هل كان الاتحاد الأوروبي ضعيفا في مواجهة وباء كورونا فيروس؟ هذا السؤال طرحه أكثر من متتبع أمام غياب التنسيق بين أعضاء هذه المنظومة السياسية، وأمام الصورة التي انتشرت عبر العالم، حول هبوط طائرات العديد من البلدان لتقديم المساعدة إلى إيطاليا التي تفشى بها الوباء بشكل خطير في غياب المساعدات الأوروبية، هل غابت هذه المساعدات أم أن وسائل الإعلام لم تتحدث عنها؟ الجميع احتفظ بصور طائرات من الصين، روسيا، وكوبا وبعض الدول العربية بما فيها التي تعاني من التفشي الكبير للمرض وتنقصها الإمكانيات. لكن لا صورة أو حديث عن المساعدات الأوروبية، وكل ما احتفظ به العالم والإعلام هو صورة الخلافات الأوروبية حول قيمة المساعدات أو الديون التي تقدمها المفوضية الأوروبية للبلدان المتضررة من أعضائه والخلاف الكبير حول الديون الجديدة والشروط التي يجب أن تقدمها البلدان المثقلة بالديون من بين أعضائه وهي إيطاليا. اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية الإيطالية، على الخصوص، استغلت هذه الأزمة السياسية وهذه المفاوضات الطويلة بين أعضاء الاتحاد، للهجوم على بروكسيل ولتنفي عن أوروبا أية مساعدات، بل إن بعض أعضاء هذا اليمين طالبوا بمغادرة إيطاليا للاتحاد ومؤسساته. وقارنوا بين مساعدات بعض الدول التي لا تتجاوز بضع ملايين من الدولار والتي لا تفي حاجات إيطاليا ليوم واحد وبين النقاش الأوربي حول الديون أو السندات الذي يمس مئات الملايير من اليورو. وهي ديون ضخمة ومبالغها لها تأثير على مستقبل اقتصاد إيطاليا وباقي البلدان الأوربية. ونجح اليمين المتطرف الإيطالي وحلفاؤه بأوروبا في إثارة الرأي العام الأوروبي والعالم حول هذه المساعدات الهامشية. في حين أن النقاش الأوروبي هو حول ديون تبلغ مئات الملايير وليس طائرة من الكمامات الواقية والمعدات الطبية التي تطالب دول اليوم بمقابلها بالدولار، بل يتم أداء ثمنها نقدا بالمطارات . بهذه المناسبة طرح نقاش حول غياب قيم التضامن بين الأوربيين، وقال رئيس البرلمان الأوروبي دافيد ساسولي « بدون تضامن، وروابط بين الأوربيين، فإن مبررات التواجد المشترك تسقط في الماء.» لنعد إلى متابعة هذه العلاقة بين مؤسسات الاتحاد وأعضائه، والحديث عن المساعدات التي تقدمها المفوضية الأوروبية لكل بلد على حدة من أعضاء الاتحاد وكذلك إلى بلدان الجوار الأوروبي وباقي العالم. وتعتبر أوروبا من الدعائم الأساسية للمغرب وقدمت دعما أوليا لصندوق جائحة كورونا وصل إلى 150 مليون يورو. بلدان الاتحاد الأوربي اعترفت بغياب أي تعاون في المجال الصحي، وهي إحدى نقط ضعف أوروبا والتي أغفلت في مجال التعاون بين الأعضاء والتي يمكن أن تتغير بعد الأزمة، فكل بلد من البلدان الأعضاء يحتفظ بسيادته المطلقة في مجال الصحة شريطة احترام مقتضيات الموازنة العامة. لهذا فإن التعاون في هذا المجال كان بشكل ثنائي، وفي هذا الإطار فتحت ألمانياوفرنسا والليكسمبورغ مستشفياتها لاستقبال العديد من المرضى الإيطاليين بوباء كورونا، وهو أمر تم بشكل ثنائي بين هذه البلدان. لكن ما احتفظ به المتتبعون للعلاقات الأوروبية هو التنافس للحصول على الكمامات الواقية والأدوات الطبية وكذلك المفاوضات الطويلة الماراطونية لوزراء المالية الأوربيين حول المساعدات ودعم الاقتصاد الأوروبي والتي تسببت في خلافات عميقة، ذكرت الجميع بخلافات 2010 حول الديون الأوروبية وإنقاذ اليونان من الإفلاس. وهي مفاوضات كانت طويلة وعسيرة فرقت بين الشمال الأوروبي بزعامة ألمانيا والجنوب بزعامة فرنسا، ليتم إيجاد حل صعب مكن في الأخير من إنقاذ اليونان من الإفلاس ومن تعافي