نظم مختبر السرديات بالدارالبيضاء لقاء أدبيا مع القاص والروائي المصري وحيد الطويلة، بمشاركة أنيس الرافعي، عمر العسري، عبد الرحمن غانمي، عبد العالي دمياني، وشعيب حليفي، وبحضور عدد كبير من الشعراء والكتاب والنقاد والباحثين والطلبة المنشغلين بالثقافة والأدب، ابتداء من السابعة مساء من يوم الأربعاء 19 فبراير2020، بفضاء الحرية عين الشق-الدارالبيضاء. استهل اللقاء بكلمة لرئيس المختبر شعيب حليفي، شكر فيها القيمين على الفضاء، ورحب بكل الحضور، الذين تجشم بعضهم عناء السفر من خارج الدارالبيضاء، بالطلبة الذين لم تحل الامتحانات دون قدومهم، بالباحثين الجزائريين عبد القادر بلي، وبلقاسم يخلف، الذين أصرا على المساهمة بشكل أو بآخر. كما نوه بالتواجد المكثف للشعراء والذي يضع علامة استفهام عن سر العلاقة المميزة بين الروائي المصري والشعراء المغاربة.ثم رحب بالقاص والروائي المصري وحيد الطويلة الذي سبق أن استضافه المختبر بمناسبة صدور إحدى رواياته، وهي عديدة لعل أهمها: باب الليل، أحمر خفيف، حذاء فلليني، وجنازة جديدة لعماد حمدي، مؤكدا أنه يحتل موقعا أساسيا في المشهد الروائي العربي بصوته ومتخيله والقضايا التي يطرحها على المستويين الفني والدلالي. بعدها تناول الكلمة عبد الرحمن غانمي ليقدم موجز دراسة أنجزها بعد صدور رواية «أحمر خفيف»، بعنوان «الحكاية والمشتل السردي»، ليؤكد أن الرواية فيها الكثير من القضايا السردية، التاريخ المعاصر وتحولاته وتناقضاته.. وهي رواية كأنها حوض مائي، ما إن يصل القارئ إلى نهايتها حتى يعود إلى نقطة البداية، إذ تدخله الجملة الأولى أجواء الموت والحزن، وهي نفس الأجواء التي يجدها في النهاية، والتي تتم دون أن يكون محروس، الشخصية الرئيسة في الرواية، أو نعش محروس قد غادر المستشفى. وإلى جانب هذه الشخصية، يضيف غانمي، نتعرف على سير وحيوات أخرى لشخصيات عديدة وافدة من القرية، تبرز الرواية من خلالها الكثير من التناقضات والمفارقات والعادات والطموحات والمشاعر الذاتية، والاستيهامات والمسكوت عنه في المجتمع المصري…إنها سير للانفصال، والصعود الهابط نحو هوة حكائية قلقة. وفي كلمة/ شهادة للقاص والروائي المصري، ضيف اللقاء، وحيد الطويلة، تفيض حبا وتقديرا للمغرب والمغاربة، وتنضح شعرا ومجازا واستعارات، يؤكد أن أغلب الإجابات عن السؤال الوجودي لماذا نكتب، تكون هي أن الكتابة تقاوم الموت، ولذلك كانت روايتان له متلبستين بالموت. ولمزيد من الكشف والاكتشاف لسحر الكتابة لدى ضيف اللقاء، ومزيد من استيعاب للعالم الحكائي الذي استمتع به الروائي قبل أن يمتع به قارئه، أتاح حليفي الكلمة لبعض أصدقاء الكاتب .وكان عمر العسري أول المتدخلين في هذا الصدد، وقد جمع تدخله بين الشهادة والقراءة الذاتية الذوقية لرواية «باب الليل»، باعتبارها الرواية الأقرب إلى وجدان الكاتب وفكره، لينوه بخبرة الروائي بالحياة، بحبه للكتابة وتفضيله لها على أمور عديدة، لعشقه للمقهى واتخاذها فضاء للكتابة. فوحيد الطويلة كما يرى مكشوف بأسراره، يحاول في كل أعماله أن يرفض الموت والرسميات، إنه حكاء ماهر، مسؤول ثقافي وإعلامي، مبدع أوبيرالي، يكشف في باب الليل وفي كل ماكتب عن إدراك للصوغ الروائي. أما عبد العزيز أمزيان فصرح في كلمته أنه لا يتذكر متى التقى وحيد الطويلة، ولا يهمه ذلك، بقدر ما يهمه تأكيد أن هذا الروائي يدهشك بقدرته الفائقة على إذابة الحواجز وتكسيرها، يحدث من يجالسهم بحميمية، كما لو كانوا شخصيات وقد خرجوا للتو من رواياته، ينصت ليهم.. يتعاطف معهم..