في لقاء وفاء لذكرى الشاعر الراحل محمد لقاح اِلتأم مجموعة من أصدقائه ومحبيه، يوم الثلاثاء الماضي بقاعة سجلماسة، في إطار فعاليات معرض النشر والكتاب بالدار البيضاء، لتكريم ذكرى شاعر مغربي وصوت متميز في الساحة الأدبية المغربية، جمع في إنتاجاته وإصداراته بين الشعر والنقد والترجمة، هامة شامخة ونجمة مضيئة في سماء الشعر والأدب المغربيين بصمت بأعمالها المتميزة الساحة الثقافية المغربية وأثرت بإصداراتها الخزانة الوطنية الأدبية بدواوين ومجموعات شعرية وأعمال نقدية مترجمة. حضر هذا اللقاء الصديقان المقربان وحضر الأخ المخلص مثلما حضر الابن البار، لسرد بعض من لحظات تشاركوها مع الراحل ولاستحضار مواقف جمعت بينهم وبينه فحركت في نفوسهم عبق الذكرى وسحر الحنين وشوقا للحظات غيبها الزمن لكنها بقيت منقوشة في القلب بمداد الحب والوفاء، وبالرغم من أنه كان لقاء تأبينيا إلا أن طيف الراحل أبى إلا أن ينشر على أصدقائه الحاضرين نفحات من سعادة وفرح صادقين أطلا واضحين من الأعين كما لو أنهم كانوا يشعرون أن روحه تحلق بينهم وتلامس قلب كل واحد فيهم، هو الغائب جسديا لكنه حاضر أبدا في أحاديثهم ومخيلتهم. في بداية اللقاء رحب مسيره عبد الناصر لقاح، وهو أخ الشاعر الراحل بالحاضرين معبرا عن سعادته بالمشاركة في هذه الندوة التي خصصت لشاعر متفرد فكرا وخلقا وروحا، مقدما المثقفين المساهمين في الندوة: الشاعر محمد علي الرباوي ومحمد الزروالي وابن الشاعر الراحل عبد القادر لقاح، وهو بالمناسبة شاعر أيضا. وذكر عبد الناصر لقاح بالحب والروح النبيل والأخوة الثابتة الأبدية بين الراحل لقاح ومحمد علي الرباوي، فهو من أكثر شعراء وجدة الذين كانت تربطهم بلقاح علاقة وطيدة ويشتركان في العلم والشعر والشعر المغنى. من جهته استحضر محمد علي الرباوي، الشاعر والباحث الأدبي والأكاديمي، في مداخلته، أبرز محطات المسار الثقافي والشعري للراحل محمد لقاح، موردا بعضا من إصداراته التي يفوق المخطوط منها المطبوع، داعيا الوزارة المكلفة إلى إيلائها الاهتمام اللازم، مؤكدا أن أعمال الفقيد تستحق أن تغوص في أعماقها أعمال جامعية، إذ خلف الفقيد، يقول الرباوي، متنا شعريا غزيرا المطبوع منه قليل، من بينه :»هذا العشق الملتهب» 1980، «سأفتح باب فؤادي»1998، «ثلاثية الحنين المهرب» 1998، «نهر الأطلسية» 2004 ، «مواسم الأمطار الغرثى»2009، «الرؤيا وعبق الأحوال»2009. وأردف الرباوي أن الشاعر لقاح لم يكتف بالشعر بل اشتغل أيضا بالترجمة، فقد كان متبحرا في اللغة الفرنسية حين كان معلما بالطور الابتدائي، وكان أيضا ملما ومتبحرا في اللغة العربية حين التحق بالتعليم الإعدادي، وقد نشر أغلب هذه الترجمات بعدة جرائد مغربية كما نشر كتابين هما: «البنيوية والنقد الأدبي» لجيرار جينيت وميكائيل ريفتير وجورج مونان 1991، فضلا عن ترجمة «كتاب العلم والمال» لألبير بيلو 2008 . محمد لقاح، يسترسل الرباوي، كانت له إسهامات في النقد الأدبي ونشر كتابا في هذا الصدد بعنوان «تفكير مسلم معاصر» 2011 ، وهو عبارة عن قراءة نقدية لكتاب المفكر التونسي محمد الطالبي. وحول جيل الشعراء الذين ينتمي إليهم لقاح، قال الرباوي إن الباحث المغربي حين يطلع على كتاب الشاعر محمد بنيس «ظاهرة الشعر المغربي المعاصر» فإنه لن يجد اسم الشاعر محمد لقاح في قائمة شعراء المتن المدرس، لأن بنيس درس في كتابه شعراء الستينيات ولقاح ليس منهم، لكن حين ظهرت دراسة عبدالله راجع «القصيدة المغربية المعاصرة»،توقعنا ، يقول الرباوي، أن يكون شعر لقاح ضمن المتن الذي اقترحه راجع لكن حين نعلم أن الباحث اشترط في مقدمة دراسته أن يكون شعراء المتن هم الشعراء الطلبة بكلية فاس فوج 68-72 نعلم أن محمد لقاح لم يكن وقتئذ طالبا بل كان معلما، لكن إدريس الملياني مثلا الذي كان بهذه الكلية لم يكن شعره ضمن هذه الدراسة لأنه يمثل مع شعراء آخرين جيلا وسطا وهم: أحمد مفدي، مالكة العاصمي، عبد العالي الودغيري، محمد عمارة، عبد الرفيع الجواهري، محمد عنيبة الحمني، إدريس