورونا، حيث أعربت سرًا وعلانية عن رفضها لإغلاق المساجد خلال مدة الحجر الصحي، مظهرة بذلك أنها لا تدرك طبيعة هذا الوباء وسرعة انتشاره، وبالتالي لا تعي أن تجمهر الناس في فضاء واحد سيؤدي لا محالة إلى انتشار العدوى بين الناس وتفشي هذا الوباء في المجتمع، وأن هذا يغامر بفناء المجتمع وخراب الاقتصاد والبلاد. هكذا، فهي لا تهتم بحق الإنسان في الحياة، فضلا عن كونها لا تعي أن الله لطيف بعباده وأنه لا يريد إلحاق الضرر بهم، وأنه أرحم الراحمين.
ويعود ذلك إلى أن هذه الأصولية تقرأ القرآن الكريم قراءة حرفية خطية خارج سياق زمنه، ما جعل شيوخها يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، مع أن هذا أمر مستحيل، إذ لا يمكن لأحد أن يدعي أنه يعلم علم الله، حيث يقول تعالى: "وما يعلم تأويله إلا الله».
هكذا، فإن الأصوليين يرفضون تعدد القراءات، ما يجعلهم لا يدركون أنه ليست هناك آية واحدة أجمع المفسرون على تحديد معناها، بل كل واحد منهم فسرها حسب قراءته الشخصية لها ومداركه ومعارفه.
إضافة إلى ذلك، فهذه الأصولية تعتمد بعض القراءات الفقهية، محولة إياها إلى صنم، مع أن الإسلام حطم الأصنام، وهم بقيامهم بذلك إنما يمارسون عكس ما قام به الإسلام. كما أنهم قدسوا بعض القراءات الفقهية لدرجة أنهم أحلوها محل القرآن الكريم.
هذا ما جعلهم يرفضون الاختلاف الذي هو جوهر الحياة. ولو تخيلنا أن للعالم شكلا واحدا ولونا واحدا وشخوصه واحدة، فإن غياب الاختلاف سيجعل الحياة لا تطاق ومزعجة ومملة، وبدون معنى. لذلك، فالأصولية لا تدرك أن وجودنا وصراعاتنا وقراءاتنا المتعددة هي جوهر هذا الوجود. إن الأصوليين لا يمتلكون العمق الروحاني لقبول الآخر، مع أن من لم يتصالح مع الآخر لا يمكن أن يتصالح مع ذاته.
أما الأصولية الثانية، فهي أصولية «ثوروية»، تنطلق من نظريات سياسية وحقوقية مختلفة جعلت منها وحيا منزلًا فحولتها إلى أصول ثابت مطلقة لا تقبل التحول ومسايرة التغيرات التاريخية، وبذلك فهي تشبه نظريا وعمليا الأصولية الدينية. فهؤلاء "الثورويون" يريدون تطبيق أصولهم أوتوماتيكيًا على الواقع. وهذا ما جعلهم لا يقبلون بزجر كل من يخرق الحجر الصحي الذي قررته الدولة لمواجهة فيروس كورونا. كما أنهم أخطأوا في تصورهم للواقع لأنه ليست لهم أي علاقة به.
فإذا لم تقم السلطة بمواجهة كل من قام بخرق القانون، فإن هذا سيؤدي إلى انتشار هذا الوباء، خصوصا عندما تتم مواجهة رجال السلطة من قبل بعض الناس الذين يرفضون المكوث في بيوتهم. فإذا خرج هؤلاء، فقد ينشرون العدوى في المجتمع، كما قد يصابون هم أنفسهم بهذا الفيروس وينقلونه إلى أسرهم، ما سيفتك بالاقتصاد والبلاد والعباد.
إن القرارات التي اتخذتها الدولة لمواجهة وباء كورونا كانت سديدة ، حيث إنها تحمي الحق في الحياة وتجعله أسمى حق من حقوق الإنسان. فالدولة هنا تصرفت على أساس الميثاق الكوني لحقوق الإنسان، حيث جعلت الحق في الحياة أسمى حق. لكن الأصوليين لا يعجبهم هذا فهم كلهم يريدون خلق الفتن للفتك بكل شيء في هذه الحياة دون أن يعوا أن من يريد تخريب كل شيء فإنه سيخرب ذاته كذلك. وهذا ما جعل الأصولية تؤدي إلى انتحار أصحابها.
هكذا، فالأصولية تؤدي إلى ضمور طاقة الإنسان الخلاقة، حيث تنظر إلى الأصل بوصفه رمزًا للحياة والمصير، وبوصفه الحقيقة المطلقة عينها، بل ترى فيه أم الحقائق كلها. ولهذا فهي تحصر معنى الواقع في كونه مجالا لتطبيق معنى «الأصل» كما تدركه هي ذاتها.
ونظرا للظروف التاريخية وما نجم عنها من مصالح متناقضة، فقد آل الأمر بالأصوليين إلى الاختلاف قي قراءة الأصل، مما أدى إلى انشقاق في صفوفهم وتشظيهم. ويكشف تاريخ الأصوليات عن هذه الانشقاقات التي عرفتها هذه الحركات نتيجة تضارب مصالحها وصراعاتها على السلطة.
ونظرا لكون الأصولية تعطل عقل الإنسان و خياله وتشل روحه ووجدانه، فإن المسألة عندها لا تكمن في كيف نسأل ونكشف ونبدع، بل تكمن في كيف نؤمن ونبشر ونجتذب. فالقيمة عندها ليست فكرية ولا إبداعية، وإنما هي تبشيرية.
يلغي الفكر الأصولي المسافة التي يفترضها التفاعل بين الأصل والواقع، حيث يحل الأصل عندها محل الواقع. وبذلك تتحول ثقافة الأصل إلى مجرد طقوس ومشاهد تملأ فضاء الواقع. وبذلك لم يعد الدين عند هؤلاء الأصوليين تجربة روحية، ولا تجربة أعماق ولا كشوف، ولا إبداعات في المجالات الإنسانية واللاهوتية إنما هو، على العكس من ذلك، نشاطات استعراضية مشهدية وطقوسية. وينطبق هذا على الثورات السياسية والفكرية في شرق الأوسط وشمال إفريقيا التي لا نرى فيها إلا «الأعياد» و«الولائم» التي لا نرى وراءها سوى إرادة السلطة الخالية من أي تأمل في الإنسان، والحياة، وأحوالهما وأسرارهما. كما أنها لا تتضمن أي تطلع إلى إنجاز المزيد من الكشوف المعرفية.
يعتقد الأصوليون أن «الأصل» لا يتجدد، إذ إنه هو نفسه التجدد. هذا ما يعني عندهم أن الأصل ثابت يضئ الوجود، ويدور التاريخ حوله، بوصفه بداية ومركزا له.
هكذا تتحول الأصولية إلى تيار ضد التحول والتغير والإصلاح والتقدم والتنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.