اقتصادها. بعد أزمة كورونا طرحت نفس الخلافات بين الشمال والجنوب، وتم الاتفاق على خطة إنقاذ ضخمة بقيمة 500 مليار يورو لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضررا جراء تفشي وباء فيروس كورونا المستجد. ولم يتم الاتفاق حول إصدار سندات «كورونا بوند» لتشارك الديون بين دول الاتحاد لمجابهة الأزمة. وحصل تراض على استعمال أموال صندوق خطة إنقاذ لمنطقة اليورو بقيمة 500 مليارات يورو. وذلك من خلال استعمال آلية الاستقرار المالي الأوروبية، والتي تم وضعها في عام 2012 خلال أزمة الديون في منطقة اليورو، بهدف مساعدة الدول التي تفقد القدرة على الاقتراض من الأسواق العالمية. خاصة إيطاليا التي كانت لها مشاكل اقتصادية بسبب ارتفاع ديونها وهو الوضع الذي تفاقم مع انتشار جائحة كورونا، التي تسببت في عدد كبير من الضحايا بإيطاليا، كما كان لها وقع جد سيء على الاقتصاد الإيطالي. وفرنسا هي من اقترح تمويلا «بنحو 500 مليار يورو» مخصص ل»تكاليف المستقبل» و»محدود الوقت»، لكن يسمح بإصدار دين مشترك لأن «هذا هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة». وهو ما عارضته ألمانياوهولندا ورفضتا بشدة أي تقاسم للديون، أو الانضمام إلى آلية مشتركة مع دول الجنوب «ذات الديون الكبيرة والمتراخية في إدارتها» بحسب هولنداوألمانيا. وتشترط من أجل تقديم القروض للدول المعنية إصلاحات اقتصادية فيها. وهو ما ترفضه إيطاليا واسبانيا الأكثر تضررا من الوباء. وتبدو الاستجابة الموحدة للأزمة ضرورية أكثر من أي وقت مضى للاقتصاد الأوروبي الذي يتجه في 2020 نحو ركود عميق. ويعتبر صندوق النقد الدولي أن أزمة فيروس كورونا قد تؤدي على المستوى العالمي إلى «نتائج اقتصادية أسوأ من نتائج الكساد الكبير» في عام 1929. وهذا الخلاف التقني حول عمليات التمويل والقروض بين الأعضاء الأوربيين، استغله المتطرفون والمحافظون من أجل شن حملة قوية في إيطاليا والعالم حول جدوى أوروبا وجدوى الاتحاد. وهي الحملة التي لقت صدى عالميا، خاصة من طرف القوى التي يزعجها الاتحاد الأوروبي وينافسها. الاتحاد الأوروبي يضمن أزيد من 20 مليار يورو لمساعدة شركائه عبر العالم في مكافحة فيروس كورونا، وفي هذا الإطار قالت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لا ين إن هذا الفيروس «الذي كان لانتشاره السريع وقع عميق على النظم الصحية والمجتمعات والاقتصادات في جميع أنحاء العالم، لا يمكن التغلب عليه إلا من خلال الوحدة ومساعدة بعضنا البعض.» وألحت قائلة «لن ننتصر إلا بفضل الاستجابة العالمية المنسقة. ولهذا السبب يتعين علينا دعم شركائنا»، مشيرة على وجه التحديد إلى إفريقيا، التي «تحتاج إلى المساعدة من أجل إبطاء انتشار الفيروس كما هو الشأن بالنسبة لنا». وتستفيد إفريقيا من هذا الدعم الأوروبي الذي وصل إلى مليار ونصف. ويعتبر المغرب من البلدان الأكثر استفادة من هذا الدعم، فقد حصل صندوق مواجهة جائحة كورونا على 150 مليون يور، وفي اتفاق بين الجانبين سوف توجه 300 مليون المتبقية للمغرب نحو مجهود مواجهة مخلفات وباء كورنا. الاتحاد الاوربي تعرض لانتقادات كثيرة ولكن دائما من نفس الأطراف، كما أنه رغم المساعدات المهمة التي يقدمها لشركائه وبلدان الجوار، فإنه لا يرافق ذلك بالدعاية الإعلامية الكبيرة ولا يستغل المساعدات الإنسانية أو الاقتصادية للقيام بذلك، كما فعلت قوى ودول أخرى التي قامت بتوزيع آلاف الكمامات الواقية وبعض المعدات الصحية، والتي لا تبلغ قيمتها حتى مليون يورو، وما صرفته من ميزانية عليها من أجل الدعاية الإعلامية كان أكبر أحيانا من المساعدات المقدمة.