الملياني، أحمد هناوي الشياظمي، القمري الحسين، محمد لقاح، محمد بن دفعة، محمد الرياحي، إسماعيل زويريق، المسكيني الصغير. وهؤلاء، يسترسل الرباوي، لا علاقة لهم بالستينيين ولا السبعينيين، مؤكدا أن هذا الجيل من الشعراء لم يهتم النقد الأدبي بشعرهم كما اهتم بالجيل السابق ثم الجيل اللاحق، علما بأن شعراءه كانوا سباقين لنشر أعمالهم التي نذكر منها: «الحب مهزلة القرون» لعنيبة الحمني، «أشعار للناس الطيبين» للملياني وهناوي والمسكيني الصغير، و«أشواق بلا ورد» لمحمد بن دفعة، وقد ارتبط هذا الجيل من الشعراء أكثر بهموم الوطن وعُد ذلك السمة الغالبة عليهم حيث ارتبطوا بالسياسة العامة وبالأحزاب الوطنية خاصة، باستثناء محمد لقاح وإسماعيل زويريق. بعد هذه النبذة التاريخية عن مسيرة الشاعر وتموقعه في المشهد الثقافي الشعري على وجه الخصوص، التي قدمها الرباوي الأكاديمي، عاد ليتذكر كيف جمعته الظروف لأول مرة بالشاعر المحتفى بذكراه في هذه الأمسية، قائلا إنه في أواخر سنوات الستين وأوائل السبعينيات لم يكن معروفا من شعراء السبعينيين سوى جماعة «رواد القلم» و»جماعة فاس» المتمثلة في الشعراء الذين درسهم راجع في دراسته الجامعية المشار إليها سابقا، وآنذاك لم يتمكن شعراء المغرب الشرقي من الإفصاح عن أنفسهم لكن استطاعت أسماء من وجدة أنهت دراستها بفاس أن تبرز وتعلن عن نفسها، من بينها اسمان شعريان كان لهما حضور ملفت، هما الحسين قمري ومحمد لقاح، فقد جاءا إلى الشعر بعيدا عن مدرجات الجامعة، يقول الرباوي: «وجدت في شعرهما ما يمكن أن يشكل تيارا وكانت جريدة البيان قد نشرت قصيدة للشاعر لقاح لمست فيها نفسا شعريا جديدا، ذات لغة بسيطة ولكنها عميقة، فقد كانت من القصائد المغربية الأولى التي اتخذت من الأنثى قناعا ورمزا فكتبت مقالة عنها وكانت هذه المقالة هي سبب تعارفنا». وسجل الرباوي أن لقاح كان مربيا نموذجيا، انغمس في التعليم الابتدائي عن حب وعشق، فقد حبب إلى تلامذته المعرفة والبحث وتصدر أغلبهم المراتب العليا، وكان قدوة بالنسبة لهم، كما كان يعتني عناية فائقة باللغة عاشقا لها، وفي أشعاره وكتاباته، كان يختار الأفصح ويترك الفصيح، يتجنب الشاذ من الاستعمالات التي لم ترد في شعر الأقدمين، كما كان ملتزما بقضايا الوطن دون إخلال بأدبيته الشعرية، متشبعا بفكر اليسار مخلصا لمبادئه صادقا في انتمائه للفكر الذي يتبناه مما انعكس على كتاباته. أما الزجال محمد الزروالي، من جانبه، فقد تشارك مع الحاضرين إحدى ذكرياته التي جمعته بالراحل سنة 1999، وتركت في نفسه وقعا طيبا وذلك عندما زاره في بيته حين علم بمرضه، لكن زيارة المعايدة تحولت إلى صالون أدبي بعدما وجد الشاعر في فترة نقاهته وعوض أن يدور الحديث عن المرض والدواء، تمحور حول القصيدة المغربية الفصيحة والنقد الأدبي الجميل الممتع الخالي من أي تجريح أو نميمة، النقد الذي يعترف بالجميل شكلا ومضمونا والاستشهاد بأسماء وطنية معروفة وبأشعار وأزجال لشعراء معروفين. موردا قول الشاعر الراحل الذي استشهد بمقولة عبد الكريم برشيد : «إذا كان للأدب تلامذة في الشرق فإننا في الزجل الأساتذة». أما الابن عبد القادر لقاح فذكر من جانبه ببعض اللحظات الحميمية التي كان شاهدا عليها ببيت والده ولعل أشدها تأثيرا بالنسبة له هي عندما رآه يبكي لأول مرة في حياته بسبب ضعف بصره، الذي أصابه في أواخر حياته، مما حال دون استطاعته القراءة، وهذا ما حز في نفسه كثيرا لأن القراءة كانت معنى وجوده، وتلك كانت هزيمته الوحيدة في الحياة، مردفا أن ما تعلمه من الأب هو الثبات على المرجعيات، فالمثقف الذي ليس له مبادئ مرجعية ليس مثقفا، كما أن للشعر أصولا وقواعد يجب الالتزام بها، والشاعر يجب أن يتوفر على ثقافة وإلمام باللغة، كما كان ضد الحداثة المتطرفة، وكانت مسألة انهيار وتراجع القيم تحز في نفسه، وكان يحث على ضرورة التمسك بالهوية، وأغلب قصائده كانت وطنية عن مليلية و سبتة والصحراء المغربية والقضية الفلسطينية، متخذا موقفا من الغزو الثقافي لأنه كان ضد الاستلاب …