صادق المجلس الحكومي يوم الخميس 19 فبراير 2015، على مشروع قانون رقم 43-13 المتعلق بممارسة مهن التمريض بالمغرب. هذا المشروع الذي طال انتظاره يضم في نسخته الحالية مجموعة من الثغرات والاختلالات من حيث الشكل والمضمون، وفي حالة ما تم تطبيقه سيخلق كثيرا من الارتباك الناتج عن غموض بعض مواده. يبدو جليا من خلال قراءة أولية لمقدمة المشروع، أنه يكرس مبدأ الوصاية على مهنة التمريض وأن التصور العام الذي أنجز من خلاله المشروع، بعيد كل البعد عن مبدأ استقلالية علوم التمريض، و لا يأخذ بعين الاعتبار التطورات الهامة التي عرفتها علوم ومهن التمريض عبر العالم بأسره، وذلك منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي على غرار دول أمريكا الشمالية والانكلوسكسونية على العموم. من خلال هذا المدخل لمشروع القانون نستشف أنه وضع وفق تصور يمنح العقل والعلم للطبيب ويقزم دور الممرض إلى تطبيق الوصفات والتوجيهات، والحال أنه كان من الأجدر أن تتم صياغة المشروع من وجهة نظر تمريضية آخذة بعين الاعتبار علوم التمريض ونظرياته كلبنة أساسية. هذه الازدواجية في التصور أثرت بعمق على روح مشروع القانون، حيث أن هذا الأخير يتذبذب بكيفية عمياء بين مبدأ المسؤولية ومبدأ الكفاءات، هذا الخلط يبدو واضحا في البند الثالث في سطره الثاني ، حيث تقرأ « يمارس الممرض تحت مسؤولية الطبيب!». جملة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها فارغة تماما من أي مدلول قانوني واضح، ففي حالة الخطأ من الاثنين يتحمل المسؤولية القانونية في شقيها الجنائي و الإداري، أكثر خطورة من ذلك ماذا سيكون موقع الممرضين العاملين في المجال القروي و الذي يشكل 48 % من العرض الصحي الوطني، والذين يمارسون في المستوصفات والمراكز الصحية بدون طبيب، فلو أخذنا مثلا مجال التلقيح الذي «يتغنى» المغرب من خلاله بالقضاء على أمراض فتاكة كالسل و الكزاز .....و الذي يعود فيه الفضل الكبير في المناطق النائية للممرض. إلى جانب ذلك نجد في البند الثاني الذي عرف من خلاله المشرع مهنة التمريض على انه لا يعدو أن يكون إلا ترجمة حرفية للقانون الفرنسي المؤرخ في بداية الثمانينات والمتجاوز حاليا، والذي تم تعديله لثلاث مرات، خاصة بعد أن صادقت فرنسا على إعلان بولون 1999 حيث فرض على الدولة الفرنسية تبني المعايير الأوربية الموحدة للشهادات الجامعية. وفي ما يتعلق بالدور الخاص للممرض، فقد تمت الإشارة إليه بكيفية محتشمة في البند الأول، وذكر في البند الثالث بعبارة ركيكة لا يفهم من خلالها إن كان الأمر يتعلق بالدور الخاص المهني أو بأعمال خاصة و شخصية، كما أنه في البند الرابع تم التطرق إلى مصنف المهني للكفاءات و فرض وصاية هيئة الأطباء في الإشراف على صياغته، وكأن القانون يريد أن يقول للممرض المغربي أنه ليس مؤهلا و قادرا على تنظيم مهنته بعيدا عن الوصاية. وفي نفس السياق نشير إلى أن الوزارة تجد صعوبات كثيرة في تحديد الأعمال المنوطة بالممرضين، خاصة فيما يتعلق بالممرضين متعددي التخصصات الذين تعلم أنهم يقومون بدور الطبيب و الممرض على السواء في المناطق النائية ، ويشكلون الملاذ الوحيد للساكنة في العالم القروي، وكذا ممرضي الإنعاش والتخدير الذين يقومون بعمليات التخدير كاملة، وغالبا في غياب الطبيب المختص في هذا المجال. إذا كان الهدف الأول الذي سطره هذا المشروع لنفسه ، هو تحديد تعريف دقيق لمهن التمريض وربط مزاولة المهنة بالتوفر على دبلوم الإجازة في التمريض، فإن البند 48 فتح الباب على مصراعيه لعدة فئات أخرى لمزاولة الأعمال التمريضية في القطاع الخاص دون التوفر على الشروط المنصوص عليها في مقتضيات البند 17 في تناقض صريح بين مواده و متسترا، نورد العبارة الشهيرة « تحت مراقبة و مسؤولية الطبيب يمكن.......». إن مشروع القانون بصيغته الحالية لن يزيد مهنة التمريض إلا تأزما، ليس فقط لمحدوديته وثغراته العديدة، وإنما كذلك لصياغته وفق منظور بيوطبي، بعيدا عن التطورات الحاصلة عالميا في مهنة التمريض وعلومها. ومن الناحية العلمية فالمشروع لا يعكس بتاتا ما يقوم به الممرض في عمله اليومي، والدور الأساسي الذي يقوم به داخل المنظومة الصحية ، أضف إلى ذلك أن المشروع في تناقض تام مع التكوين الجامعي وفق نظام إجازة ماستر دكتوراه الذي تبنته الوزارة مؤخرا. وختاما، فإن هذه الورقة ما هي إلا بداية لفتح نقاش عمومي حول مشروع قانون متعلق بمهن التمريض يضم كافة المتدخلين من نقابات وجمعيات مهنية ومجتمع مدني، بغية التأصيل لمهنة إنسانية ينتظر منها المواطن المغربي الشيء الكثير.