ويتقاسمهم الحياة التي يحيونها.. وحيد الطويلة، تحس أنه أتى من كل عواصم البلدان، خالط أصنافا من الناس..حكاء ماهر.. يطوي في روحه أنهارا من الحكايات… بدوره، عبر صلاح بوسريف عن سعادته باستضافة الروائي والقاص العربي المصري، وأشار إلى أن الشعراء لا يقرأون كل ما يصدر من الروايات، بل يقرأون روايات تكون بالفعل تستجيب لشرط الإبداع والخروج عن المألوف الروائي، ووحيد طويلة من الذين يدفعون الشعراء لقراءتهم.. يبني نصه بشعرية.. سبب هذا النوع من الكتابة عند الطويلة يعود لكتابته القصة، ولتعوده على التقاط المشهد المقتضب، مثل المصور المحترف، ويحوله إلى واقع الأدبي بعد إخراجه من الواقع المعيش. وإذا كانت السرود العربية، حسب محمد علوط، تراوح بين سرود ملحمية، وأخرى تراجيدية، فسرد الطويلة في تقديره الشخصي ينتمي للسرود الأخيرة، لأن الروائي من نمط الكتاب الذين يكشفون عن رؤية كارثية، يعبرون عن انكسار العالم الذي نحيا فيه، من خلال سخرية لاذعة، ورؤية تهكمية جارحة. إن الكتابة لديه مواجهة مع الموت، كتحدي، وكمحاولة لتجاوز إحباطات العالم التراجيدي. أما أنيس الرافعي ، فأكد على صعوبة الحديث عن وحيد الطويلة، أحد العشاق الكبار للمغرب، وصديقه منذ عقدين من الزمن، مدليا بشهادة محبة وسمها ب»الإقامة في محطة السلحفاة»، يعبر فيها عن صداقته القوية بوحيد الطويلة، ورفقة لم تزدها السنوات إلا عمقا وقوة. إنه أحد مراجعه الراسخة في الكتابة، راحة يد كريمة معطاء،لقنه درسين أساسين،أولهما أن المقهى هو الكوكب الصغير الذي يقيم فيه الكاتب، والذي لا يدخله الزمن، عدو الكاتب. والدرس الثاني كان هو حس الإيقاع، وصياغة الأوزان، فحينما يقرأ له، يقول الرافعي، فإنه يصيخ السمع إلى مقامات وألحان وأصوات عدد من المغنين العرب.. وأحد أبرز المقرئين الشيوخ، إنه المعادل الجمالي لبليغ حمدي في السرد… إضافة إلى هذه الشهادات والكلمات في حق الروائي، طرحت مجموعة من الأسئلة المباشرة عن الكتابة والألم، وأسرار الكتابة الروائية وطقوسها عند الطويلة، ودور الرواية وأهميتها في واقعنا العربي اليوم…فكانت إجابة الروائي في آخر اللقاء من خلال الحكي والحكاية والطرف وقصص الفنانين والمغنين والمبدعين العرب والعالميين، مثل محمد عبد الوهاب، غارسيا ماركيز، عفيفي مطر، صلاح بوسريف… ليؤكد أن المبدع كيفما كان مجال اشتغاله ينتظر بقلق وخوف لحظة الإلهام، إنه يعمل، لكن هناك شيء خفي يخط مصير كل عمل على حدة، ويصنع حياته ولغته وعوالمه وخصوصيته، فحين يطرح عليه سؤال كيف تصنع النص بنفس شعري دون أن تعطل السرد، أو بعض أعماله قصائد نثر، يقر أنه رغم استفادته كثيرا حين قدومه إلى القاهرة، من شعراء الحداثة، إلا أن القصدية لم تتوفر حين كتابته تلك الأعمال، وعن السؤال من أين يأتي بحكاياته يؤكد أنه حكاء ابن حكائين، يحاول أن ينسى ذلك ليكتب. الجدة وخصوصية المنطقة التي نشأ بها، هما السر، ففي منطقة تستمر فيها الأمطار ثلاثة أشهر متتالية، والظلام يحل فيها قبل المغرب بساعة، منطقة تضم اللصوص والهاربين والمناوئين من كل نوع وشكل، صنعوا لهم تاريخا وصدقوه، وصنعوا اسطورتهم… في هذه الطبيعة، وذاك الليل لا تتبقى سوى الحكاية…حكايات الجدة، ثم تظهر الحاجة لدى الطويلة لتغيير هذه الحكايات تغييرا طفيفا، فيبدأ الكذب الجميل، ثم تأتي القصص والروايات، ويكون الإبداع.