كيف يمكن للبحث في العلوم الاجتماعية أن يساهم في فهم ودراسة الوقائع الاجتماعية في أوقات الأزمات؟ تطرح أسئلة عديدة تتعلق بالثقة في الدولة، التضامن الاجتماعي في الوسط الحضري والريفي، استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ديناميات الأسر، استراتيجيات التواصل للسلطات العامة ووسائل الإعلام ، سلوكيات ومعتقدات الناس حول كورونا، علم اجتماع الشائعات. وفي الوقت الذي يكون فيه الأطباء ومساعدوهم على الخط الأمامي، نسجل عجزا صارخا في مجالات علم اجتماع الصحة، واقتصاد الصحة، والأنثروبولوجيا الطبية. لمن يعرف منزل لقمان، من نافلة القول إننا لسنا مستعدين تماما للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها لأننا بالفعل لم ندرسها بما فيه الكفاية قبل حلول الخطر. يجب أن تكون هذه المرحلة من الأزمة الصحية فرصة حتى لا تبقى الجامعة على هامش فهم المجتمع، كما هو الحال الآن. ما العمل بعد الأزمة؟ هي فرصة لوضع جدول أعمال علمي جماعي. لنذكر أولاً أن الأعمال المنشورة التي تُنفذ بشكل جماعي في إطار بنية بحثية هي نادرة. ويبقى الباحث الوحيد المنعزل هو القاعدة. لتفسير ضعف البنيات البحثية عدة أسباب ، لكن أهمها ، في رأيي ، هو منطق البنينة الذي يتم من أعلى إلى أسفل دون مراعاة الموارد البشرية للمؤسسات المختلفة. يضطر الباحثون لإنشاء مركز يضم عدة مختبرات تضم بدورها عدة فرق. وكأنك تلبس طفلا جلبابا صوفيا أكبر منه و ترغمه، فوق هذا،على الركض. غالبية الفرق البحثية لا تمشي حتى. يملي الحس السليم أن نأخذ في الاعتبار الكتلة الحرجة للباحثين في كل مؤسسة، نرى ما هم قادرون عليه ثم نترك لهم خيار إنشاء أكبر عدد ممكن من الفرق والمختبرات وفق عددهم ودرجة تجربتهم البحثية. نعلم من نظرية الفعل الجماعي أن كل عمل جماعي يتطلب كتلة حرجة ، حيث لا يمكن أن نخلق جماعة علمية بعدد منخفض من الباحثين ، تمامًا مثلما لا نستطيع أن نُنجح إضرابا ، وأن ننشئ نقابة بعشرة عمال. بعد خلق العدد المناسب من الفرق البحثية، يمكن تقييمها بناءً على نتائج أنشطتها (النشر، الخبرة، الإشعاع …) ودعمها وفقًا لذلك. خلافا لهذا، سنستمر في إنشاء هياكل شكلية لا حياة فيها، وفي أفضل الحالات التفرج على فرق شجاعة من الباحثين يعملون وينتجون على هامش أي دعم أكاديمي. قد نحتمل الموقع الهامشي للبنيات البحثية تجاه التحديات والوقائع البارزة لمجتمعنا، ونقبل بالأمر الواقع ونقول كالمعتاد «هد شي للي عطا الله» لو كانت بلادنا لا تمتلك كفاءات تنتج، منذ عقود، في صحراء مؤسساتية، لو لم يكن في بلادنا مجموعة من الباحثين الشباب الذين يتمسكون بالبحث العلمي على الرغم من كل العقبات. وأكرر أن العائق الكبير يتمثل في منطق بنينة البحث الذي يجب عكسه، أي أن نبدأ من الأسفل وأن نبني تدريجياً وفقاً لوتيرة كل مؤسسة، وخصوصاً وفق نهج تشاركي وتعاوني. بنينة البحث لا تتم بقرار سياسي مركزي موحد يسري على كل المؤسسات. ما على المؤسسات المركزية و الجامعية إلا أن تواكب، تصاحب و تدعم إعادة البنينة من أسفل التي تبقى من اختصاص الباحثين. فهم أدرى بصحاريهم. تعتبر البنينة الفعالة أمرًا ضروريًا لأن هناك جداول أعمال ومهام تتجاوز قدرة الفرد المنعزل، والتي لا يمكن الاعتناء بها إلا من قبل مجموعات مبنينة من الباحثين . البنينة ضرورية لأنها تضمن الخلف، استدامة المشاريع، تراكم المعرفة ونقلها، والاستجابة للمطالب الاجتماعية والسياسية لبلادنا، في الأوقات العادية كما في أوقات الأزمات… أنتروبولوجي، أستاذ جامعي