بعد مرور أكثر من خمسين سنة من وجود قانون فريد ووحيد، ينظم مهنة التمريض بالمغرب يعود لفترة الاستعمار وبداية الاستقلال، وبعد تصاعد مطالب الهيئات النقابية والمهنية والتنظيمات النضالية وعلى رأسها التنسيقية الوطنية للممرضين والممرضات، تقدمت الوزارة الوصية بمقترح قانون رقم 43.13 يتعلق بمزاولة مهن التمريض، وهو ما يعتبر تقدما تشريعيا متميزا في مجال الصحة. وبالرجوع الى مضامين مواد هذا المشروع نجد انه جاء بنقط إيجابية مقارنة بظهير 1960، لكن بالعودة الى مطالب الهيئات المهنية والتنظيمات النضالية الميدانية، يتضح أنه لم يلب تطلعات فئات عريضة من مكونات الأسرة التمريضية، ومن أجل تحديد مكامن الخلل وكيفية التقدم بهذا المشروع لابد من دراسته من خلال خمس نقاط أساسية هي: تعريف مهنة التمريض: فإذا كانت المادة الأولى حددت ثلاثة مستويات لعمل الممرض : وقائية، استشفائية، تلطيف الآلام ، و اعترفت بوجود دور خاص ومستقل للممرض، من خلال تقديم علاجات حمائية، والقيام بدور تدبيري وتخطيطي والمشاركة في البحت العلمي. فإن المادة الثالثة قزمت دور الممرض في حدود المؤهلات المكتسبة خلال التكوين بشقيه، وربطت أغلب ادواره بالوصفة الطبية وبعض الاعمال التي تكون تحت اشراف ومسؤولية الاطباء، وهو ما يمس باستقلالية المهنة وتكاملها مع العلوم الطبية. الأعمال المهنية الموكولة للممرض: نصت المادة الرابعة على أن المصدر الأول للتشريع والمبادرة في مجال الاعمال التمريضية يبقى بيد الإدارة، مع إمكانية استشارة الجمعية المهنية المزمع تشكيلها مؤقتا في انتظار إنشاء هيئة وطنية للممرضين، هذه المبادرة تكون عن طريق مصنف تضعه الإدارة، إلا أنه لا يرقى الى درجة مرسوم الكفاءات أو حتى نص قانوني له قوة زجرية، وهو ما يشكل تراجعا عن مطالب الأطر التمريضية. وفي نفس السياق أشارت المادة 11 إلى أن الممرض يجب أن يزاول مهامه في إطار احترام أخلاقيات المهنة رغم عدم التنصيص على ضرورة وجود مدونة لأخلاقيات المهنة . طبيعة العمل : أشار القانون في فصله 12 إلى أن المهنة تمارس إما عن طريق الإجارة أو بصفة حرة، مع حصر عمل الممرض في التخدير والانعاش، والممرض في الامراض النفسية، والممرض في المستعجلات ، في الاجارة فقط، وهو ما ينم عن جهل أو تعمد من طرف الادارة في إقصاء بعض التخصصات للعمل بصفة حرة. فعلى سبيل المثال فالممرض في الامراض النفسية عمله ليس فقط الوصفات الطبية ، بل أعمال اخرى تدخل في تخصصه ومستقلة عن عمل الطبيب ويمكن مزاولتها في إطار عمل حر . العمل في القطاع الخاص : جاء هذا المشروع بنقطة مهمة تسمح للممرضين في القطاع العام بالاشتغال عن طريق الانابة، لكن في حدود احترام المساطر وعدم القيام بالانابة الا داخل الاجازة السنوية، وهو ما يشكل احد المخارج القانونية لعمل الاطر التمريضية بالقطاع الخاص لكن بصفة محدودة جدا. وهنا تجب الاشارة إلى أن القانون المذكور لم ينص على وضعية الممرضين المتخصصين الحاصلين على شواهد الماستر في التمريض التخصصي رغم أن قانون مزاولة الطب تطرق بالتفصيل في بند خاص لفئة الاطباء الاختصاصيين. الإطار الممثل للمهنة : تطرقت المادة 35 للنظام التمثيلي، وذلك عن طريق التنصيص، وبصفة استثنائية، على ضرورة وجود جمعية مهنية تمثل الممرضين، لكن النص لم يحدد طبيعة وكيفية هذه التمثيلية ونسبتها، كما أن الفقرة الأولى من المادة نفسها لم تلزم ممرضي القطاع العام بالانضواء تحت هذه الجمعية لكن ألزمت به الممارسين بالقطاع الخاص. هذا بالاضافة الى ان مساهمة الجمعية في إعداد السياسات الصحية رهينة بطلب الادارة وليس بمبادرة الجمعية ، مما قد يحد من عمل هذه الأخيرة التي من خلال الاختصاصات المخولة لها وخضوعها لاحكام ظهير تأسيس الجمعيات، يبقى دورها محدودا مقارنة مع وجود هيئة وطنية لها سلطة المراقبة والتأديب والحماية . الآليات العقابية : هذه الآليات سواء الغرامات أو العقوبات السجنية، يمكن أن تلعب دورا في محاربة الممارسة العشوائية للمهنة، وتؤسس لمرحلة جديدة يلعب فيها القضاء دورا أساسيا في مراقبة مزاولي مهنة التمريض. وعلى العموم يمكن القول إن مبادرة الوزارة الوصية لإخراج قانون منظم لمهنة التمريض، تعتبر خطوة هامة نحو الرقي بها، لكن أي مجهود يبقى بدون معنى في ظل عدم وجود هيئة وطنية وتحديد دقيق للأعمال التمريضية.